الإيحاء وغسيل الدماغ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإيحاء وغسيل الدماغ

الإيحاء وغسيل الدماغ

  نشر في 11 ماي 2016 .


إن استعمال اللغة و كافة أشكال التعبير هي طريقة الدخول إلى عقل الإنسان الآخر والتأثير عليه , فإننا نستطيع بذلك الإيحاء له بأفكار وتصورات ونوايا له عن طريق ذلك . إن هذه المدخلات مهما كانت طبيعتها تفرض تأثيراتها على هذا العقل , فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام باستجابات لها , وهذا يمكننا من التأثير على هذا الإنسان والتحكم في الكثير من استجاباته وبالتالي تصرفاته .

إن هذه الظاهرة أو هذه القدرة التي نملكها كان يستخدمها الإنسان منذ القديم عندما أدرك فاعليتها وجدواها .

وكل منا لاحظ تأثير ذلك على الآخرين وخلق الإيحاءات والاستجابات لديهم وبالتالي التحكم بتصرفاتهم , وذلك عن طريق التكلم معهم بأسلوب وطريقة مناسبة .

وقد كان للقصص و للخطابة والأمثال والشعر ( والآن الإعلام ) تأثيرهم الواضح الكبير . وكانت الخطابة أشد تأثيراً لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو الجمهرة ) التي تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين , وكلنا لاحظنا " هتلر" وغيره كيف كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة الخطابة . وتأثير الإيحاء يمكن أن يكون ذاتي , " يكذب كذبة ويصدقها " مثل : جحا عندما قال للأولاد الذين يضايقونه . أن هناك وليمة في المكان الفلاني فركض الأولاد إلى هناك , وعندما فكر حجا بما قال , وجد أنه ربما يكون هناك فعلاً وليمة فركض خلفهم . والوسوسة والتردد والتوهم . . هم ناتج تأثير أفكار وإيحاءات دخلت الدماغ وأعطت تأثيراتها . فإن الإيحاءات تشمل كافة مناحي حياتنا الثقافة والفكرية , والعقائدية بشكل خاص .

والإيحاء هو أساس التنويم المغناطيسي , فإن كل منا يسعى لتنويم الآخر عندما يوحي إليه بأن أفكاره ومعارفه وقيمه هي الأفضل . فنحن نوحي لبعضنا بالأفكار والمفاهيم والقيم التي نعتمدهما ونؤمن بهما , وهذا بمثابة تنويم مغناطيسي نقوم به فنؤثر به عليهم وندفعهم لتبني أفكارنا وقيمنا وثقافتنا , وكذلك لتنفيذ أهدافنا ورغباتنا . وكافة أشكال الإعلام هي إيحاءات فكرية وثقافية وعقائدية وتجارية .

كثيراً ما وصم التنويم المغناطيسي بالدجل , ولكنه تبين أنه ظاهرة حقيقية لها أسسها الفزيولوجية والعصبية , وقد ثبتت فاعليته في الاستخدامات العلاجية وبشكل خاص في التحكم بالألم . والمكتشفات الحديثة توضح كيف تستطيع قوة الإيحاء من خلال التنويم المغناطيسي ( إذا ما استخدمت بشكل صحيح ) أن تغير حالات دماغية أو فكرية مثل الذاكرة والإحساس بالألم .

إن مفهوم غسيل المخ أو برمجة العقول , والذي يستخدم في نشر الثقافات والعقائد والمبادئ , وبالتالي دفع الناس لتبني أهداف ودوافع وغايات معينة , وذلك عن طريق الإيحاءات باستخدام كافة أشكال الإعلام , هو أيضاً شكل من أشكال الإيحاء والتنويم المغناطيسي .

فعن طريق اللغة المتطورة المحكية يكتسب أو يتعلم الإنسان التصرفات والأفكار والقيم من أفراد الجماعة التي ولد ضمنها . فهو يكتسب من أمه لغتها وكافة التصرفات والأفكار والتقييمات الأساسية التي هي اكتسبتها من أمها , و يتابع اكتسابه من باقي أفراد أسرته وعشيرته , وبذلك يتم برمجة دماغه بالأفكار والثقافة الموجودة لدى جماعته , أي يبرمج عقله عن طريق ثقافة مجتمعه , ويتم اعتماد ما اكتسبه دماغه في غالبية تصرفاته . وبهذا تنتقل الأفكار والثقافة عبر الأجيال .

ولكن كانت تحدث في كل فترة قفزة من تغيير في الأفكار المنقولة نتيجة ظهور أحد المفكرين ينتج عقله أفكار جديدة أو يعدل أو يطور بعض الأفكار الموجودة , ويملك في نفس الوقت القدرة _ كأن يكون رئيس الجماعة أو ذو شخصية قادرة . . . - على نشر أفكاره في عقول جماعته .

هذا الرجل كان أول من استعمل طريقة غسل الدماغ , وهو الذي نجح في أن يبدل أو يطور جزء من الثقافة التي تتوارثها جماعته .

أما الآن فغسيل الأدمغة أصبح يعتمد على المنجزات التي تحققت في مجال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الدماغ وما تحقق في مجال التواصل والاتصالات إن كانت سمعية أو مقروءة أو مرئية , وتم الاستفادة مما تم التوصل إليه في مجال الإيحاء والتنويم المغناطيسي , ومن تأثير التكرار وتأثير ظاهرة الجمهرة .

فصار غسيل الدماغ يحدث في كافة المجالات وعلى كافة المستويات إن كان على مستوى فرد أو مستوى مجموعة أو مستوى شعب كامل .

وطرق غسل الدماغ تنجح بسهولة عندما تطبق على الشبان الصغار فالكبار غالباً يصعب غسل دماغهم , فغسل الدماغ لا يمكن أن يتم بسهولة لدى الكبار , فهو يحتاج إلى وقت , ويمكن تقليل هذا الوقت باستعمال الكثير من الأساليب التي ثبتت صلاحيتها , مثل استخدام الأحاسيس النفسية والجسمية والمشاعر والعواطف القوية إن كانت مؤلمة أو مفرحة ولذيذة , واستعمال الإقناع الفكري , والترغيب والترهيب ولفترة طويلة , بشكل تجبر أغلب الأشخاص على تغيير أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم .

ومعالجة الأمراض النفسية بالتحليل النفسي يمكن اعتباره نوع من غسيل الدماغ .

ويمكن أن يتم غسل أدمغة الأفراد والجماعات دون أن يدروا أن ذلك جرى لهم , وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة ... , وبواسطة أجهزة التعليم بكافة أشكالها .

وهذه الوسائل أصبحت تملكها وتتحكم بها الدول والمؤسسات الكبيرة فهي الآن تقوم بغسل أدمغة غالبية الأفراد ووضع الأفكار والدوافع .... التي تريد .

يقول هربرت . أ . شيللر :

تكتيكان يشكلان الوعي تستخدم الأساطير بكافة أشكالها القديمة والحديثة من أجل السيطرة على الأفراد , وعندما يتم إدخالهم على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي , وهو ما يحدث بالفعل من خلال أجهزة الثقافة والإعلام , فإن قوة تأثيرها تتضاعف من حيث أن الأفراد يظلون غير واعين بأنه قد تم تضليلهم .

ويقول جورج جيبرنر :

إن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض , وتشكل الوعي العام بما هو كائن , بما هو هام , وهو حق , وما هو مرتبط بأي شيء آخر , هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجاً يتم تصنيعه .

فالأفكار والعقائد والمبادئ التي يتبناها كل منا ( أي التي دخلت عقله وتوضعت فيه ) أوحى له الآخرين بها , فصار ملزم بخدمتها وتنفيذ مضمونها حتى وإن تعارضت مع أقوى الدوافع البيولوجية مثل المحافظة على الذات , فهو يضحي بنفسه من أجل الأفكار التي تبناها

في النهاية إننا نرى : أن المؤثرين الأساسيين أو المتحكمون فينا , هم مبدعين و خالقين هذه الأفكار

" فجلجامش وحمورابي وهوميروس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وموسى وعيسى وبوذا و كونفوشيوس و زراتشت وابن عربي وابن رشد وكانت وهيوم وماركس وفرويد وأينشتاين . . . والآلاف غيرهم "

هم الذين خلقوا الأفكار وزرعوها في العقول ..

سوف يقول الكثيرون أن الدوافع والغايات هي الأساس , وليس الأفكار والثقافة التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه , لأنها هي التي ستخدم تأثيرات الأفكار والإيحاءات والإعلام لتحقق نفسها .

إن هذا هو الواقع فعلاً , ولكن الغالبية العظمى من هذه الدوافع والغايات , صنعتها الأفكار والثقافة والعقائد المنتشرة في المجتمع .

إن هذا أدركه الإنسان منذ قديم الزمان ( ودون أن يعرفه بشكل واضح ) وهو يستخدمه دوما وبفاعلية كبيرة .

فالمتحكم فينا هو الأفكار المنتشرة في العقول وبالذات التي تنشرها وسائل الإعلام , فهي التي توحي لنا بالكثير من تصرفاتنا وتفرض علينا قوها وتأثيراتها , وبالتالي تفرض علينا غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا .

فالمؤثر الأكبر فينا ليس الأشخاص والمؤسسات والحكومات , بل الأفكار والعقائد .. التي ينشرها الإعلام .

المصادر

قوى الإقناع ديفيد ويلتش مجلة الثقافة العالمية العدد 100

التنويم المغناطيسي حقيقة أم خيال مجلة الثقافة العالمية العدد 104

هل للأفكار أهمية في أمريكا ويلقيد م . ماكلي مجلة الثقلفة العالمية العدد 126

قصف العقول * ط2 فيليب تايلور ترجمة سامي خشبة عالم المعرفة الكويت العدد 256

ما هو صحيح وما هو خطئ عن التنويم المغنطيسي ** م.ر ناش مجلة العلوم الكويت م 19 العدد 4-5



   نشر في 11 ماي 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا