إن الجودة مبدأ إسلامي وأسلوب إداري اتبعه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في إدارة الدولة الإسلامية فهو أمر الله بالإحسان والإتقان، يقول الله تعالى (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85]، ويقول سيدنا محمد صلى الهَ عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، فقد جُعل الإتقان من محبة الله وغاية لرضاه، فالجودة هي الإحسان والإتقان أمرنا بها الله ودعانا إليها رسولنا الكريم.
بدأت الجودة كعلم يدرس في أمريكا حيث أُنشئ المعهد الفدرالي الأمريكي للجودة بإشراف من إدوارد فليمنج و جوزيف جوران ، اللذان قامت أمريكا باسترجاعهما من اليابان بعد أن استعانت بهما لإعادة بناء نفسها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد نجحت بالفعل في جعل منتجات مصانعها تغزو العالم بجودة عالية وسعر خفيض، ومن أمريكا انطلقت الجودة رسميا وأصبحت تدرس في المعهد وتطبق في تقديم المنتجات.
كانت بداية تطبيق الجودة تتم من خلال عمليات الرقابة والفحص والقياس على نماذج مسبقة، ثم تطورت لمرحلة لضبط الإحصائي كأسلوب علمي أكثر دقة لتشخيص المشاكل التي تواجه العملية الإنتاجية، وانتقلت بعدها لمرحلة ضمان الجودة عى أساس مبدأ التلف الصفري الذي استخدمه عالم الجودة كروسبي كأسلوب جديد لتعزيز الثقة في المنتجات المطروحة في الأسواق.
ومن ثم ظهر مفهوم إدارة الجودة الشاملة الذي لازال قائما كأحدث وأفضل الأساليب الإدارية التي تسعى لتحقيقها قطاعات الدولة الخاصة والعامة لتجويد خدماتها ومنتجاتها وتحقيق الرضا التام عنها، والتقدم على منافسيها بخطى حثيثة، وظهرت المواصفات والمقاييس العالمية لضمان أعلى درجات الرضا الجماهيري والوظيفي على حد سواء عبر خدمات متكاملة تحقق رغبات بل وتوقعات طالبي الخدمة من خلال التنبؤ بما يرغبون به في المستقبل، كما وُضعت الجوائز والشهادات للتحفيز والتشجيع ونيل المراتب المتقدمة في الجودة على أن أول الجوائز التي ظهرت هي جائزة فليمنج للجودة في اليابان اعترافا له بدوره وحسن صنيعه، كما ظهرت سلسلة المعايير الدولية "ISO 9001" وأصبحت من اهم الشروط التي يجب توفرها لإتمام عمليات التجارة الدولية في كافة دول العالم بنجاح وضمان الحصول على حصص كبيرة في الاسواق العالمية.
وأخيرا فإن الجودة هي تحسين مستمر بلا يأس ولا توقف تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، كما أنها أسلوباً للإرتقاء بأعمالنا الدينية والدنيوية وعلى مستوى الحياة بكافة مجالاتها.