جنون التصوير
هو آفة العصر الحديث وهو هواية مشتركة عند الجميع الصغير قبل الكبير .
ويطبق التصوير على كل حدث وفي كل مكان فمثلا وجه القهوة يصور ، وطعام الغذاء يصور ، وأول يوم في الامتحانات يوثق حتى من فارق الحياة تسرق له صورة من بين دموع المحبين ، واليد اليمنى لهذه الفتاة تصور ، والجزء الأسفل لهذا الجسد يصور وحدث بلا عدد عن الصور
والفيديو .
أي صور هذه وأي توثيق هذا الذي بات يحرم الكثيرين من لذة الاستمتاع بأحداثهم ويضيع عليهم لحظات مهمة من أجل صورة غبية فرض عليهم التقاطها .
قديما كان حامل الكاميرا شخص محسود ليس كمثله شخص ولا أتذكر صورة قديمة لعين أو يد أو أجزاء مفقودة من أرواحها فذاك المصور كان يلتقط صورة للروح والجسد معا ، أما اليوم فأكثر الصور هي صور فارغة من الروح .
إن وجود الكاميرا بالهواتف المحمولة هو أمر رائع وهي جوهرة ثمينة ، ولكن لا يعقل أن تكون هذه الأيقونة هي الهدف الأساسي لأي حفل يمر بحياة الإنسان ، ولا يجوز أن تصادر هذا الكاميرا لحظات جميلة من الحياة ربما لن يتكرر الشعور بها .
صوروا الأحداث بعقولكم ووثقوها بقلوبكم واتركوا الكاميرا جانبا ، فأن تبقى الذكرى في القلب خير من أن تبقى صورة محفوظة في أحد الأجهزة .
وأنت لا تعلم لماذا وكيف التقطت تلك الصورة ، ومن العادي أن تكون ابتسامتك بها لا تليق بإعجابك ، ويحدث أحيانا أن يتوسل البعض لصاحب الصورة بحذفها وربما تقع المشاكل .
وما لاحظته في بعض المواقف التي تصور مواقف صعبة جدا
لأشخاص فقدوا أعزاء على قلوبهم وتكون حركاتهم لا إرادية فيأتي أحد مجانين الكاميرا ويسجل فيديو و أو يأخذ صورة غير مرضي عنها ، والأغرب من ذلك أن يتم مشاركة الفيديو والصورة مع الأصدقاء والعامة طمعا في الحصول على أكبر عدد من التعليقات والإعجابات .
صورا وصوروا وصوروا ولكن تصوروا وتصوروا وتصوروا أنكم أصحاب صورة وجدت لكم على حسابات الآخرين وأنتم غير راضين عنها أبدا .
صوروا ما يستحق التصوير ، وأظهروا الأرواح بصوركم واستمتعوا بلحظاتكم الدقيقة في هذه الحياة .
وهنا يخطر ببالي العجوز البيضاء القلب التي امتلكت مهارة التصوير في ذهنها وكم من قصة سردتها العجوز وأبدعت بوصف الأماكن والأشخاص ، ولم تحتفظ بها في ذاكرة جهاز الكمبيوتر ولكنها خزنتها للأبد في ذاكرتها غير المحدودة ونقلتها لنا وحفظناها وتخيلناها وكأنها واقعا أمام عيوننا .
لمخترع الكاميرا فضل عظيم علينا ، ولكن أتقنوا استخدامها وحِدوا من جنون التصوير وعدوى انتشاره فهو داء بدأ ينتقل للأطفال الذين لا يدركون ماذا يصورون وكيف يصورون وماذا ينشرون .
-
أم عبد الرحمنأ. أنسام سلامة ماضي
التعليقات
للأسف الناس حاليا أصبحوا مشغولين بالتصوير عن الحياة , فبدلا من أن يعيشوا اللحظة كما ينبغي يضيعون الوقت في التصوير , و حتى معظم الصور تكون فارغة لا مضمون لها , مجرد صراخ و حركات و تعبيرات وجه غريبة .
بالتوفيق :)
يا أم عبدالرحمن ...
وكأن شعارهم بالحياة
" لاحياة بدون تصوير !!! "