جنون الإسراف السلبي عند أثرياء العرب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جنون الإسراف السلبي عند أثرياء العرب

جنون الإسراف السلبي عند أثرياء العرب..

  نشر في 02 أبريل 2018 .

جنون الإسراف السلبي عند أثرياء العرب..

هيام فؤاد ضمرة..

2/4/2018م..

يعانون وما أكثر ما يعانون، يكذبون على أنفسهم فقط لأجل اشباع ما يمور بداخلهم من اعتلالات، ويتلاعبون بمليارات الدولارات لمجرد قضاء متعة ذاتية آنية تُشبع فيهم حب التفرد والانفاق بالمبالغ الخيالية وتملك الأشياء التي أحياناً ما تكون ليس لها معنى يذكر على صعيد الفائدة غير أنها ممتلكات شخصية كانت تخص أشخاصاً مشاهير في هذا العالم الغريب، والتمتع بكونهم يمتلكون المقدرة المالية على ممارسة الجنون بغير تحكيم عقول أو اجفلال جفون، فيا وعد الله لأولئك المبذرين بغير تحكيم عقل أو ضمير ولغير الوجوه المشروعة لما فيه خير الانسان والانسانية، وهذا النوع من التبذير مكروه شرعا لقوله تعالى "إنَّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين" والاسراف كمثل التبذيرمذموم لقوله تعالى " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المُسرفين" حتى اعتبر الإسراف من الإستكبار في الأرض فوصفهم النبي المصطفى بقوله" كلوا واشربوا البسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" أخرجه البخاري

إن العبور إلى ما وراء كواليس الأثرياء يجعلك تكتشف الكثير مما يبالغون العيش ضمن مظاهره وظروفها، فالذين ينفقون المليارات في شراء سكن ذي خصائص تاريخية أو امتيازات حضارية فإنه يتمتع بهذه الامتيازات بنفس القدر الذي يتمتع بها فريق الخدم الخاص العامل معه داخل هذا السكن رغم فقرهم، لأنهم يقاسموه حياته داخل هذا السكن ويمتعون عيونهم وربما أنفسهم بكل ما فيه من امتيازات حتى وإن تغيرت الأدوار بينهم وبين المالك الحقيقي، إنما من يشتري حذاء لاعب كرة قدم بالملايين من أثرياء العرب فما الذي سيعود عليه هذا الحذاء من منافع، ومن سيهتم بامتلاكه من بعده، أليس ذلك من الاسراف غير المنطقي؟.. إن الخليجي الذي يشتري زوج حمام زاجل بملايين الدولارات فكم هي المدة التي يعيشها الحمام ليستثمره خلالها؟.. وذلك الذي اشترى تلفون نقال آي فون قبل نزوله الأسواق بمليون ريال فكم من الوقت احتفظ به مستفردا قبل نزول الهاتف رسميا للأسواق وثبات سعره العادي؟

يجب أن تكون قريبا جدا منهم لتعرف أي المشاعر تجابههم حين يتخذون قرارا غير منطقيا بالانفاق الجنوني لأجل تملك الأشياء السخيفة بحجة التفرد والتميز، ويرى الكثير من المحللين حول واقع الأثرياء الغريب في الانفاق السلبي بأنّ هؤلاء استخدموا وسائل غير اعتيادية في جمع أموالهم الكثيرة التي تفوق احتياجاتهم بنسبة أكبر من الكبيرة ولهذا يرون أنهم يملكون الحرية في طريقة إنفاقها، وكأنهم بذلك يشترون حريتهم بالدرجة الأولى لأن امتلاك قدر كبير من المال يجعله يشعر أن ماله ليس فقط لشراء احتياجاته الأساسية وتوفير وسائل الراحة والرفاهية لحياته لأنه قادر أن يفعل بأمواله ما لا يقدر فعله الآخرين، امتلاك المال يعني امتلاك الحرية والتفرد بالقرار لأن ماله يوفر له كافة احتياجاته في هذه الدنيا التي تستوعب الاثرياء أكثر من سواهم، فالمال بالنسبة للثري مملكته الخاصة تلك التي تنفتح لها كل الأبواب المغلقة كما تنفتح أبوابها على كل العالم بلا قيود.

الأثرياء ينفقون مبالغ خيالية على يخوتهم العائمة في مياه البحر وعلى خدماتها وحراستها واستئجار موقع رسوها وصيانتها، وعلى طائراتهم المصممة على مستوى عالي جداً من الرفاهية ومهمتها أن تتعلق بين السماء والأرض في تنقلاتهم الخاصة، وجزرهم الخيالية الخاصة حيث يمارسون حياتهم الخاصة دون رقيب أو حسيب وبمظاهر رفاهية عالية المستوى، ومقتنياتهم الشخصية التي يتسوقونها بمبالغ جنونية تفوق قدرة العقل على الاستيعاب، وحفلاتهم وولائمهم الخاصة التي تهدر بها الأموال والمواد بصورة مبالغ فيها حد الدهشة ثم تتحول بقاياها إلى مكبات النفاية بلا أدنى احساس بالمسؤولية تجاه من يفتقدون لقمة العيش الضرورية في هذه الحياة البائسة.

واقع الأثرياء ربما ينظر إليه على أنه واقع أليم حد الاغتراب عن الذات، فهل حقا هم كذلك؟.. يعملون بجد وذكاء وقدرة على استغلال الفرص السانحة وحصد الأموال بكثرة حتى تتراكم أموالهم بحيث لا يعودوا قادرين على عدها وفتح استثمارات لا يعودون يقوون على متابعة أعمالها فتصبح مما يدير نفسه بنفسه وما عليهم سوى حصد الأرباح فقط بمتابعة بقاءها الدجاجة التي تبيض ذهباً، فأهدافهم واضحة بالحياة وأذهانهم نشطة وذكائهم يتيح لهم سرعة التصرف ومعرفة المنافذ إلى بر الأمان جيداً.

ليس هناك ما يجعل الأثرياء يفكرون بأمنهم ومستقبلهم، وإنْ كان تفكيرهم يتمركز في كيفية البقاء على هذا المستوى من الثراء، ولهذا الأذكياء من الأثرياء لا يتورطون بالدخول في صفقات تتمخض عنها أي متاعب ولا يدخل في استثمارات معقدة مرتبطة بالمخاطر والمفاجآت التي لا يمكن السيطرة عليها، ومستعد أن يستقل الطائرة بالدرجة العادية رغم قدرته السفر بالدرجة الخاصة لرجال الأعمال فقط لأنه يدري أن المبلغ الذي يتوفر من هذا الفارق له وسيلته باستثماره بدل فقده، والسفر في نهاية المطاف واحد وبطائرة واحدة سيصيبه ما سيصيب الآخرين لو تعرضت الطائرة لأي حادث، ثم إن الأثرياء من عادتهم تنويع استثماراتهم بحيث لا يضعونها كلها في سلة واحدة، فإن تعرض أحد استثماراتهم للانهيار حملت استثماراته الأخرى حجم الخسارة وعوضتها في زمن قياسي، فالتنوع في الاستثمارات يوفر غطاءا واقيا ضد المخاطر.

والمال يمكنه شراء كل شيء إلا السعادة الداخلية فلا يمكنه شراء الصداقات الحقيقية البعيدة عن المنافع ولا حتى الحب النقي غير المحكوم بالمطامع، فمن ذا يهتم بالقيمة الذاتية لشخصية الثري، فالنظر إليه على أنه كيس متحرك من المال بين الناس يطغى على أذهانهم وعقولهم وفي مرأى عيون الغير على ما يمتلكه من مقومات شخصية خاصة، ويترتب عليه بالتالي على ما يظن هو أنْ يصنع عالمه بالكيفية التي يريد دون النظر لرأي الآخرين وهذا ما يجعله يمارس التسوق بمشتريات أكثر ما يمكن تسميتها بالحمقاء فقط لكونه من أهل الترف الذين وصفهم الله بقوله " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض" صدق الله العظيم.

إن ما نراه ونلحظه من مظاهر الثراء والاسراف عند الأثرياء ليس إلا نقطة في بحر عظيم من ممارساتهم فالأثرياء من عادتهم التكتم على اسرافهم المتعدد الجوانب، انما بعض الصفقات تتسرب من الجانب الآخر بعمليات الشراء أو المقايضة، وبالغالب يخفون انفاقاتهم قدر ما يستطيعون بل ويحاولون حرمان خدمهم أو العاملين في استثماراتهم من امتيازات كثيرة خشية تسرب الطمع إليهم، ولذلك كثيرا ما يحكم المقربون من الأثريا عليهم بالبخل الشديد، ويصدمهم واقع تسرب عمليات اسرافهم في غير المواضع الطبيعية من الانفاق.

كثيرون من أثرياء العالم ممن يمتلكون سيارات فارهة جداً يحاولون التحرك على الشوارع العامة في سيارات بسيطة منعا للفت الأنظار، على عكس ما يفعله أثرياء العرب الذين يستعرضون سياراتهم الفريدة والغريبة والباهظة الثمن في شوارع عواصم العالم وأمام محلاتها التجارية الفخمة وينقلونها من عاصمة لأخرى بكلفة خيالية من قبيل الاستعراض، لتلاحقهم كاميرات الاعلام وتصور حالة بذخهم الأسطوري فيما ابتسامة عريضة ترتسم على محياهم

هناك من الأثرياء الغربيين من هبطت عليهم الثروة بصورة مفاجئة على حين غرة إما من خلال عملية تجارية رابحة بصورة كبيرة لظروف تغير بالأسواق المالية أو الاقتصادية، أو من خلال وراثة أموال أهل وأقرباء، أو من خلال عمليات أعمال غير نظيفة ولا شرعية، فهؤلاء تصيبهم حالة غريبة من الهواجس خوفاً من فقد الثروة الهابطة عليهم فيزدادون بخلا وحرصا ويرون أنفسهم ضمن حدود البساطة أكثر راحة وهدوء، ما يحدث عند هذا النوع من أثرياء العرب فإنهم تأخذهم عظمة التظاهر بالثراء فيشترون القصور الفخمة ويعيشون مع الحيوانات الخطرة المدجنة من قبيل التفرد والاستعراض، ويمارسون رفاهية مطلقة في كل النواحي فالعرب مهووسين بمظاهر الاستعراض ولذلك يبالغون بولائمهم واحتفالاتهم ومظاهر عيشهم بصورة عامة ويثيرون غيرة وحسد الفقراء والمعوزين.

بعض الأثرياء يرون بالمال قيدا يكبلهم ومسؤولية تضيق الخناق عليهم فتصيبهم حالة من التهور وغرابة بالأطوار حد تصويرهم بغير المتمالكين حدود تصرفاتهم فيصابون بالرعونة والتفلت من القيود المجتمعية، وعزاءهم الوحيد أنهم بعد لأي من الزمن يكتشفون المعنى الحقيقي لحياة البذخ ومعنى التمتع بما لا يستطيع غيرهم التمتع به ، فالثراء عند البعض يتحول إلى أداة تعذيب نفسية مرهقة فيمارسون الغريب من الأعمال

الغريب أنّ الأثرياء يصيبهم شعور أنهم مستهدفون بالمطامع وأنّ مخالطيهم من الفئة المتكسبة على ظهورهم فيفقدون الثقة بالناس ويتحسبون في أمر مخالطتهم لهم ولذلك فإنهم يصبحون بلا أصدقاء حقيقيون، وهنا الطامة الكبرى فسرعان ما يجدوا أنفسهم يعيشون بين الجدران الباردة بلا مشاعر تلون حياتهم بالنور والحبور فيصيبهم الاكتئاب والملل، وإما يلجئون إلى الإساءة لأنفسهم بأي شكل كان أو الارتماء في أحضان الاسراف كتمرين على اكتساب مظاهر العيش بالاسراف.

مما لا شك به أنّ المال يمنح صاحبه منافذا إلى عرين السلطة والقوة، فيحاولون إما التأثير عليها عن بعد أو اختراق حصنها بصورة شخصية وينفقون لأجل أهدافهم في ذلك الأموال الطائلة، فالمعادلة محسومة في عقولهم كالبيع والشراء باحتساب الأرباح، قد لا يكون في ميلهم هذا اسرافا بالمعنى الذي نتحدث عنه ولكنه باباً يدخل منه مارد الاسراف بتهور مما يعرضهم للمقامرة في بعض الأحيان وللاستغلال وحلب الضرع المليء في أحايين كثيرة

إنما هل يظل الأثرياء على ثرائهم وجنون ممارساتهم وإنفاقهم المتهور في أمور لا طائل منها في ظل العولمة المجنونة وفي ظل التغول الأمريكي على خزائن الحكومات العربية وبالتالي ملاحقة هذه الحكومات لهؤلاء الاثرياء الذين اغتنوا بطرق الاستغلال لخيرات بلادهم والمتاجرة على حساب خزينتها أي بالطرق الفاسدة التي تدخل في نطاق الفساد والتكسب من أصول المال العام حين كانوا يستظلون بمظلة من هم أكبر منهم في سلب الأموال العامة بالطرق غير الاعتيادية؟ من المؤكد أنّ أثرياء العرب باتوا من الفطنة للتلفت يمنة ويسرى قبل الخطو للأمام خطوة واحدة، فهل سنعاود السمع عن انفاقات مجنونة كتلك التي تعد اسرافاً مكروها يوجب الحجر على أصحابها؟


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 02 أبريل 2018 .

التعليقات

Ahmed Tolba منذ 6 سنة
من أصبح غنيا دون تعب فسينفقأمواله فيما لا يفيد وسيحتقر غيره من الفقراء
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا