كنت فيما مضى أكتب المقالة والمقالتين، بذهن يتقدِّ ذكاءً، وقلبِّ يمتلأ عاطفة، وعقلِ يستحكمٍ خيالًا، فأتفنن في صياغة الكلمة، وفي صناعة الحرف أيما تفنن، حتى أخرج بالمقالة والمقالتين كأنها دُّرة أو دُرَّتين.
أما اليوم وقد بلغت الثلاثين، لم تَعد فيَّ تلك العاطفة، ولم يَعد في ذهني ذلك التوقّد والذكاء.
لأمر ألمّ بي، جعلني حبيس مشاعري، ورهين أفكاري، ولمصيبة دهمتني على حين غرَّة كاد يذهب معها جميع ما أملكه من عواطف ومشاعر، وخيال وحدِّة ذهن.
وقد كنت فيما مضى أجد العزاء فيما أكتب، وأجد الأُنس والسرور فيما أسوّد به الأوراق، من خواطر ومشاعر ...أما اليوم، فلا!
فقد صار عندي من الهم بمكان كتابةٌ مقال، وأصبحت أستخفُّ بالكلمة أكتبها، وبالشعر أنسجه وأقوّم أوزانه، وأصف فيه مشاعري.
أصبحت أستخفَّ بالمشاعر، فلست أُلقي لها بالًا.
فلا أتأثر لرثاء شاعر، ولا لبكاء واجد، ولا لحنين مُحبِّ واله.
كنت فيما مضى أقرأ البيت من الشعر، فاستطير به فرحًا، وأختال به سرورًا وغبطة، وأرى قد أني وقعت على دُرَّة شعرية!
فاحفظ هذا البيت، وأدونه في مفكرتي.
أما اليوم .... فيمرُّ أمام ناظري البيت والبيتان والثلاثة، فلا أحسب لواحدها قدرًا، ولا أعدُّ له أثرًا في نفسي.
حقًا أقول لقد فقدت ذائقتي الأدبية!
فلم أعد أحسن الكتابة، ولم يعد يستهويني شيء من الشعر ولا من النثر؛ إلا النزر القليل.
وَقَد كانوا إِذا عُدّوا قَليلًا, *, فَقَد صاروا أَقَلَّ مِنَ القَليلِ.
هل مرَّ أحدكم بمثل ما مررت به؟
شاركوني آرائكم ... والسلام