إذا تأملنا برهة في حالة الاغتراب وأشكالها المتعددة سنجد أنها كانت تأخذ شكلا تعارف عليه الجميع ألا وهو الانتقال والعيش في مكان آخر، بلد مختلف، ثقافة مختلفة، أشخاص مختلفين، من ثم تبدأ ظهور حالة الاغتراب رويدا رويدا. ثم أخذت حالة الاغتراب تنكمش وتنحصر في أشكال مختلفة من الانتقال خارج المحيط والمكان إلى الداخل في نفس البلد والمجتمع والبيئة وداخل البيت الواحد، بين أفراد الأسرة، ثم تعدت ذلك وأخذت شكلا أكثر انكماشا فباتت تحدث للفرد بينه وبين نفسه!.
في الحالة الأولى كانت الأسباب معروفة وواضحة إلى حد كبير، اختلاف المكان والأشخاص واللغة، أما في داخل المجتمع فاعتقد أن السبب يرجع إلى اتساع الفجوة بين أطياف المجتمع، هذه الفجوة أحدثت انقسام داخل نسيج المجتمع الواحد، سببه سيطرت المادة وطغيانه على حساب الجانب الروحي والتفاوت التي خلفته من اختلاف أشكال التعليم والفئات التي تحصل عليه، تحدد المادة مستوى الحصول على التعليم بما يتناسب مع كل فئة... إلخ، أما داخل الأسرة فكان اختلاف العصر واتساع الفجوة بين أفراد الأسرة والتقدم التكنولوجي الذي أصبح له تأثير كبير على حالة الاغتراب داخل الأسرة من هنا أخذت الفجوة تتسع إلى درجة كبيرة حتى طالت الفرد نفسه فوصلت هذه الحالة بينه وبين نفسه وهي أصعب أشكال الاغتراب التي تختلف أسبابها من شخص لآخر.
تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتطوير مستوى التعليم للذين يطمحون في تحصيل درجات علمية من الخارج تكون من أسباب العلاج للحالة الأولى والحالة الثانية أيضا مع محاولة تضيق الفجوة التي أحدثتها المادة
أما في الحالة الثالثة تكمن في معرفة إيجابيات التكنولوجية وسلبياتها وزيادة التوعية بالطريقة الأمثل لاستخدامها والتنبيه على سلبيات الاستغراق في العالم الافتراضي دون المشاركة والتواجد في العالم الحقيقي.
أما الحالة الأخيرة وهي الأصعب بين كل أشكال الاغتراب والتي تحدث بين الشخص ونفسه وأسباب علاجها تتوقف على معرفة الظروف المصاحبة للشخص والتي دفعته إلى الوقوع في هذه الحالة وهي في الواقع تختلف وتتفاوت من شخص لآخر.