كورونا : داء العطب مُستجدّ (2/2) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كورونا : داء العطب مُستجدّ (2/2)

  نشر في 04 أبريل 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

كُتُب وأفلام : توقُّعات، نُبُوءَات أم مُصَادفات ؟

من الطبيعي أن يتم ربط الأحداث الجارية بتوقعات سابقة سواء العلمي منها أو الفني أو الأدبي ووصولا إلى الابداع السينمائي. فمرورا بأفلام الخيال العلمي التي تحكي عن انتشار الوباء واستشرائه في المعمورة بسرعة رهيبة واحتكار ثلة متحكمة في العقار المعالِج، وتحول الآدميين إما إلى وحوش بفعل الداء أو تعرضهم للموت المحقق جراء فتكه بأجسادهم، وهي على غرار "The Resident Evil" بأجزاءه الستة ومصطلح "الخطر البيولوجي BIOHASARD"، وفيلم "Contagion" ونكتفي فقط بهذين المثالين على تعدد الأفلام في هذا الصدد. كما هي أيضا متعددة كتب الخيال العلمي كرواية "عيون الظلام The Eyes of Darkness" للروائي الأمريكي "دين كونتز Dean Koontz" الصادرة سنة 1981 وحديثه عن سلاح وُوهان-400 وهو سلاح بيولوجي فتاك تم تطويره في مختبرات، وكذا كتاب ''نهاية الأيام The Ends of Days"، الصادر سنة 2008 للمُنجِّمة والمتشوِّفة الأمريكية الراحلة "سيلفيا براون Sylivia Browne" والذي كتبت فيه أنه إبان سنة 2020، سيظهر وباء يصيب الرئتين بالالتهاب ويؤدي لوفاة العديد من البشر.

رواية "عيون الظلام The Eyes of Darkness" للروائي الأمريكي "دين كونتز Dean Koontz" الصادرة سنة 1981 

ومما ينبغي التأكيد عليه، أنه من الطبيعي عدم اتخاذ هذه الأفلام تطبيعا لاعقلانيا أمام مؤامرات محتملة، رغم أن التآمر لم يتوقف لوهلة على مر التاريخ بل هو من محركات عجلة التاريخ، وأن السينمائي والروائي بوصفهما عموما قارئين وبحَّاثين في مصادر شتى لإغناء فنَّيْهِمَا وليس من حقنا أن نصادر صيدهما في الابداع، واستثمارهما هذا الرصيد لجلب المشاهدين من جماهير السينما والقراءة لأن هذا من حقهما.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نغفل أن هذا الكم الهوليودي من الانتاجات في رصيد البشرية من أعمال تتحدث عن الخطر البيولوجي وبأن السلاح البيولوجي لا يقل خطرا عن السلاح التقليدي، وربما تكون هذه الأعمال مقدمة لتطبيع المشاهد والقارىء مع قادم الأحداث حتى قبل ظهورها، بما أن الأحداث اليوم – والدليل بين أيدينا – دارجة على كل لسان، وغالبية من شاهد وقرأ يستحضر هذه المقارنات والمفارقات، فمن حقنا طبعا التساؤل ؛ هل هؤلاء يعدوننا للتطبيع مع الخطر البيولوجي القادم مثلما كانوا يوجِّهون النقاش في الغرب حول خرافات وجود أطباق طائرة وحضور الفضائيين واستعدادهم لغزو كوكب الأرض، وأيضا بشأن قِيَامِيَّات (من القيامة) فَنَاءِ العالم ؟ طبعا وبلا سذاجة هناك فرق، لكن وجب فقط أن نذكِّر.

لقطة من فيلم "Contagion" من إنتاج وورنر بروس © 2011 WARNER BROS

سياسيُّون يصارعون المرض أم يصارعون بعضهم

مما لا شك فيه أن العالم المعاصر قد تغير بعد نكبات معروفة في قراطيس التاريخ، فبدءً بالحربين العالميتين (1914-1918 وَ 1939-1945) وما آل إليه العالم بعد إنشاء عصبة الأمم والأمم المتحدة لاحقا، وعُرَى الحرب الباردة بين القطبين وانهيار جدار برلين وأحداث 11 شتنبر، وأزمتي 1929 و 2008 الماليتين، فالعالم بوصفه مُعَوْلَمًا فقد ولد من رحمه عالم جديد، أحدث قطيعة شبه تامة مع كل عالم سابق وما يزال، وفَنِيَ فيها المغلوب في سياسة الغالب بالتعبير الخَلْدُوني (ابن خلدون)، وتشكلت قوى أحكمت السيطرة على عالم أضحى ساحة وَغَى للميغا-إمبريالية، وألقت العديد من الدول المنتصرة بوشاح الأخلاقيات والمبادىء، وراغت مُنْبَرِية للاستحكام على الثروات وأمسكت زمام الأسواق ودفعت بالجيوش لخوض الحروب الطاحنة وقصف الدول المارقة، وأصبحت إديولوجية المنتصر هي الشريعة الغالبة شرقا وغربا.

وبعد تشكل أحلاف عملاقة، في الاقتصاد والسياسة، عاد من الضروري البحث عن مصادر الاسترزاق والاستغلال وراح الإمبرياليون القدامى والجدد يغزون ويقمعون جل الدول، ويتوافقون فيما بينهم عبر مواثيق موقعة سرا وعلنا، بدء بسايكس-بيكو، ومرورا بخطة مرشال لاعادة الإعمار، وانتهاء بالفوضى الخلاقة، وصاروا يوزعون نفط العراق، وثروات أفريقيا الباطنية، وينهبون تحت غطاء السياسة والمصالح وأيديولوجيات إِنْسَانَوِيَّة وسِيَاسَوِيَّة مختلفة.

السياسيون في الغرب، تضاربات مصالح، وشّحُُّ في مدِّ يد العون 

لكن السحر انقلب - ولو جزئيا حتى اللحظة - على الساحر، وصاحبت الأزمة الراهنة نقصا غير مسبوق في مستوى هرمون الانسانية، ورأينا وقرأنا غير ما مرة سياسيا أوربيا يرفض مساعدة أخيه وحليفه الأوروبي الآخر على مستوى الدول، وتابعنا غير بعيد ترددا في بعث مساعدات مالية أو طبية، بل ما سمعناه بغض النظر عن طبيعة الحجر الصحي، تصريحات مستهزئة بالداء في البدايات، وبما يحدث في بلدان مجاورة، إلى أن حل الوَبِيلُ بأرض الكل، فقرروا على غرار الولايات المتحدة إغلاق الحدود الجوية والأرضية حتى عن أقرب الأقربين، واستعرت حرب التصريحات بين ترامب والصين بشأن المتسبب الفعلي في الجائحة، وطالعنا رفض دولة كندا مثلا لنشر الجيش الأمريكي على حدودها مع جارتها، ناهيك عما لم نسمعه ونره من تراشقات وصراعات خفية، هي أشبه بمقولة الراحل الإيطالي أمبرطو إيكو : "أوروبا وحدة اقتصادية، وليست وحدة لغوية"، ويبدو أنه لو عاد للحياة لعَدَّل من قولته بما هو أفظع.

تجار المآسي وعَرَّابُو الجوائح

من الطبيعي ألا تجعل من دماغك إسفنجة شافطة تجمع الغثَّ والسَّمين من الأخبار دون إعمال العقل والاتزان بالتفكر والتريث، ومن الطبيعي ألا تكون جميع الأخبار صحيحة بالضرورة. أما وقد علمنا في تضاربات متعددة للمصادر، بأن الصينيين هم المتسبب في الوباء، عن طريق بعث الفيروس من أجساد الخفافيش التي دأبوا على أكلها منذ سنين خلت، والتي تطورت فيما بعد في أجساد الثدييات لتصل إلى الإنسان بشكل متطور وعسير على الشفاء، وبشكل فُجائي ومتمرد على أشكال الفيروسات السابقة من "السارس SARS" وَ ''إيبولا EBOLA'' وَ "ميرس-كوفيد MERS- Covid" وغيرها.

أخبار زائفة متعددة ترافق دوما ظهور الأوبئة والكوارث

ومن الطبيعي أن ترى جُلَّ الساسة قد أصيبوا لكنهم لا يموتون في الغالب مع أن أغلبهم في سن متقدمة أو أعلَّة بأمراض مزمنة، غير أننا كما لا نطالب بموتهم بنوبات تنفسية بالمرض مثلما لا نريد البتة أو تكون هناك محاباة في العلاج، أو "علاج Premium" وَ "علاج عادي Standard"، كما أن البلوى التي عمت رصدت لها تريليونات الدولارات، فهل تصرف في مسالكها أم أنها مجرد أرقام مبثوثة في الهواء، وخاضعة للأهواء ؟

ناهيك عن جبال وآكام من أخبار عن أبحاث لمختبرات تحاول إيجاد الدواء الذي سيكون بمثابة أكسير الحياة، وهي المختبرات التي يسيل لعابها تحت طلبات من جهات معلومة وغير معلومة لادخال ملايير مُمَلْيَرَةٍ على خزائنها، مثلما ستدر أموالا على الدول المتنافسة حاليا في إيجاد العقار الذي سينقذ البشرية، وهناك من يتحدثون بأن غالبية الأطباء المختصين في مجال البيولوجيا وطب الجراثيم مطالبون بالتحدث فيما بينهم والتواصل فيما بينهم في هذا الطارىء، غير أن تصريح إحدى الخبيرات على إحدى المحطات الإعلامية، نفت ذلك قائلة بأن هذا الأمر مطلوب لكن للأسف لا يحصل على أرض الواقع، وهو أمر يدعو إلى الكثير من التبرُّم والشَّك.

وتتناسل من هنا وهناك وهنالك دوما أخبار الدجّالين والمُرْجِفِين والخرَّاصِين حتى قبل ظهور الوباء، وتجار المآسي والجوائح يتنقلون أيضا بين الأخبار الزائفة على مواقع التواصل بغية خلق البلبلة وأحيانا مدفوعين من جهات معلومة وغير معلومة، فتصور نفسك في حرب تنقطع فيها أرزاق الناس أو في أزمة تحاصر التواصل وأسباب السفر أو في مكان قفر ليس فيه ينبوع ماء، فستجد نفسك مرغما عن يد وأنت صاغر على تقديم رشاوى لقطاع الطرق، أو من يمتلك وسيلة نقل كي تنجو بجلدك ومن معك، وستضطر للبحث عمن يبلل جفاف حلقك بقطرات ماء حتى لا تهلك، ولذلك فحتى أمام زحف الأخبار المتقاطرة فنحن مدعوون لتمريرها عبر رَوَائِزَ تمحيصية، أما الحكومات اليوم فهي محكومة باستدعاء قدراتها الذاتية ومستقبلا أيضا وعدم انتظار من يساعدها، وأيضا فإن المواطن في كل الدول ارتبط مصيره أكثر بمدى وعيه وضبطه لنفسه وتحري عدم الوقوع في شرك تصديق كل ما يقال، بل حتى كل ما قد قيل.

أسئلة مُسْتَحَقَّة مشروعــــة

لطالما وُوجهت أغلب الأسئلة الحارقة باعتبارها مارقة والسؤال الصريح دوما باعتباره شيئا مزعجا، بأجوبة تدسها الحكومات والمنظمات في التراب أو تؤجلها في ردهات أشبه بالمتاهة حتى يعلوها التراب بخصوص مستقبل البشرية، وبطبيعة الحال فإن الأجوبة لا ينبغي فيها التسرع المتهور، ولا التريث المتواكل المتكاسل، فهذه الأوقات العصيبة الطارئة تجعلنا في حِـلٍّ عن التأجيل والتعطيل.

ومن جملة الأسئلة التي من الممكن أن تتبادر للذهن مثلا ؛ هل ما نعيشه اليوم هو فعلا صراع بين قوى إقليمية جديدة وأخرى في طورها للاضمحلال أو على الأقل ستفسح المجال لقوى صاعدة وتكتفي هي بأدوار أقل أم تبادل أدوار ومسرحية مزيفة، وما هو ثمن ذلك أو كلفته ؟ ما دور الدولة الوطنية اليوم وغدا، خصوصا في الدول التي تعاني من تبعية لمعسكر سواء شرقا أو غربا ؟ وهل الأجيال القادمة ستعيش أو ستجد نفسها أمام معضلات إعادة ترتيب أوراق اقتصاد وسياسات ربما سيكون شكلها مدمرا أو شبه مدمر ؟ وهل يحق لنا اليوم أن نتسائل قبل أي وقت مضى في ظل سُعــارِ الاِنفاق سالفا على الأسلحة عن تلك الدول اليوم في الاِنفاق أكثر على مجالات ربما أكثر حيوية وأكثر إلحاحا وهي القطاع الطبي والتعليم والأمن والأمن الغذائي، والانفاق على بناء الانسان بدل البُنيان ؟ وهل من الممكن أن تعي الدول المرتبطة بحلقات التصدير والاستيراد الكلاسيكية أكثر بنفسها وأن تعنى أكثر بالتخلص تدريجيا من تبعية مقيتة قد تبقيها في أزمنة الأزمات عرضة للاضمحلال والانقراض والتبعية والانتظار المُهلك ؟ وهل الدول الغربية التي نراها اليوم تتبرأ حتى من أديولوجيتها وقِيَمها بالرغم وتبرز عيوبها وتفسح المجال للأنانيات ألا يجدر بها إعمال التفكير الجمعي وإبداع إيجاد سبل الخلاص الجماعي بتظافر الجهود بدل الفردانيات المدمِّرة ؟

تساؤلات واستفسارات كثيرة وغموض يلُفُّ ظهور هذا الفيروس

وعلى صعيد آخر، وفي ظل هذا الزَّخْم فيما يخص البحث العلمي الوبائي في كل مجالاته وأبعاده وفي ظل احتكار المعلومة، ما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه الأرواح البشرية على هذه المعمورة كي تترك الأحياء الذين لن ينسوا أهاليهم ولا من هلكوا من البشرية جمعاء ؟ لسلطان المغرب المولى عبد الحفيظ مقولة شهيرة عَنْوَنَ بها كتابه الشهير في إصلاح السياسة وأحوال البلاد والعباد : "داءُ العَطَبِ قديم"، بيد أن الداء اليوم أصبح مُستجدََّا ومستفحلا، وداء المفاسد قديم ومستجد في مفاصل البشرية، والخطب أضحى جادا وجللا، حتى لا ننتظر سنة أو سنة ونصف ويخرج علينا عرَّاب من العرابين، من ذوي الأصوليات المتعصبة من البيض أو من أية جهة قائلا : "لقد وجدنا الترياق، عليكم أن تدفعوا !'' ...

_______________________

@ بـــــــــــــــــدر غيــــــــــــــاتي 2020


  • 5

   نشر في 04 أبريل 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

مرزوك منذ 4 سنة
مقال جيد من اليوم اتابعك .
2
بدر غياتي Badre GHIYATI
بارك الله فيكم أخي ، مرحبا بك.
أماني منذ 4 سنة
كله بأمر الله اخي بدر
2
بدر غياتي Badre GHIYATI
طبعا أخت أماني، شكراََ على القراءة والتفاعل.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا