في رسالة من الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر نشرتها صحيفة نيوز ويك موجهة للرئيس ترامب جاء فيها انت خائف من ان تتقدم الصين علينا وأنا اتفق معك هل تعرف لماذا الصين امامنا ؟ مضيفا انه قام بتطبيع العلاقة الدبلوماسية مع بكين في عام1979 ومنذ ذلك التاريخ كم مرة دخلت الصين في حرب. كما كشف عن استغرابه العميق من حالة امريكا المستمرة في الحروب لدرجة انها اكثر دولة خوضا للحروب في تاريخ العالم، فهي التي دأبت دائما على فرض الحكومات التي تستجيب لتوجهات الحكومة الامريكية ولقيم امريكا ايضا.

وأنا اترجل بين سطور المقال، عصفت بفكري مناظرة او مقابلة بين العملاق المتشبع بفكر كونفوشيوس وبين العم سام الباحث عن المجد والمتلذذ بمبادئ وإستراتيجية دمويي المكيافيلية، الذين لا يتوانون في إبرام العقود والمواثيق والشراكات حتى مع الشيطان بغرض إخضاع العالم بقوة الرصاص والدم تحت مسميات دسمة، فمن مكافحة الارهاب لتصدير الديمقراطية وصولا للنظام العالمي الجديد. فالمتصفح لتاريخ امريكا تصعقه وبكل وضوح الجرائم، التي اسست لميلاد الولايات المتحدة، في حق الهنود الحمر الذين تمت ابادتهم ومسح اثارهم من الخريطة، لتقوم على انقاض خيمهم نيويورك وواشنطن و هوستون. وهو الواقع الذي سيدفعك حتما للمرور بين كلمات الرئيس كارتر في مقاله عن قصة الحروب الامريكية خارج امريكا و التي جعلتها تصرف تريليونات الدولارات لأجل تدمير دول و حضارات بغرض إخضاع الشعوب، وتنصيب الحكومات العميلة لنهب الثروات مقابل ضمان مفعول الغراء الذي يثبت الحكام في كراسيهم رغم انوف الشرفاء . فالخريطة التي تم رسمها بعد الحرب العالمية الثانية من قبل رسامي غرف الظلام قسمت الكعكة لقسمين، وغرست انابيب استنزاف الثروات واضعة العالم كله امام الحقيقة المرة، ان لم تكن معي فأنت عدوي، فانخرط من انخرط و انفرد بنفسه و حلفائه من آثر عدم الانحياز لأي فئة، و بعد عقود و عقود من الزمن وصل العالم كله لصناعة دركي العالم الوحيد، الذي اقام صرحه على انقاض القطب الموالي ولو بشكل ما لفقراء العالم.

وفي خضم الفترة الباردة وما تلاها كثيرا ما ترددت على مسامعنا قصص العملاق النائم، شعار أقرب ما يكون لفلم كرتوني، إلا ان الوقت اثبت لنا كيف تتحول الاسطورة لقوة اقتصادية وآلة جرارة لا مفر من سماع دوي محركات مصانعها ودبيب جحافل شركاتها العملاقة، وهي تلتهم مشاريع انجاز اكبر المباني والمنشآت الفنية بكل بقعة على المعمورة، حتى بالولايات المتحدة نفسها و معها الحلفاء بأوربا.

ان طريق الحرير في صورته الجديدة لا يمر فقط عبر اثر الأسلاف، ولكنه تحول لعقيدة وثقافة راسخة فتكاد الصناعة تتحول لمرادف للصين، وتكاد المنتجات الصينية تتبوأ مكانة الفرد الحاكم بالعائلة ، لدرجة ان كثير من الحكومات والقيادات حتى لا نقول أغلبها، فوضت امر حاجيات و مستلزمات شعوبها للمستوردين و طبعا عبر طريق الحرير الجديد،   وحتى الشراكات والاتفاقيات والمعاهدات لا تتم إلا مع الدركي الجديد ، الامر الذي سيفرض لا محالة على الحاكم السابق التفاوض للمحافظة على موطئ قدم.

فالصين تسللت عبر خيوط الحرير لبيوت وقلوب وعقول اهل المعمورة، راسمة قصة غرامية عميقة مع شعوب العالم و متكفلة لهم بإنتاج حاجياتهم ومستلزماتهم، وداعمة لهم بالعطايا المستنبطة من وصايا كونفوشيوس، فبدون ادنى طلقة رصاص او رمية رمح تمكنت من الاستثمار في الافلاس الصناعي والإنتاجي لكثير من الدول وأولاها العربية و الافريقية، باسطة بذلك السيطرة على كثير من القطاعات، و حتى كبريات الدول لم تسلم من مخالب التنين بعكس العم سام الذي لا يزال وفيا لمبادئ قيام الولايات المتحدة على الرصاص والدم.

وفي النهاية كلهم ملة واحدة ......وما خفي اعظم.

محمد بن سنوسي

19.10.2020