سراب الحقيقة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سراب الحقيقة

  نشر في 15 غشت 2015 .


تأليف : جمال التاقي

مضى إلى هنالك ينوء أثقالا . لم يلتفت للخلف المتشظي ولضجيج الأصوات التي سئم نواحها. مضى ليروي ظمأ السنين . خمرة اشتهاها ،عسلا يلعقه حد الكرع .واشتهى أجسادا تتمايس رقصا لجنابه ، أريكة ووسائدا وشرفة مشرعة أبوابها على خزائن لاتعدها العين،خدما وحشما تأتمر لحكمه. هو السيد يتزي حريرا يمشي الهوينا على بساط أخضر تتهادل فيه أعناق النور ،الزهر والياسمين...كؤوس وأباريق من فضة تزين مجلسه، شرابه نسيم أريج فواح... وداع يحتسي رغوة فناء النفس، خلودها انتشاؤها قمة هذيانه، ترمق فرادساوجنانا، تسكن قصورا عرضها السماوات.

من هنالك في أعلى التل يعشق هيامه الأبدي، طيفه يداعب نظره، يسترخي مستلقيا وقد هدهده الشوق الناعس على أجنحة الفراش.يحمل رحيق عطره إلى ملكات وجدانه اللائي ينتظرنه هنالك هنالك.ضرب موعدا حين تنشق الحقيقة فتخرج أخواتها أو مثيلاتها الملثمات يضربن بخمورهن عرض السراب. احتجبن عن البصر ورنا فؤاده هواها.يكشف ستارها المخملي وماعلق بها من أوصاب الوصل والهجر.

تغيرت أحواله منذ اعتادت قدماه الرواح إلى بيت شيخ هرم بدت على محياه تقاسيم الزهد والورع ولسانه يبتهل دوما حين لقائه به رفقة أترابه .صدره يموج نشيجا ،يكد في طقوسه ويجتهد لعل مناماته تجود عطاءا وفيضا .انقطع وعيه وانزوى إلى ذاته الخاوية يَعُبّ لها صورا غذت تؤنس مسعاه إليها،أصبحت زاده وراحلته نحو مايراه دليله . نسج خيوطا وحاك كسوة ورَزَّة. أضحى غريبا عن موطنه وكنف أهله.تاقت نفسه ونزعت إلى ضجعة اللائي يزرنه في جوف الليل، أنسوه زوجه وعاق فراشها بل ازدرء حرثها .

شعرت بالغبن وبدأت تمكث ساعات طوال أمام المرآة تتفحص علتها وسبب الهجران .لم تمل الكرة تلو الكرة وجاهدت في أن تعيد للحرث نضارته غير أنه صار مسكونا بما اختلقه من صور عن الحور العين.باءت محاولاتها بالفشل .

غاظها أمره ودب اليأس ينخر سويداء الفؤاد.لم تستسلم في البدء وعزمت أن تردع شطحاته .أيقنت أنها لم تعد تجذبه وتغريه وسارعت تسابق الزمن قبل أن يحل ضيفا عليهن.ما عساها أن تفعل وعقله بات منغلقا محشوا كفاية .لم تنفع مجادلته بل ينضح كلامه ألما وجراحا.

انتذبت لنفسها مكانا قصيا بغرفة في أعلى السطح وشرعت تعكف الليالي تنتحب شاكية. واعتزلت مجلسه لكنها حافظت على زينتها وما إن تشعر من دنو أقدامه للتلصص حتى تنفجر من شدة الضحك وتثير قهقهة غريبة فكأنما هي في جلسة أنس.

دأبت على تلك الحال لآيام تغيظه وتستفزه تترقب على مضض ساعة المكاشفة، أعدت العدة وهيأت لها جيدا.المسكين ضاق ذرعا وأنهكه الخواء واسودت الدنيا في عينيه، واشتاقت نفسه لخرير الجداول وهسيس النغم وآهات أعماق الوجد ورعشات الطَّرُوب ومذاق شهد المقل، والعبرات البلورية التي يشي لمعانها بصفاء الرباط الذي يجمع بين اثنين.تعب وكلَ وتجرع الخيبة وأمسى ذليلا عاجزا عن الوصل .

أضحى على شفا الإنهيار وغرمياته ما تحققت .اعتمل احساسها نشوة النصر وبدا قاب قوسين أو أدنى أن تسترده وتنتشله من براثن الضياع وترمم شقها الثاني وتوأم روحها الذي آثر الرحيل عنها في غفلة منها.

استفاقت فجرا وقد حفتها فرحة عارمة كأنما هو يوم عيد. خرجت من صومعتها وشرعت تعيد ترتيب البيت وتنظفه مما علق على الجدران والأثاث.تفتحت شهية الأكل وأسرعت إلى المطبخ تعد كعكعة احتفاءا به.وماهي إلا لحظات حتى سمعت طرقات قوية على الباب.انطلقت تعدو وفتحت حقيبتها ،أخرجت ثوبا ارتدته يوم زفافها لبسته على عجل فالطرق لم يتوقف بل ازداد شدة.

اتجهت مسرعة لما فُتح الباب وجدت رجال الأمن أحدهم في يديه أجزاءا من ثيابه محترقة وبعض من أوراقه الإدارية .سقطت مغشيا عليها وغابت عن الوعي بعد أن أدركت أنها أخفقت في أن تكون سيدة نساء أحلامه.

ُ


  • 1

   نشر في 15 غشت 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا