مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة

مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة

  نشر في 12 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

قال أحمد الشقيري فيما يخص المزاج : (( القرارات السليمة مبنية على المبادئ لا المزاج )) .

صحيح إن الإنسان عبارة عن مجموعة من العواطف والاحاسيس والمشاعر والشهوات والغرائز ؛ الا ان الامر الجوهري الذي يميز الانسان عن باقي الحيوانات العقل والعقلانية ... ؛ فالعقل ميزان من خلاله نستطيع معرفة الفروق بين الاشياء وتحديد المواضيع , ولولا التفكير ما وجدت الحضارات ولا العلوم ولا الانجازات والابتكارات والاختراعات العلمية , ولا المعتقدات والاديان والنظريات ... ؛ بل لولا العقل والتفكير المنطقي الصارم لما استقامت الحياة واستقرت وتطورت , فالتفكير العلمي سيرشدنا إلى الحوار العقلاني ويُنتج من الاختلاف مساحات أكثر اتساعا لطرق حياتية جديدة ونظريات وسلوكيات مختلفة وفعاليات متجددة ومتغيرة ... ؛ وهو بوصلة التجديد والإبداع والعمل والتنظيم و التأمل والبحث للكشف عن الأسرار الطبيعية والحقائق الكونية ؛ لرفع الظلمة عن حياة بني البشر؛ لتشرق انوار محكمة الفكر وشمس العقل ... ؛ وعندها يكون العقل والمنطق هو المناعة التي تصون الانسان من الانفعالات والتصرفات الهوجاء والرؤى الظلامية والخرافات والخزعبلات والهرطقات والشذوذ والانحرافات والاخطاء المهلكة ... ؛ أي أن ما يميز العقلانية هو اتساق وصلابة الإجراءات والأفكار التي تنبثق عنها ؛ لذلك تقول : النظرية أن شيئًا ما منطقيًا يمكن فهمه من قِبل العديد من الأشخاص ، لأن تماسك هذه المجموعة من الأفكار المكوّنة معًا هي معلومات يمكن توصيلها عبر الصيغ العقلانية المتعارفة ، وليس اعتمادًا على العاطفة والمزاج المتقلب والذات ؛ لذلك لا ترى اشخاص يختلفون حول نتيجة معادلة رياضية او بديهة عقلية .

وأما العاطفة الجياشة – والمبالغ فيها - والمزاجية الحادة فهي الدائرة الذاتية المغلقة ؛ و التي لا يمكن التعبير عنه بعبارات منطقية ، وهذا هو السبب في أنها "مغلقة" في الذاتية والمزاجية ... ؛ فالمشاعر والعواطف والاحاسيس تختلف من شخص لآخر ؛ وترتبط فيما بيها بشبكة معقدة من عوامل الوعي واللاوعي , بل وحتى النزوع الى التصرفات البدائية الغريبة والغامضة احيانا , فلكل شخص تجربته في الحياة والتي قد تنعكس على حالته العاطفية والمزاجية والعامة ... , لذلك تختلف انماط السلوك بين الاشخاص , وقد تختلف تصرفات الشخص نفسه تبعا لتقلبات مزاجه وتغيرات ظروفه واحواله ؛ بل احيانا تتمرد الاحاسيس وتتمدد العواطف على حساب العقل والتفكير والمنطق ؛ لذا قيل : العقل يقرر لكن العاطفة هي التي تقود , لذا قد تشاهد ان المزاجية و اللاعقلانية هي الأكثر حضوراً وتأثيرا في حياتنا ؛ فبدلا من أن يكون التفكير المنطقي والعقلاني ، سمة أساسية للإنسان ؛ تسود العاطفة وتتربع المزاجية على التصرفات وردود الافعال الشخصية , ويصبح وجود حساباتنا المنطقية وقراراتنا العقلية على الورق أكثر مما توجد في داخلنا وقرارة نفوسنا ... ؛ وصدق الكاتب فيودور دوستويفسكي : ((أن المزاج كثيرا ما ينتصر ويتمرد على قرارات العقل )) .

وبما ان اغلبنا يعيش في مجتمعات مريضة وتجمعات متخشبة وضيقة الافق ؛ وبعيدة كل البعد عن الانضباط السلوكي المستند على منظومة معرفية عقلية واضحة المعالم ومعلومة النتائج ... ؛ سوف تتعرض بين الفينة والاخرى لصدمة عاطفية من احدى الشخصيات المزاجية ؛ وسيعكر المزاجيون صفو حياتك ما دمت بقربهم ؛ فهم كالنار تأكل الاقرب فالأقرب ؛ فهؤلاء يعيشون في دوامة من المشاعر المتضاربة والاحاسيس المتضادة والتي تتراوح ما بين السعادة الفائقة والضحك الى حد القهقهة بصوت عال الى الحزن والاكتئاب والضيق ؛ او ما بين السكينة والهدوء الى الهستيريا والصراخ والعصبية ... الخ ؛ وقد لا يعرفون ماذا يريدون منا ومن انفسهم احيانا , وبناء على ما تقدم سوف يتعامل الشخص المزاجي حسب مشاعره فان كان سعيدا وهادئا يتعامل باحترام ولطف معك ؛ اما ان كان مزاجه سيئا معكرا ومشاعره سلبية فقد يتصرف معك بطريقة مشينة ومنحطة وتفتقر الى اللياقة الاجتماعية والاحترام والادب ... .

والتعامل مع الشخص المزاجي صعب للغاية فقد تصدر منك كلمة عفوية الا انها قد تجعله يرتطم بالأرض ارتطام مدويًا , وينهال عليك بالشتم والسباب او قد يضربك كما الحيوانات الوحشية , وقد تتسامر معه طوال الليل وتتبادل المشاعر الايجابية واذ به في صباح اليوم التالي ينقلب عليك فجأة ومن دون اسباب معقولة او لأسباب تافهة ؛ فقد نقل لي احد الاشخاص ان صديقه قد هجره لأنه رأى رؤية في المنام حوله ؛ و قد فسرها له احد رجال الدين تفسيرا سلبيا مما انعكس سلبا على علاقة الصداقة فيما بينهما وتفرقا ... ؛ او يتذكر موقف او قصة حدثت منذ سنوات بينكما وقد طواها الزمن – وجل من لا يخطئ - ؛ ويتخذ قرارا بقطع العلاقة معك لاجلها ؛ وقد يهجرك لمجرد نقاش حول موضوع ما , او يهجم عليك بسبب عقيدة ما ... ؛ وان جرحك لا يعتذر , وان أخطأ بحقك لا يندم , وهذا النوع من الاشخاص لا يصلح لأي نوع من العلاقات ؛ فهو شخص في عدة شخصيات فتارة تجده يمتلك شخصية مثالية وطيبة , ومرة ناكرة للجميل و جاحدة بالمعروف ، و تارة متسامحة وكريمة و تارة حقودة وحسودة و لئيمة – نعم لك الحق في ان تعيش بمئة شخصية فهذه حياتك الخاصة وانت حر بها ؛ ولكن بشرط عدم الاضرار بالآخرين - ؛ لذا تجد الاشخاص المزاجيون يعانون كثيرًا في الحصول على حياة هادئة و بناء علاقات دائمة وايجابية مع من حولهم ... ؛ بل هو يمتلك تسعة وتسعون مزاج في الدقيقة الواحدة فتجد صعوبة في فهمه و استيعاب ما يريد ... ؛ لا يستطيع فهم نفسه و لا يستطيع التحكم في تصرفاته ؛ فمن الصعب التعامل مع شخص تتحكم به العواطف والمزاجية الحادة في كل وقت ومكان !!

وظروف الحياة ومصاعب العمل واحوال الشخص السيئة ؛ لا تتبرر له المزاجية الحادة ؛ فكلنا في هذه الحياة نعيش أيام جيدة وأيام سيئة ، وظروف سعيدة و ظروف تعيسة، وكل ذلك له تأثيرات على نفسياتنا إيجابا وسلبًا ... ؛ لكننا مع ذلك : نصبر ونتكيف مع الظروف ؛ و نحاول السيطرة على عواطفنا وضبط مزاجنا ؛ بحيث نحرص على عدم الحاق الاذى المادي او المعنوي بالمحيطين بنا والمقربين منا ؛ فمن القبح والانانية ان تعامل الناس والاصدقاء حسب تقلبات مزاجك وتغيرات احوالك ؛ فالناس ليسوا عبيدا لديك ... ؛ والشيء بالشيء يذكر : كانت تربطني بأحد الاصدقاء القدامى علاقة وطيدة ومبنية على الاحترام المتبادل , وقد بدأت بمشروع ثقافي يتقاطع بعض الشيء مع افكاره الهلامية والمتخشبة – والتي اجزم بكونه نفسه لا يعرفها حق المعرفة ولا يستطيع تحديد معالمها المعرفية والعقدية - ؛ واذا بصاحبي الوفي وصديقي القديم يهجرني رويدا رويدا – انسحابا تكتيكيا - ؛ ويلملم اوراقه شيئا فشيئا , ويغلق خط هاتفه , وكان ختامها هجران لاعقلاني ومقاطعة مرضية ؛ مبنية على اوهام وعقد نفسية ونرجسية .

وبما ان الناس المتقلبة والاشخاص المزاجيين لا يمتلكون مشاعر ولا أحاسيس مستندة على القيم والمبادئ الثابتة او قائمة على اسس التفكير

المنطقي والعقلانية ، فتوقع منهم كل شيء سلبي وضار ؛ لان حياتهم قائمة على المزاجية الحادة .

فأن كنت تريد اصلاح المجتمع فأبدأ بنفسك اولا ولتكن علاقاتك الاجتماعية وقراراتك مبنية على المبادئ والعقلانية كما قال الكاتب أحمد الشقيري ؛ وليست على العواطف المتقلبة والمزاجية الحادة والمشاعر المرضية والعقد النفسية ؛ فأحرص كل الحرص على ان لا تعكس مزاجك السيء او مشاعرك السلبية على حياة وفعاليات وانشطة اصدقاءك واهلك والمقربين منك بل ومجتمعك ؛ ولعل من اروع ما قاله حكيم العراق الامام علي بهذا الخصوص - الابيات الشعرية المنسوبة له - :

فَإن تَسأَلِني كَيفَ أنتَ فإنَّني ××× صَبورٌ على رَيبِ الزّمانِ صَعيبُ

حَرِيصٌ على أن لا يُرى بي كَآبة ××× فَيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حَبِيبُ



  • رياض سعد
    كاتب وباحث مهتم في شؤون الامة العراقية ومعني بالدفاع عن الاغلبية العراقية وحقوق الانسان
   نشر في 12 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا