على حافة كل شئ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

على حافة كل شئ

الحرف يحكي...

  نشر في 27 شتنبر 2020 .

نزار عبدالله بشير

" وإني جبان في فراق أحبتي..

و إن كنت في غير الفراق شجاعا "

معروف الرصافي

ربما تكتشف مؤخراً بعد كل الأعوام التي عركت فيها الحياة و عركتك، نفساً جديدة بين جنبيك لا تدري هل هي نفس جديدة قد حطت على ذاتك على حين غفلةٍ منك، أم هي نفسك ذاتها و قد تغيرت بحكم تقدم العمر و تقادم السنوات؛ المذهل في الأمر أنك لن تكتشف هذه الصورة الآخرى لذاتك ما لم تخلو بها أو يلم بك (مَلَم ) لا قدر الله؛ حينها سيُكشف عنك حُجب نفسك الزائفة التي كنت تعتقد نفسك عليها...

هناك على زاويةٍ ما من هذا العالم، ستجد أشياء كنت قد نسيتها تماماً؛ هذه الأشياء ذاتها كانت في يوم من الأيام منتهى أحلامك، و حين إستعصى تحقيقها، أو كبرت في السِن قليلاً أو لأي سببٍ كان تخليت عنها طوعاً و كُرهاً، و أصبحت لا تتذكرها إلا سراباً.. و ها أنت الآن أمامها وجهاً لوجه بعد كل سنوات البحث المضني و العجز، أمامك في التوقيت الخاطئ...أمامك في الوقت الذي تبحث فيه عن شئ آخر.. و حتى لا ننسى نفسك الجديدة التي إكتشفتها، ربما تكون هي نفسك التي كنت تتمنى أن تكون عليها في يوم من الأيام.. و ربما حلم ..

يقيني أننا لن ندوم لبعضنا البعض في هذا العالم، يوماً ما إما أن نودِع و إما أن نُودَع؛ لا محال هذه اللحظات القاسية قادمة، إلا أننا نرفض حتى مجرد الفكرة هذه حين يتعلق الأمر بالذين نحبهم، و قطار الحياة يمضي شئنا أم أبينا و لا يدري كل منا متى تحين محطته ليترجل ...

ككل الجبناء في هذا العالم يَعزُ عليّ أن أودع عينيك؛ و لو كان لسفرٍ قريب، تنطبق عليّ كلمات معروف الرصافي تلك، لست أنا (أنا) الذي يرفض ذلك؛ و إنما ذلك الشئ الجديد الذي حدثتكم عنه بالأعلى هو الذي يرفض ذلك التوديع، أما أنا فما زلت شجاعاً و ممثلاً يجيد تمثيل أداء أدوار الثبات حتى في أكثر المواقف التي تستدعي البكاء و تستجدي الدموع، و لكنه شئ جديد يتحدث بإسمي و يخشى الوداع...

وجدته بالأمس يطالع يطالع كتاب (رسائل فيودور دوستوفيسكي ) يقلِّب الكتاب بسرعة و كأنه يبحث عن جملة بعينها في الكتاب، أو ربما لديه كلمات يخشى أن يقولها فأراد أن يختبئ خلف أدب دوستوفيسكي فتمنى لو أن تَرِد تلك الكلمات على لسانه؛ و حين عجز في أن يحصل على مراده تناول و كتب على ثاني ورقه بعد الغلاف بيت إبن زيدون الشهير :

" وأنا الذي ترك الوداع تعمُّدًا

مَنْ ذا يطيق مرارة التوديعِ؟ "

فإكتفى بمطالتعها ملتصقه بالكتاب الذي بين يديه و إن كان لا يتسق الخط و الفكرة، و لم يجد ما يبحث عنه فأراد أن ينسبه لي...

أخشى أن أفقد إبتسامتك تلك.. بريق عينيك عند الضحك، طفولتك، سذاجتك و جنونك و كل شئ أخشى أن نفترق دون وداع، و أخشى أكثر أن نتوداع؛ فتلك لحظات لا قِبل لنفسي الآخرى بتحملها، أما أنا (أنا) فلا أدري كيف سيكون موقفي... أخشى أن لا نلتقي مجدداً فلا تتواقع نظراتنا و نضحك، أن لا نلتقي قبل أن أهديك أغنية قطار الشوق و البلابل يُحلِّقن باللحن ..

" يا قطار الشوق ...

حبيبنا هناك يحسب في مسافاتك

و لو تعرف غلاوة الشوق ..

كنت نسيت محطاتك

كان بَدرت في الميعاد..

و كان قللت ساعاتك

و كان حنيت عليّ مرة

و كان حركت عجلاتك "

هي ذريعة لأوصل لك بها شئ لا تقوله الكلمات، أو إن أردت معنًى أدق لا أعرف كيف أقوله؛ ربما هذا الذي يفسر إرتباط الناس بالأغنيات؛ كيف أن أحدهم يكتب شعوراً يخصه فما أن ينتهي من توقيعه حتى يصبح يخص الجميع؛ بل و ذو خصوصية عالية لدى بعضهم...

أنا (أنا) ما زلت لا أخشى شئ، و لا أخاف التوديع، ما زلت مستمسكاً بتقلديتي القديمة في كل ما يلي الأحاسيس و المشاعر، مستعصماً بوحدتي حين يتعلق الأمر بالكاء، أما (أنا) الجديد فقد ترك كل شئ و نثره على أعتاب أعتى ريح و و خرج يتمخطر في الهواء الطلق..


  • 1

   نشر في 27 شتنبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا