ترجمة القرآن الكريم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ترجمة القرآن الكريم

بين خصوصية النص وكفاءة المترجم

  نشر في 28 نونبر 2014 .



لا بد لنا قبل الدخول في صميم موضوعنا من أن نراجع معاً بعض النقاط الضرورية و التي تعتبر بمثابة الشروط التي تسبق العمل ولا تدخل في ماهيته . ولقد رتبت هذه الأمور على شكل مطالب خصصت كل مطلب منها لشأن من الشؤون , لذا أبدأ فأقول :

مطلب في ذكر المعاني التي وردت بها كلمة ترجمة في اللغة العربية :

1- تبليغ الكلام لمن لم يبلغه :

وشاهد هذا المعنى قول الشاعر :

إن الثمـــــــــانين وبلغتهـــــــا قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

2- تفسير الكلام وبيانه بلغته التي جاء فيها :

وعلى هذا المعنى ينزل الحديث الذي يصف عبد الله ابن عباس بأنه ترجمان القرآن ونصه :

" نعم ترجمان القرآن أنت " أي مفسره ومبينه وشارحه .

3- تفسير الكلام لكن بلغة غير لغته :

جاء في لسان العرب وفي القاموس أن الترجمان هو المفسر للسان, وقال شارح القاموس ما نصه : وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر قاله الجوهري .

4- ترجمة الكتاب , أو ترجمة فلان من الناس :

وترجمة الكتاب فاتحته أي التعريف به , وترجمة فلان ذكر سيرته وتاريخ حياته . وهذا من المعاني الجديدة للكلمة .

5- نقل الكلام من لغة إلى أخرى :

جاء في لسان العرب : الترجمان - بالضم والفتح - هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى . وكلامنا في هذه المحاضرة ينحصر في هذا المعنى .

مطلب في أنواع الترجمة باعتبار التقيد بحرفية النص أو عدمه :

وتنقسم الترجمة بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أنواع : ترجمة حرفية مثلية يحاكي فيها المترجم الأصل الذي يترجمه في نظمه وترتيبه بوضع المرادف مكان مرادفه, وترجمة حرفية بغير المثل يسعى فيها المترجم إلى التقيد بنظم الأصل بقدر الوسع والطاقة والإمكان , وترجمة تفسيرية همها بيان المعنى وتفسيره دون النظر لنظم الأصل وترتيبه , وجل الترجمات التي تمت حتى الآن تدخل في هذا النوع .

مطلب في الفرق مابين الترجمة والتفسير والشرح :

إن تعدد التفاسير وتنوعها باعتبار المناهج المتبعة فيها من تفسير بالمأثور أو بالرأي أو بالإشارة , لا يخرجها جميعاً عن كونها شرحاً وبياناً للنص القرآني يأتي على هامشه ولا يغير أو يبدل فيه من حيث البنية ؛ في حين يكون النص في كثير من الترجمات عرضة للتحريف والتشويه والخطأ الذي يصل في بعض الأحيان إلى قلب المعنى رأساً على عقب كما سنبين لاحقاً .

مطلب في خصوصية النص القرآني واستحالة الترجمة الحرفية عقلاً :

تقوم خصوصية النص القرآني على أمرين اثنين هما خصوصية اللغة العربية عموماً, بما امتازت به عن غيرها من سائر اللغات , وخصوصية القرآن ذاته والتي يعرفها كل من درس القرآن من العرب وغيرهم . يقول محمد مارمادك بيكثول في مقدمة ترجمته التفسيرية للقرآن :" القرآن لا يمكن أن يترجم . – ويضيف بعد ذلك- ذاك , أي القرآن , سيمفونية فذة , تدفع مجرد أصواتها الناس للبكاء أو النشوة . "

ويؤكد ابن قتيبة في هذا الإطار أنه إذا ترجم إلى لغة أخرى انتفت عنه صفة الإعجاز البلاغي ؛ لأن اللغة العربية تمتاز عن غيرها من لغات العالم الأخرى باتساع المجاز, والتفنن في التعبير , فهو يقول في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة, ص 15-16 :

" وللعرب المجازات في الكلام ومعناها طرق القول ومآخذه , ففيها الاستعارة والتمثيل , والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء و الإظهار والتعريض والإفصاح والكناية والإيضاح .... وبكل هذه المذاهب نزل القرآن, ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة – اللغات الأخرى – كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية , وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب . " .

ويقول الجاحظ في معرض بيان استحالة ترجمة الشعر, في كتابه الحيوان, ج1 ص 54- 56 : " والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل, ومتى حول, تقطع نظمه, وبطل وزنه, وذهب حسنه, وسقط موضع التعجب منه, وصار كالكلام المنثور, والكلام المنثور المبتدأ على ذلك أحسن وأوقع من المنثور الذي حول عن موزون الشعر.- ثم يأخذ في تعداد الشروط الصعبة, بل التي تكاد تكون مستحيلة , و التي ينبغي أن تتوفر في المترجم الذي يتصدى لترجمة شيء من كلام البشر , إلى أن قال : - " هذا قولنا في كتب الهندسة والتنجيم والحساب واللحون, فكيف لو كانت هذه الكتب كتب دين و إخبار عن الله عزوجل, بما يجوز عليه مما لا يجوز ! ثم أضاف بعد ذلك " والخطأ في الدين أضرّ من الخطأ في الرياضة والصناعة والفلسفة والكيمياء, وفي بعض المعيشة التي يعيش بها بنو آدم ."

ويقول الدكتور سعد الله جويجاتي أستاذ مادة الترجمة في جامعة دمشق, ما نصه :

" الكلمة العربية واسعة الاستيعاب ولا يمكن لأي كلمة مماثلة في اللغات الأخرى أن تستوعب نفس المعاني . قد تكون مرادفة لجزء من المعنى وقد يوجد مرادف آخر لزاوية أخرى من المعنى ....لكن أن توجد كلمة تحيط بكل معنى الكلمة العربية القرآنية الأصلية , فهذا مستحيل ."

لكل هذا اتفق علماء هذا الفن من فنون الترجمة على أنه ليست هناك ترجمة حرفية للقرآن الكريم . وأن ما وجد حتى الآن لا يعدو ترجمة معاني القرآن لا أكثر . ومن هنا صرنا نجد على غلاف كل ترجمة من ترجمات القرآن الحديثة, العبارة التالية :

THE TRANSLATION OF THE MEANING OF THE KORAN

أي ترجمة معاني القرآن

نماذج تطبيقية على استحالة الترجمة الحرفية لآي القرآن :

وللتدليل على هذه الحقيقة بالأمثلة نسوق عدداً من الآيات القرآنية ونناقش قابليتها للترجمة الحرفية :

قوله تعالى في سورة الإسراء : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل قوله البسط فتقعد ملوماً محسوراً ) ويقول الدكتور البوطي بصدد هذه الآية , في كتابه " من روائع القرآن الكريم " ص ص 226-283, ما نصه : " فأنت ترى أن الألفاظ هنا , ليس شيء منها يدل على المعنى المقصود بطريق الدلالة اللغوية الأصلية , وإنما هي تكشف عن المعنى المراد بواسطة التصوير والتخييل, والأداة المستعملة لذلك جملة من المجازات والتشبيهات والاستعارات المختلفة. فكيف يمكنك أن تترجم هذه الآية ترجمة سليمة لا تفسد المعنى ولا يخرج عملك من الترجمة إلى التفسير ؟!.....

وكيف تتأتى ترجمة هذه الألفاظ إلى ألفاظ أخرى تحمل نفس المرونة في الدلالة, وتحمل نفس المعاني المختلفة التي لابد من دلالة اللفظ عليها جميعها لتتم الترجمة, إذ إن هذه المعاني كلها مقصودة معاً في البيان القرآني , مع العلم بأنك لو رحت تشرح دلالات كل لفظة في شرح مطول من الألفاظ والبيان , فأنت حينئذ مفسر ولست بمترجم .

والمثال الآخر هو قوله تعالى في سورة الأنفال : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) حيث يقول ابن قتيبة فيه : ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى ( آنف الذكر ) لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عين المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها, وتصل مقطوعها, وتظهر مستورها, فتقول : إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضاً , فأعلمهم أنك نقضت ما شرطت لهم وأعلمهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء. وكذلك قوله تعالى : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً ) إن أردت أن تنقله بلفظه لم يفهمه المنقول إليه. فإن قلت : أنمناهم سنين عددا لكنت مترجماً للمعنى دون اللفظ . وكذلك قوله تعالى : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً ) إن ترجمته بمثل لفظه استغلق ؛ وإن قلت : لم يتغافلوا . أديت المعنى بلفظ آخر . انتهى كلام ابن قتيبة من كتابه " تأويل مشكل القرآن " ص 15-16

ويفهم من كلام ابن قتيبة أنه منع ا لترجمة الحرفية لما تقدم من أسباب, وجوز الترجمة بالمعنى والتفسير . ورأي ابن قتيبة رأي علمي رصين, يؤيده الواقع العملي, و وهولا يصدر عن هوى أو عصبية للغة دون غيرها .

مطلب في شروط مترجم القرآن:

لا بد لنا عند الكلام عن ترجمة معاني القرآن من وضع تصور لهذا المترجم وللشروط التي ينبغي أن

يتحلى بها كي يحق له العمل في هذا الميدان الشائك والدقيق, نظراً لخصوصية النص. فمن شروط المترجم هنا أن يكون صحيح الاعتقاد , بعيداً عن الأهواء والشطحات الزائف التي تخالف عقيدة القرآن ذاته . وأن يكون على علم صحيح بأصول العلوم المنبثقة من القرآن الكريم كالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والحلال والحرام والوعد والوعيد والأمر والنهي والعبر والأمثال . وأن يستند في ترجمته إلى الأصول الصحيحة التي يجب اعتمادها عند تفسير القرآن من آيات مفسرة , أو أحاديث شارحة, أو اقوال المفسرين الكبار المعتمدين على نطاق الأمة. كل ذلك وغيره جنباً إلى جنب مع علم صحيح يكفي بأوضاع اللغتين المترجم منها والمترجم إليها وأسرارهما . وعلم دقيق بوجوه وضع اللغة وأساليبها واختلاف الدلالة باختلاف الأسلوب في كل من اللغتين .

مطلب في الشروط التي يجب أن تتوفر في ترجمة معاني القرآن الكريم :

لا بد في أية ترجمة من وجود مقدمة يشرح فيها المترجم المنهج الذي ينوي أن يتبعه في عمله. ويجب أن تعالج هذه المقدمة المختصرة مواد كثيرة نذكر منها على سبيل المثال : الآيات المكية والآيات المدنية , والناسخ والمنسوخ , وهي فكرة فريدة لا توجد إلا في القرآن الكريم . وكذلك تبحث في أسباب النزول لما لها من دور كبير في فهم معنى الآيات . وفي أسماء السور , بمعنى أنه يجب أن يضع مبدأ يلتزمه لكيفية ترجمة أسماء السور لئلا يقع في التناقضات التي وقع فيها غيره . ويجب أن يكون اتباع أرقام الآيات موحداً في جميع الترجمات لتسهيل الإشارات المرجعية إلى الآيات والسور. كما أن عليه أن يحدد في مقدمته المستوى اللغوي الذي سيستعمله في ترجمته . يقول عبد الله يوسف علي في مقدمته بصراحة ووضوح أنا أترجم بأعلى لغة موجودة في الإنجليزية وهي اللغة المستعملة في ترجمة الكتاب المقدس التي تدعى بـThe authorized Version وهي في الواقع لغة عالية وباعتقاد عبد الله يوسف علي أنها وحدها تليق بترجمة معاني القرآن إلى الإنجليزية . في حين يختار تعليم علي أو توماس ارفينغ Thomas Irving اللغة الإنجليزية بلهجتها الأمريكية الحديثة Modern American English وهدفه المعلن أيضاً أنه يريد من الأطفال والناشئين في أمريكا الشمالية أن يفهموا معاني القرآن .

ثم يجب على المترجم أن يقدم لكل سورة من سور القرآن بمقدمة تكون بمثابة خلاصة لهذه السورة تشعر القارئ بأن هناك وحدة معنوية في كل سورة على حدة . معلوم أن العلماء يقسمون كل سورة إلى مجموعات من الآيات , تتناول كل منها ناحية من النواحي وهي تسمى بالانجليزية verse cluster . وتتكون السورة من مجموع هذه الـ verse clusters لتكون وحدة في مجال الهداية . و يجب على المترجم أن يربط بين الآيات القرآنية وأحداث السيرة , لأن ذلك يسهم أيضاً في فهم معاني الآيات . ثم إن عليه أن يحدد موقفاً من استعمال الحديث , لأن الحديث يسلط ضوءاً كبيراً على فهم الآيات عموماً و على آيات الأحكام على وجه الخصوص . كذلك ينبغي أن تتضمن الترجمة معالجة لمشكلة الأسماء والأصوات العربية بأن يخصص المترجم صفحة لما يسمى بـ key , أي مفتاح لكيفية نقل الأسماء والأصوات العربية إلى حروف اللغة المترجم إليها .

ثم يأتي المطلب الثالث الذي يجب أن يتوفر في الترجمة وهو الإخراج الطباعي الذي له علاوة على الأهمية الاقتصادية , أهمية نفسية لا تقل شأناً فهو يسهم في تقبل القارئ للكتاب .وفي هذا الصدد ينبغي أن يقابل النص العربي النص باللغة الإنجليزية , ثم تأتي تحته الحواشي التي يفسر فيها المترجم ويعلق على كل أمر غريب في النص . فهناك مفاهيم خاصة بالحضارة العربية وأخرى خاصة بالقرآن ولا بد من شرحها حتى للقارئ العربي ناهيك عن القارئ الأجنبي . ويحسن أن يشير المترجم إلى المصادر التي اقتبس منها هذه الشروح والتعليقات . ويدخل في قضية الإخراج الطباعي اختيار الخط في اللغتين والذي ينبغي أن يتخير ليكون من أجمل الخطوط . وهناك قضية أخرى لا تقل أهمية عما ذكر حتى الآن وهي أنه ينبغي على المترجم أن يقرر منذ البدء أن يبدأ كتابه من اليسار إلى اليمين أو العكس وله الخيرة في ذلك . فيوسف علي بدأ من اليسار إلى اليمين , لأن القارئ الذي سيتناول الكتاب هو قارئ غربي في الأصل ؛ في حين اختار محسن خان والهلالي وعز الدين الحايك أن يبدؤوا من اليمين إلى اليسار تمسكاً بالأصل المترجم وعملاً بالسنة والحقيقة أنه لا فرق بين الطريقتين والمهم أن ينوه عن ذلك في المقدمة .

تصنيف الترجمات من حيث الجودة والموضوعية :

يمكن تصنيف ترجمات القرآن المتحصلة بين أيدي الناس حتى الساعة, على هذا الأساس, إلى ثلاثة أصناف :

1 – ترجمات جيدة : وذلك من حيث الصياغة اللغوية ومدى الاقتراب من روح المعاني والمقاصد الشرعية للقرآن الكريم . ومن أشهر الترجمات وأقدمها ترجمة عبد الله يوسف علي التي نشرت لأول مرة في عام 1934 وجاءت في مجلدين لكل منهما فهرس خاص. وترجمة محمد مارمادك بيكثول Marmaduke Pickthall وهو مسلم إنجليزي وقد صدرت عام 1930 . ثم ترجمة محمد أسد من النمسة و هي ترجمة موسوعية تقع في مجلد ضخم من 1200 صفحة من القطع الكبير وتعتبر من أقرب الترجمات إلى المعنى القرآني . وكذلك ترجمة الهلالي ومحسن خان التي تنفق الحكومة السعودية على نشرها مجاناً الأموال الطائلة, وتمتاز بأنها نتاج تعاوني بين محمد تقي الدين الهلالي و محمد محسن خان وهي تسن بذلك سنة جيدة للعمل الجماعي في ميدان الترجمة القرآنية . ومن الترجمات الجيدة ترجمة الشيخ عز الدين الحايك من سورية وهي من أحدث الترجمات . وترجمة آرثر آربري Arthur J. Arberryالتي طبعت لأول مرة عام 1955 .

2 – ترجمات رديئة : ومن الأمثلة عليها ترجمة رودويل Rodwell عام 1861 وترجمة ريتشارد بل Richard Bell عام 1937

3 – ترجمات مشوهة وغير موضوعية : وتنتمي غالبية هذه الطائفة من الترجمات إلى أشخاص غير منصفين عمدوا إلى تشويه صورة القرآن عن قصد تدفعهم إلى ذلك مآرب مختلفة ليس هذا أوان الخوض في تفاصيلها ومن أمثلة هذا الصنف نذكر ترجمة بامر Palmer عام 1880 والتي شحنها صاحبها بالمغالطات, وكذلك ترجمة جورج سيل George Sale عام 1736 المليئة بالسب والذم والقذف .

أخطاء المترجمين في ترجمة القرآن وأنواعها :

إن المتتبع لأعمال المترجمين الذين عملوا على ترجمة القرآن وقد أخلّوا بالشروط المذكورة أو ببعضها, يجد أنهم قد وقعوا نتيجة ذلك بأخطاء تتناسب وحجم الإخلال . ولو استقرأنا هذه الأخطاء لوجدنا أنه يمكننا أن نقسمها إلى :

أخطاء مردها إلى قلة المعرفة بأسرار العربية نحواً وصرفاً وتطوراً .

أخطاء مردها إلى الجهل ببلاغة اللغة العربية .

أخطاء مردها إلى الجهل بالعقيدة الإسلامية وهي ما يسمى بالأصول .

أخطاء مردها إلى الجهل بالفقه الإسلامي وهو ما يسمى بالفروع .

وسأحاول أن أدلل على هذه المقولة بالأمثلة التي استخرجتها من ست من الترجمات المعروفة للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية وهي على التوالي :

- ترجمة Arthur J. Arberry , والتي سماها القرآن THE KORAN

- ترجمة عبد الله يوسف علي .

- ترجمة محمد مارمادك بيكثول .

- الترجمة التركية المشتركة الصادرة عن دار علمي نشريات ,استانبول , 1992.

- ترجمة N.J.DAWOOD والتي سماها القرآن أيضاً.

- ترجمة الشيخ عز الدين الحايك وهي آخرها صدوراً .

أولاً – أمثلة على الأخطاء البلاغية :

- من أساليب البلاغة العربية : أن يحذف المضاف وأن يقام المضاف إليه مقامه . مثال ذلك قوله تعالى في سورة البقرة : 93 ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) والمقصود وأشربوا في قلوبهم حب العجل فحذف المضاف وهو هنا " حب " وأقيم المضاف إليه وهو هنا " العجل " مقامه . ولننظر كيف لم ينتبه آرثر لهذه المسألة وكيف ترجم الآية على الشكل التالي:

and they were made to drink the calf in their hearts for their unbelief.

وترجمة ما قال : وجعلوا يشربون العجل في قلوبهم لكفرهم . بينما أصاب الحايك حين ترجمها كمايلي :And their hearts were filled with the love of the calf, because of their unbelief

وترجمة ماقال : وملئت قلوبهم بحب العجل بسبب كفرهم .

- ومن أساليب البلاغة العربية : أن يوقع الفعل على شيئين وهو لأحدهما, ويضمر للآخر فعله . مثال ذلك قوله تعالى في سورة يونس : ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) أي وادعوا شركاءكم . .وهنا أخطأ الستة إذ لم يتنبهوا لهذه النكتة البلاغية فترجمها مارمادك بيكثول مثلاً على النحو التالي :so decide upon your course of action, you and your partners .وترجمته : لذا قرروا ما ستفعلون أنتم وشركاؤكم . وبعضهم ترجم الشركاء بالزملاء أو الأصدقاء.

- ومن أساليب البلاغة العربية : أن يصار إلى حذف جواب الشرط لعلم المخاطب به روماً للاختصار . ومثاله قوله تعالى في سورة النور : 20 (ولولا فضل الله عليكم ورحمته, وأن الله رؤوف رحيم ) أراد لعذبكم , فحذف الجواب للعلم به من سياق الآية . فانظروا كيف غفل آرثر عن هذا فترجمها كما يلي :But for God's bounty to you and his mercy and that God is All-gentle , All-compassionate-

وترجمته : لكن لسخاء الله لكم ولرحمته ولأنه كلي الكرم وكلي الرحمة -

وكأن آرثر شعر أن المعنى لم يكتمل لذا لم يغلق الجملة بنقطة بل وضع شرطة توحي بذلك .

- ومن أساليب البلاغة العربية : حذف الكلمة والكلمتين ومن ذلك قوله تعالى في سورة النمل :10-11 ( يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون , إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء , فإني غفور رحيم ) ففي الأسلوب حذف والتقدير : إني لا يخاف لدي المرسلون, بل غيرهم الذي يخاف, إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف . فالمستثنى منه محذوف , لأن الرسل لا يوصفون بالظلم , فهم صفوة الصفوة, وهم الذين اجتباهم لتبليغ رسالاته . وهذا المثال يصلح للتدليل على الأخطاء التي مردها إلى الجهل بالعقيدة الإسلامية التي تتضمن الإلهيات والنبويات والسمعيات . وقد أخطأ الجميع في هذا الموضع وكان مارمادك أفحشهم خطأ. فلننظر كيف ترجمها مارمادك فأخطأ مرتين : مرة حين غفل عن الناحية البلاغية فقال :

Lo ! the emissaries O Moses! Fear not !

fear not in My presence, 11.Save him who hath done wrong and afterward hath changed evil for good . And lo ! I am Forgiving , Merciful. وترجمته : يا موسى لا تخف ! أنظر ! الرسل لا يخافون في حضرتي , 11- إلا من فعل خطيئة ثم بعد ذلك بدل سوءاً بخير . وانظر ! أنا غفور, رحيم .

و أخطأ أخرى حين نسب في حاشيته الجريمة إلى نبي من الأنبياء حيث قال :كان موسى مذنباً بجريمة في مصر .

- ومن أساليب البلاغة العربية : القسم بلا جواب اختصاراً إذا كان في الكلام بعده ما يدل عليه نحو قوله تعالى في سورة النازعات :1 ( والنازعات غرقاً, والناشطات نشطاً, والسابحات سبحاً, فالسابقات سبقاً, فالمدبرات أمراً) ثم قال : ( يوم ترجف الراجفة ) فلم يذكر جواب القسم للعلم به إذ كان فيما تأخر من قوله تعالى دليل عليه وكأنه قال : والنازعات وكذا و كذا لتبعثن . ولو استعرضنا صنيع المترجمين مع هذه الآية لوجدنا أنهم جميعاً لم يتعرضوا لجواب القسم مع أن المعنى في النص الإنجليزي لا يتم بدونه ولو بين معقوفتين وذلك قبيل قوله ( يوم ترجف الراجفة ) .

- ومن أساليب البلاغة العربية : ما يسمى بالإضمار لغير مذكور , والقاعدة النحوية أن الضمير لابد له من مرجع يعود عليه, وقد يعود الضمير على غير مذكور سابق في الأسلوب إذا كان هناك دليل يدل عليه , وقرينة ترشد إليه . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في سورة العاديات : 4 (فأثرن به نقعاً ) أي الوادي لأنه مكانه . وهنا أخطأ الجميع لأنهم ضلوا عن المضمر غير المذكور هنا وهو الوادي فترجمها الحايك مثلا كمايلي :

Raising with it a trail of dust .

ومعنى قوله : رافعة بواسطته سحابة من غبار . وكان الصواب أن يقول رافعة فيه وبين معقوفتين كلمة الوادي .

- ومن أساليب البلاغة العربية :الاستعارة بأنواعها. ومن أمثلتها قوله تعالى في سورة

آل عمران : 103 ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ....) الآية أي تمسكوا بالقرآن لقوله صلى الله عليه وسلم : " القرآن حبل الله المتين , لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد, من قال به صدق, ومن عمل به رشد, ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم " حيث استعار للقرآن الحبل لأنه يشبهه من حيث أن التمسك به سبب للنجاة من الردى كما أن التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردي , وللوثوق به , وللاعتماد عليه . فانظر كيف غفل مارمادك عن هذا المعنى وترجم الآية ترجمة سطحية جاءت على الشكل التالي :And hold fast, all of you together, to the cable of Allah,

وترجمته : وتمسكوا بشدة بكبل الله .

ثانياً – أمثلة على الأخطاء اللغوية : وهنا تتبدى ثقافة المترجم في العربية وفطنته إلى أن هذا المعنى من معاني الكلمة هو المراد لا سواه .

ومن الأمثلة الجلية على أخطاء المترجمين في هذا الصدد خطأ مارمادك في ترجمة الأعلام من قوله تعالى في سورة الرحمن : 24 : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) أي كالجبال ومن ذلك قول القائلة : كأنه علم في رأسه نار. حيث ترجمها بمعنى الرايات .

وكذلك الخطأ في ترجمة كلمة الجاهلين من قوله تعالى في سورة الأعراف 199:

( وأعرض عن الجاهلين ) حيث ترجمها الجميع بمعنى الجهل الذي هو ضد العلم مع أن المقصود هو الحماقة والسخافة والخفة ومنه قول القائل :

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ثالثاً – أمثلة على الأخطاء في العقيدة الإسلامية : حيث تتميز العقيدة الإسلامية على الجملة بأنها تتأدب مع الذات الإلهية و تصف الله بكل كمال وتنزهه عن كل عيب ونقيصة من تجسيم وتشبيه وحلول و اتحاد وغيره بخلاف التوراة التي بين أيدي الناس. لذا فإن جهلاً في هذا الحقل ليس كجهل في غيره , لأن من أخطأ في أمر لغوي صرف يقال له أخطأت ؛ أما من أخطأ في أمر عقدي فيقال له كفرت !

ومن أمثلة ذلك خطأ مارمادك وغيره في ترجمة قوله تعالى في سورة النور : 35 ( الله نور السموات والأرض ..) حين قال :Allah is the light of the heavens and the earth.

وترجمة ما قال : الله ضوء السموات والأرض . في حين أن المعنى المقصود هو أن الله منور السموات والأرض وأن المعنى الذي ذهب إليه المترجم مستحيل على الله .

ومنها خطأ المترجمين في ترجمة قوله تعالى في سورة الملك : 16 – 17 ( أأمنتم من في السماء .. ) إذ فهموا منها أن الله هو المقصود وليس كذلك وإنما المقصود الملائكة المتوكلون عل تدبير هذا العالم . فترجمها عبد الله يوسف علي كما يلي : Do ye feel secure that He Who is in Heaven …

على أن الله هو من في السماء بدليل أنه استخدم حرفاً كبيراً capital letter لكتابة الضمير الدال على لفظ الجلالة وكذلك في كتابة الاسم الموصول . وتابعه بقية المترجمين على هذا الخطأ .

ومنها أيضاً الخطأ في ترجمة قوله تعالى في سورة الحديد: 4 ( ثم استوى على العرش) مع أن مسألة الاستواء قديمة ومعروفة بين العلماء وغيرهم وكلنا يحفظ قول مالك لمن سأله عن الاستواء حيث قال : " الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة " لذا كان خطأ المترجم لأنه جعل الاستواء على كيفية معينة مع أن في التأويل فسحة للتخلص من مأزق ترجمي كهذا . فانظروا كيف ترجمها شيخ مترجمي معاني القرآن عبد الله يوسف علي :

He established Himself on the Throne.

وترجمة ذلك : أقام نفسه على العرش . وهذا غير مقبول على إطلاقه لأنه يوحي بالتكييف وكان الأجدر به وبغيره أن يترجموا تأويلها الذي بمعنى استولى على العرش بقدرته .

رابعاً – أمثلة على الأخطاء التي تدل على الجهل بالمسائل الفقهية : ومن ذلك الخطأ في ترجمة الآية 6 من سورة المائدة والتي تقول :( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ....) ويلاحظ من له أدنى معرفة باللغة العربية أن كلمة وأرجلكم معطوفة على أيديكم وليس على رؤوسكم ولأنه بات من المعروف من الدين بالضرورة أن الرجلين مما يغسل وليست مما يمسح وهذا لا يجهله مسلم .لذا لم يخطئ في ترجمة هذه الآية إلا آرثر المسيحي وداوود اليهودي الذين ترجماها ترجمة متقاربة وإليكم ترجمة داوود التي تقول :Believers, when you rise to pray wash your faces and your hands as far as the elbow, and wipe your heads and your feet to the ankle.

وترجمة ذلك : أيها المؤمنون, إذا نهضتم لتصلوا اغسلوا وجوهكم وأيديكم حتى الكتف (بصيغة المفرد), وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم إلى الكعب ( بصيغة المفرد أيضاً ) . بينما سلم آرثر من خطأ استخدام صيغة المفرد مقابل صيغة التثنية في النص القرآني .

الخلاصة والنتيجة :

بعد ما تقدم أرى :

أولا أن من الضرورة بمكان أن يخضع من يتصدى لترجمة معاني القرآن الكريم لدورة تثقيفية شاملة تزوده بالمعارف الإسلامية الضرورية قبل الخوض في عملية الترجمة

ثانياً تشجيع ظاهرة العمل الجماعي كفريق متكامل من المختصين في كل الحقول اللازمة لإنجاز ترجمة تكون أقرب إلى الكمال .

ثالثا تشجيع المؤهلين على تأليف المعاجم الثنائية اللغة في مجال الحضارة والعلوم الإسلامية.

رابعاً تشجيع التعاون بين المؤسسات العالمية والجامعات التي تدرس اللغة العربية في الغرب من جهة والمؤسسات والجامعات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية من جهة ثانية وذلك لتلافي النقص في المناهج الحالية .

خامساً تأسيس فرع يتبع لكلية الآداب أو الشريعة مهمته تتبع الترجمات التي تنشر للقرآن والتنبيه على ما فيها من أخطاء .




   نشر في 28 نونبر 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا