أنقِذوها...فإنها تستحق
القلبَ النابض لكلِ حضارة...
نشر في 01 أكتوبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لازِلتُ أذكر كلماتٍ حَفِظتُها عن ظهرِ قلب في مرحلتي الإعدادية.. تلك الكلمات التي سطرها شاعر النيل حافظ إبراهيم في شعره قائلاً:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَـــــزَّ الدَواءُ أَســـــاتي
فَـلا تَكِلوني لِلزَمـــــــــــــــانِ فَـــــــإِنَّني
أَخــــافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفــــاتي
أَرى لِرِجــــــــالِ الغَرْبِ عِــزّاً وَمَنعَةً
وَكَــم عَــــزَّ أَقــــــوامٌ بِعِـزِّ لُغــــــــــــاتِ
لم أكُن حينها أعي ما يقصده ،ولا السبب الذي دفعهُ لحياكة قصيدته تِلك، فلم أكن وقتئذ أهتمُ بالأسباب، فمجرد التغني بها كان كافٍ بالنسبة لي، ربما لاعتقادي بأن هذا كان هدفهُ ،ولإيماني بأن القلب النابض لكل حضارة "اللغة" لا يمكن أن تموت أو حتى تَذبل، ومن المُحال أن يَستبدل قومٌ لغتهم بغيرها ،حتى وساوسي بِرغُم من كثرتها حينها لم تُلمح لي ولو بالإشارة من أن لغة القرآن قد تُهمل.
وبعد مرور كل تلك السنوات.. وها أن أقف على بداية مشواري الجامعي أُدرك ولأول مرة ،الدافع لشاعر النيل لنسج قصيدته تلك ،مدافعاً عن اللغة العربية مُذكراً بفضائلها مُعَدِداً لمحاسنها.
الآن أُدرك السبب... فتعاملنا بغير لغتِنا.. رُقيةٌ وحضارة..
الآن أُدرك السبب... فتَعلِيمُنا بغير لغتِنا.. هو الإنجاز..
الآن أُدرك السبب ... فمُسمياتُنا بغير لغتِنا.. هو الابتكار...
هكذا دافع حافظ إبراهيم عن العربية بسلاحه "الشعر" ، فهل ستجد من ينصُرها بقراراته ؟ . إن ما أعنيه هنا هو رَدّ اعتِبارِنا للعربية كلغة لها مكانتها الرفيعة بين لغات الأرض ،وبذات منا نحن الناطقين بها ،وذلك لا يعني العُزوف عن اللغات الأخرى ،وعدم تعلمها ،وإنما مجرد إعطاءها حصتها من الاهتمام بالقدر الذي تستحقه.
مُنذُ فترةٍ ليست بالقصيرة ،تناقشتُ وصديقِ لي عن اللغة ،ومكانتها بين الأمم ،فكان مما قالهُ ،كلاماً جميلة ،أحببت أن أورده ضِمن مقالتي هذه: تخيل معي إذا قام كل طالبِ جامعي على مدار سنوات دراسته ،بترجمة بحثٍ واحدٍ فقط في مجال تخصصه إلى اللغة العربية ،فكم سيكون مقدار المحتوى العلمي الذي اثريت به العربية ؟؟. بِطبع سيزيد مقدار المحتوى العلمي ،وسيُصبحُ مُتاحً لأكبرِ عددٍ مُمكن من الناطقين بالعربية ،وبهذه الخطوة سيكون من السهل على الباحثين عن المعرفة إيجادها بِكُلِ يُسر.
وهنالك من الافكار ،والمقترحات الكثير ؛لنُعيد للغتنا تألقها ،فما تزخر به العربية من بلاغةٍ ،وفصاحةٍ ،وكنايةٍ ،واستعاراتٍ ،ومجازٍ ،وتصريحٍ ،واساليب ،ما يجعلها من اللغات الأكثر بساطة ،وسهولة في التعبير عما يختلجُ في فؤادِ المتحدث ،وغِناها بالمفردات ،والمرادفات يزيدها سلاسةً في صياغة الكلام وتحسينه .
وعُزوف غالبية أهلها عنها ينغصُ القلب ،وما يزيد القلب حُزناً وكمدَ ،أن اكون من الغالبية العازفة عن الاهتمام بها ،وأُدرك أني لم أوفها قدرها ،ولم أُنزلها المَنزِلَة التي تَستَوجِبها ،لكن ذلك لا يُسقِطُ عني استجلاب الهِمَّم ،فلربما يُقيض الله من يَنصُرها ،ويُعطيها حقها من سُمُوّ ،وسيادَة.
وما قِلَتَّ الإقبال عليها ضعفاً ،ولا ركاكةً فيها ،وإنما جهلاً بها ،وبقواعدها ،ولديها من الجمال ،والمفاخِر ما يجعلها اللغة الأولى على ظهر المعمورة ،لو أن أهلها يعيدون لها ولو جزءً بسيطاً من شبابها لتعود فاتِنَة كما كانت.