كيف عاش الناس منذ آلاف السنين وأية تقاليد وعادات درجت بينهم؟ و أي نوع من التفاهم دار بينهم؟ و أية لغة تكلموا بها واستعملوها للتواصل فيما بينهم؟

فكل هده التساؤلات المفتوحة لها علاقة بالانثروبولوجيا ولكن لا أعتقد أن علم الآثار بإمكانه أن يجيب على هذا النوع من الأسئلة إلا أننا إذا أردنا أن نفهم طريقة تفكير الشعوب انداك ربما تكون الإجابة عند أبو الأنثروبولوجيا المؤرخ و الأنثروبولوجي اليوناني هيرودوتس الذي ولد عام 484 قبل الميلاد وتوفى فى عام 425 قبل الميلاد في كتابه “التاريخ”.

استخدم مفهوم الأنثروبولوجيا في القرن الثامن عشر على وجه الخصوص، إلا أنه يعتبر من أقدم العلوم على وجه الأرض، وابتدأ عن طريق النظر والتأمل في تطور الإنسان وسلوكه ولكنه لم يأخذ صداه الذي يستحقه نظرا لظهور علم الاجتماع المشابه له.

يقوم علم الأنثروبولوجيا على دراسة الحياة البدائية والحياة المعاصرة الحديثة للإنسان وسلوكه وثقافته ونشاطه و كدلك التنبؤ بمستقبله القادم، بالاعتماد من طبيعة الحال على تطوره عبر التاريخ.

الانثروبولوجي اليوم وفي كل زمان ومكان يستطيع أن يحكي لنا عن الإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض إلى يومنا هذا، فيمكن أن يتحدث لنا عن اللغة التي كان يتكلم بها الإنسان في العصور الغابرة وكيفية تطورها عبر مراحل تاريخية و كدلك عن المعتقدات التي كانت منتشرة في تلك الحقبة وعن العادات والتقاليد الدي اكتسبها أو ساهم في انتشارها.

و في هدا السياق يستطيع الانثروبولوجي النبش بصفة عامة في كل ما يتعلق بالإنسان وسلوكه وحضارته على مر العصور إلا أننا الآن أصبحنا نسمع بتقسيم هذا العلم إلى أربعةِ أقسام :

الانثروبولوجيا الطبيعية: وهي التي ترتبط بالعلوم الطبيعية كعلم وظائف الأعضاء وعلم التشريح، ومن أبرز وأهم تخصصاته العظام و مقاييس جسم الإنسان وعلم الجراحة الإنساني ويدرس هذا الإختصاص في كليات العلوم والطب.

الانثروبولوجيا الاجتماعية: تركز على المجتمعات البدائية وبدء التدريس بها إبان الحرب العالمية الثانية حيث يتضمن البناء والنظم الإجتماعية ، وأيضا تتضمن الطبقات والطوائف الاجتماعية، والنظم السياسية والاقتصادية والعقائدية وتتضمن أيضا النسق الإيكولوجي.

الانثروبولوجيا الثقافية أو الحضارية : تهتم باختراعات الشعوب البدائية، من أدوات وأسلحة وألبسة وأجهزة ومساكن، وآداب وأساطير وخرافات وعادات تلك الشعوب، والتغيرات الاجتماعية والتطور الحضاري لها.

الانثروبولوجيا التطبيقية: وقد تطور هذا العلم كثيرا منذ الحرب العالمية الثانية، وتنوع لتمثيله الجانب التطبيقي لتلك الأقسام والفروع، ويعد الأداة الأساسية والرئيسية لتطبيق نتائج كل بحوث فروع الأنثروبولوجيا، والتي وجدت لخدمة الإنسان والمجتمع واشتمل هذا العلم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربية والتعليم والسكان والتحضر، والصحة العامة والمجالات الطبية والنفسية والإعلام ، والفنون والآداب والجريمة والسجون وغيرها.

لقد اختلف الأنثروبولوجيون في تعاملهم مع السيرة فهناك من درس تراجم واشخاصا لازالت على قيد الحياة مثل كيفين دواير، وكرابانزانو، وديل أيكلمان، وآخرون فضلوا دراسة سير شخصيات تاريخية فارقت عالمنا، مثل جاك بيرك، وكليفورد غيرتز، وعبد الله حمودي، الذين عالجوا تراجم الحسن اليوسي وعلي الإلغي، ويجب القول أن السيرة أو الرواية التي يقدمها الشخص الحي موضوع الدراسة، تختلف عن رواية وسير الأموات التي يتقاسمها الأنثروبولوجي مع الأحياء. ويمكن القول إن سير الأموات تبقي في الأخير مرهونة بتاريخ وفاة الشخص التي تصبح في نفس الآن محددة لزمن رجعي يبدأ بالرواية الشفوية والأسطورة التي خلقت بعد مماته، وينتهي عند كتابات ومقولات الشخص موضوع الدراسة. فهل تجمع تراجم الأحياء والأموات بشكل متساوي بين العناصر الزمنية الممثلة في ثالوث: الماضي والحاضر والمستقبل؟ فالشهادات التي خرجت من أفواه الرجال حول الإلغي ترصد الموت والمستقبل، وتتيح لهم فرص أكبر في غياب صاحب الترجمة بأن يراوغون أو يكذبوا علينا؟ كما أن دراسة الأموات عبر نصوص تزخر بالحياة والحيوية يمكن أن تعرف تحريفات وتشوهات لا تتماشى وتفاصيل حياة المترجم له وهذا ما جاء في مقال تحت عنوان "استعمالات السيرة عند رواد الأنثروبولوجيا التأويلية"

و أخيرا، أختم هذا المقال بما قاله رائد الأنثروبولوجيا التأولية كليفورد غيرتز: الإنسان ينسج المعاني كما تنسج العنكبوت بيتها.