النفاق الرقمي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

النفاق الرقمي

النفاق في مواقع التواصل الإجتماعي

  نشر في 31 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

وإن كانت التسمية لا تدل بشكل أدق على ما تحيل عليه في مخيالنا اليوم من تواصل اجتماعي محض إلا أننا نتقبلها  بامتعاض ،لذلك يمكن أن نتحدث عن تواصل بالصور أو الرموز ولكن أن نضيف على هذا صفة الإجتماعي فالأمر يقتضي توفر مجموعة من الشروط التي تؤسس للإجتماع ،هذا ليس من باب الممارسة التشكيكية وإنما فقط لتبيان أن الإجتماع يقتضي وجود أفراد فعليين على المستوى الواقعي يؤتثه حوار فعلي وتواصل حسي  .
 عالم اللاحدود ، عالم كباقي العوالم الوافدة، نَادَانَا واستجبنا له بعفويتنا المعهودة التي تصل إلى حد السداجة أحيانا، عالم الصور والتدوينات ،عالم نحاول فيه أن نكون مثاليين على مستوى الخطاب أكثر من تجسيد الأخير في سلوكات ومواقف انسانية في الواقع الملموس، توهمنا أننا وجدنا البديل الذي سَيُمَكِّنُنَا من التعبير دون حدود، بل دون قيود ،لكننا لا نقوم إلا بالإبتعاد شيئاً فشيئاً عن التواصل الحسي والتقارب النفسي، لتقبع أثناء عملية التواصل الإفتراضي الكثير من الدلالات في عالم الممكنات، دلالات كان بالإمكان أن تلعب دورها في تجسيد الحقيقة النسبية .

ففي حقيقة الأمر لسنا إلا في مرحلة نقوم فيها بنقل وتحويل عالمنا الواقعي إلى عالم رقمي افتراضي ،أي أننا بصدد نقل تجربة واقعية محسوسة بكل ثقلها إلى تجربة تتخللها الأرقام والرموز والأيقوات، (إلى التجربة الرقمية ) .
بل يمكن المجازفة والقول على أننا في طريقنا لنصبح روبوهات انسانية تعمل بشكل ميكانيكي سطحي تافه أكثر من الإحتكاك بالواقع الملموس والتجربة المصفاة من طبائع النفاق الرقمي، بل أصبحت أبداننا لا تقشعر إلا من خلال مشاهدة الصور والفيديوهات ،أما الواقع الفعلي فقد مات كما قال بودريال . 
فنحن نمر بشكل يومي على الكثير من الفقراء والمساكين وذوي الإحتياجات الخاصة دون أن نعير أي اهتمام لهذه الفئة، لكن عندما يتعلق الأمر بصورهم التي تلقى في المواقع الإفتراضية ترانا نتأثر بمعاناتهم، لنتضامن معهم تضامناً افتراضياً بشكل تمردي يقتصر على اللايكات أو المشاركات، في هذه الحالة يصبح التضامن كواحد من المبادئ الإنسانية قابعا في عالم الصورة لا يتجاوزها،لنفقد الإحساس الشعوري والإنتماء الوجداني لعالم هو الأصل، والباقي تقليد انبثق عن العلم والتجربة المعرفية  التي عرفها الإنسان .

وبذلك فقد انتقلت الشفقة والمودة والحب والحنين والتضامن إلى عالم غير عالمنا الواقعي، لتقبع كل هذه المفاهيم في عالم الصورة دون أن تتعداها إلى سواها، فنحن اليوم لم نعد نتأثر بالتجربة المباشرة وإنما أصبحت هذه الأخيرة تقتضي أن تكون مغلفة وخاضعة لسياق الصورة والمؤثرات .
فبالإضافة إلى أننا نعيش نفاقا اجتماعيا في العالم الواقعي نزيد الطين بلة بتجربة افتراضية وعالم تخييلي مليئ بالحواجز التي تحول دون استيعاب حقيقي للمعاني، عالم خلصنا من عقدة التحدث أمام الآخرين، عالم تحققت فيه دمقرطة العملية التواصلية والتعبيرية لحد البدخ والتفاهة التي وصلت إلى ما هو بحجم سينا وهدادايداي والزعتر .
بل تحققت في هذا العالم التسوية المادية للإنسان، لِيُفَكَّكَ الأخير في سياقات يكون الهذف منها تشييء وتسليع الإنسان الذي انتفض و تمرد على الأساطير والمقولات الميتافيزقية، ليصير العقل مجرد أداة بعد أن كان مركز التجربة الإنسانية .
فالظواهر التي نعيشها في العالم الرقمي ساهمت بشكل أو بآخر في خلق متخيل جمعي يفاجئنا كلما غضضنا أبصارنا لهنيهات عن شاشات الهواتف والحواسيب، فكلما خرجنا إلى العالم الواقعي لنعيش القليل من التعاسة الحقيقية نتفاجئ بنتاج المحرك الرقمي، بل نستغرب لسلوكات لم نعهدها من قبل، لكننا نتجاهل ونتناسى أننا نحن من ساهم بشكل أو بآخر في خلقها وترويجها بإهمالاتنا وانزياحاتنا عن توظيف جهازنا الفكري .
لذلك فنحن نعيش حياة ازدواجية، نفرح ونحتفل ونمارس الحرية المطلقة في الحياة الإفتراضية، ونكشر عن أنيابنا ونغضب ونعبر عن سخطنا وتدمرنا من مظاهر العالم الواقعي، هذه المظاهر التي تسربت من عالم يبيح لنا في عالم الخيال ما هو مرفوض في العالم الواقعي .
بل أحيانا يمكن أن نعتبر أنفسنا جبناء ،لأننا استسلمنا لقسوة الواقع وصعوبته لنهرب ونعرج على عالم النقرة الزرقاء، ونخلق بذلك الحميمية الإفتراضية والوجدان الذي ارتبط بالصور اشد الإرتباط، بل صرنا ضعفاء على مستوى التواصل العقلي وأقوياء ووحوش على مستوى التواصل وراء الجدران، لنستمر في زخرفة أهوائنا بثقافة الصورة التي لاتعكس إلا التصنع والظهور، ونستسلم للذة التي انتابتنا حيال التشبث بهاجس النجومية المفبركة، ولتصير سلوكاتنا مبرمجة على الإستهلاك الغبي نتيجة العادة والتكرار الميكانيكي .



   نشر في 31 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا