"العناد" فيه سم قاتل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"العناد" فيه سم قاتل

  نشر في 10 غشت 2015 .

بعيدًا عن لغة التصنيف ونغمة الفسطاطين اللذين يدعي أتباع كل منهما أنهم أهل الحق المطلق وخصومهم أصحاب الباطل المطلق أيضًا، وبعيدًا عن جو الاستقطاب الذي أذكاه الإعلام الموجه (من كل الأطراف) حتى خرج من دائرة الخلاف السياسي إلى لغة الدماء والثأر المتبادل، لا بد لنا من كلمة رشد تعلي مصلحة الوطن وأهله (كل أهله) حتى لا نأتي بعد عقود لنقول تلك الكلمة التي يتجسد فيها البؤس كله "ليت".

من المسلم به عقلاً وواقعًا أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تنهض أمة أو تتقدم دولة في ظل احتراب أهلي وتربص الجار بجاره والأخ بأخيه، وفوضى العداء الذي غلبت أسباب استمراره المنطق، وما سلوك إغماض العينين لإقناع النفس بعدم وجود "الآخر" أو إمكانية إلغائه إلا درب من دروب الحمق لا يفضي إلا إلى مزيد من العناء للمجتمع بكل أطيافه.

لا بد من إدراك الحكمة التي تقول إن السعيد من وعظ بغيره والشقي من جعل نفسه عظة للآخرين، فلا يمكن أن يرى عقلاء تجارب من سبقوهم في طريق العداء الأخوي في بلدان شتى وما حل ببلدانهم من خراب ودمار وما آل إليه صراعهم في النهاية بعد الخسائر الهائلة، ثم يكملون في نفس الطريق متوهمين الوصول إلى نتائج مغايرة، على الرغم من أن الطريق الواحدة نهاياتها متطابقة، ونظرة عامة على التاريخ القريب في محيطنا الجغرافي تمنحنا عدة نماذج للصراعات البينية العبثية والتي لم تفلح إلا في القتل والتشريد والتدمير، ولم تنجح إلا في تأخير تلك البلدان سنين ضوئية عن ركب الحضارة، وبالمثال يتضح المقال:

في العام 1975 وعلى غير اتفاق مسبق دخل اللبنانيون بشتى طوائف مجتمعهم حربًا أهلية طاحنة ظلت رحاها دائرة حوالي 15 عامًا، مات خلالها عشرات الآلاف واحترقت المدن وخفت كل صوت إلا أصوات الرصاص والانفجارات وأنهار الدماء المتدفقة، خلال هذه المدة الطويلة من الصراع كان كل طرف من أطرافه يوهم نفسه أنه سيحسم المعركة لصالحه وسيستطيع إلغاء خصومه، لكنهم بعد كل الخراب الذي تم والدم الذي سفح والأعمار التي ضاعت اكتشفوا أنه لا يحل خلافاتهم إلا الجلوس والتحاور والاتفاق على إطار للتعايش ، ولم تنته الحرب الأهلية اللبنانية بانتصار أحد أطرافها بسلاحه بل انتهت باتفاق الطائف في السعودية عن طريق الحوار والتفاهم.

وعلى ذات المنوال دخلت الجزائر في عقد التسعينات مسلسل الاقتتال الداخلي، وعاشت عشرية سوداء خسرت فيها ما لا يقل عن 200 ألف جزائري، ولم تخرج من هذا النفق المظلم إلا بعد مصالحات بين الجيش والجماعات الإسلامية المناوئة له.

إلى الآن نحن والحمدلله لم ندخل مرحلة الحرب الأهلية الشاملة وفرصة التوقف عن السير نحو هاويتها مازالت بأيدينا، وما نحتاجه فقط هو التوقف عن العناد الصبياني والاستماع إلى صوت الحكمة، فالعناد لا يستحق منا أن تراق كل هذه الدماء لنزيحه ونضع مكانه العقل والمصلحة العامة.. فلنتخلى عن عنادنا قبل فوات الأوان، فالعناد فيه سم قاتل.


  • 4

   نشر في 10 غشت 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا