جريمة اغتيال مباغتة كان ضحيتها المستهدف الأكبر قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ، و فيلق القدس هو فرع من فروع قوات الأمن الإيرانية المسؤولة عن العمليات العسكرية في الخارج ، تبدو القوة هنا مضاعفة جدا اذا ما قيست بالمخطط الأمني للدول الأخرى حتى القوية منها ، و هو ما يؤكد كون قاسم سليماني العقل المدبر لتوسيع النفوذ الإيراني ، أو التمدد الشيعي كما يسمى بالأغلبية ، ليس يهم تسمية الأدوار بقدر ما يهم عواقب أي جريمة اغتيال تطال القادة الكبار لأي دولة أو أحد رموزها البارزين .
بالنسبة لواشنطن منفذة الهجوم الاغتيالي لها ذريعتها في ذلك ، فهي تصف الرجل بان يديه ملطختين بالدماء الأمريكية على اثر الهجوم على السفارة الأمريكية ببغداد ، يقابله في ذلك شعبية كبيرة للرجل في ايران لا مثيل لها ، ربما لأنه روح المقاومة و أساسها المتين ، أو ربما ذكاء فريد من نوعه على اثر نجاح عملياته المسلحة و لا يهم في ذلك ان طالت أبرياء مثل ما حدث في سور يا ، يبدو أن الوضع ملغم و حساس أكثر بين ايران وواشنطن بل يترقبه حذر شديد في كيفية الثأر لدماء قاسم سليماني .
دور سليماني ظهر في العراق كونه المستشار العسكري لقوات الحشد الشعبي خلال المعارك ضد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية .
أيا كان وقع الاغتيال على أهل القائد أو شعبه ، أو مناصريه في لبنان و اليمن و لكل شبر يؤمن ايمانا قاطعا بضرورة المقابلة الند بالند لأمريكا تكون المعادلة صعبة في كيفية الثأر ، و قد تكتفي الدولتين المتقامرتين في استظهار القوى و قد يسبقه ترتيب لحرب قد لا تحمد عقباها ، و لن يكون من الغباء للمسؤولين الأمريكيين و الإيرانيين جر منطقة الشرق الأوسط و ما جاورها الى لهيب من نار لا ينطفىء في الوقت الذي تتخلى فيه ايران عن الاتفاق النووي ، ثم ايران لن تقبل بالهزيمة بمقتل قائدها و سيكون منها رد أيا كان شكله و موضعه من الألم و الندم لأمريكا ، المهم ستلقى أمريكا الجواب على الاغتيال المفاجئ و في مناطق ترسمها ايران بحيث يشفي غليلها ، ربما حيفا و ربما مواقع أكثر حساسية ، في الوقت الذي تنفي فيه إسرائيل مشاركتها في عملية الاغتيال ، فهل سيشفع لها هذا النفي في عدم الانتقام منها هي الأخرى ؟.
هي بداية العام الجديد تحمل في طياتها ملامح خريطة عالمية جديدة ، تعتمد أمريكا في رفع مستوى العقوبات الاقتصادية لتحافظ على الهيمنة العالمية ضد كل من يحاول تمرير الغضب عليها و من جهة أخرى هي رغبة الشعوب المضطهدة في أن تعيش في أوطانها بلا وجود أجنبي على أراضيها كحالة العراق ، و هو مطلب شرعي ، فلطالما شهد البلد نزاعات على أرضها و الشعب يدفع الثمن في هذه الخصومات ، ثم أمريكا لا تقبل أن تتنازل على الأولوية العالمية في السيطرة بالسلاح و الاقتصاد و النهب من البترول.
في خضم كل التكهنات قد يضطر الرئيس الأمريكي الى تغيير مزاجه نحو تهدئة الأوضاع و ليس كما يبدو في رفع لغة التهديد و الوعيد ،لأن أمريكا تعرف أن حزب الله لن يسكت على الحادثة و لن تمر عليه مرور الكرام ، و أمريكا تعرف جيدا أن حزب الله له حرب مباغتة مدروسة الأهداف ، ففي الوقت الذي تحرص فيه أمريكا على كسر التمدد الإيراني تندفع العراق عبر برلمانها نحو اخراج القوات الأمريكية من أراضيها ، لتبدو صورة الرئيس الأمريكي كرجل أعمال و ليس كسياسي حينما طالب بتعويض عن القاعدة الجوية ناسيا أن الشعوب الآن بلغت ذروة من الوعي في تقرير مصيرها بنفسها مهما كلفها الأمر من ثمن ، فماذا يوجد بعد الموت بالنسبة للشعوب المضطهدة ؟ ، لا شيء ، و لا نعرف ان كان الرئيس الأمريكي قد وضع في الحسبان أنه مقبل على انتخابات رئاسية .
من ناحية تطبيق نصوص القانون الدولي ، الرئيس ترامب بقرار اغتياله لقاسم سليماني يكون قد ارتكب خطأ فادحا ربما في التوقيت و في المكان و في الضحية ، معالم الجريمة مكتملة و قد سبقه إصرار و ترصد ، و لن يكون الرد الإيراني سهلا على الاطلاق بل يكون موجعا لأمريكا و لحلفائها الذين ينأون الآن عن الخصام و يفضلون تهدئة الأمور بدل التصعيد.
أيا كانت ثقافة الدولة المهيمنة عالميا يجب أن يعرف أصحاب الغاب أن ضعف الشعوب قد تغير الى قوة بالألم و الاضطهاد و أن المعادلات اختلفت و حتى التكهنات في السياسة قد تغيرت الآن ، لأنه بالعودة الى البادئ أظلم نجد أن جورج بوش بإعلانه احتلال العراق يكون قد فتح نار جهنم على أمريكا ، و لن ينس العراقيون دماء أهاليهم على مرابع ساحة التحرير..
دعوها انها مأمورة و الضربة الإيرانية ستكون في عقر الصهيونية الأمريكية حتى توقظ المسلمين الذين ناموا طويلا عن تقرير مصير فلسطين الغائبة و المغيبة حظرا و منعا في مراسيم جامعة الدمار العربية ، دعوها فإنها مأمورة فرب من حسبته ضعيفا يلقى بجسده في فوهة بركان الانتقام و سيكون جسد سليماني المغدور شارة زلزلة عالمية لموازين القوى و تزعزع اقتصادي عالمي في مراتب البورصة العالمية ...دعوها انها مأمورة يوم رفض المسلمون تقرير مصيرهم بأيديهم ليحموا قدسهم الشريف ، الله من فوق سبع سماوات يخلق الأسباب بمسببات قد تبدو للوهلة الأولى مجرد انتقام و ثأر للدماء و فقط ، و لكن الحقيقة ان الامتداد في اللعبة الحربية العالمية هدفها تحرير القدس ليس الا عبر ارتدادات زمنية و مكانية لصراعات إقليمية لا يدرك منتهاها الا اللبيب و المهدي المنتظر لتحرير فلسطين رغم مزاعم البعض حول نفي وجود هذا المسمى على ارض الله..و الأكيد المؤكد أنه لن يكون الا أمر الله مفعولا على أرضه في أن يرثها عباده الصالحون ، لتعي الدول المهيمنة أن قانون الغاب لن يكون له وجود على أرض العدل و الحق حتى و ان دوى النووي مخترقا لكل القارات .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
"المهم ستلقى أمريكا الجواب على الاغتيال المفاجئ و في مناطق ترسمها ايران بحيث يشفي غليلها"
أي غليل ذلك الذي سيشفي؟؟ قامت إيران بالرد المزعوم بعد تهديدات وتوعدات... على قاعدة الأسد بالعراق وكان واضحا جدا أنها تجنبت أي ضحايا من الجنود الأمريكيين.
يالله.....