بين مشاعر الخوف و صناعة الخوف أجيال تتوارثه و أشخاص تصنعه ...
فالشعور بالخوف جزء طبيعي من المشاعر الإنسانية و موجود بداخل كل انسان و الفرق يكمُن في القدرة علي الانتصار عليه من إنسان لآخر ... و التخويف صناعة عشنا بداخلها منذ الصغر حتي أننا كنا نخاف من شخصيات لا وجود لها كـ أمنا الغولة و النداهة و غيرها من الشخصيات الخيالية ، كنا نسمع حكايات لا أصل لها في المنزل و في المدرسة و في الشارع ، و من كثرة ما سمعناه كنا نخاف أن نطفيء الأنوار قبل النوم ، و بعد سنوات من صناعة الخوف بداخلك يأتي أحدهم لـ يُخبرك أن كل هذا كان عبثاً و من واقع الخيال
و من أشهر الأمثلة القديمة في صناعة الخوف " خيال المآتة " ..تلك القطعتين المتقاطعتين من الخشب بملابس مزارع تتحرك أطرافه مع الهواء فتحسبهُ الطيورُ انساناً فتبتعد عن محاصيل الحقل ، فصاحب الحقل شخص خائف علي المحصول من الطيور و لا يستطيع منعها من النزول للحقل فحارب الطيور بتلك الفزاعة أو بـ " صناعة الخوف " ، و مع مرور الأيام تُدرك تلك الطيور أن هذا الانسان الخشبي لا يتحرك و أنهم أضاعوا كثيراً من الوقت في جوعٍ و خوف من خيال ميت لا يُصدر نفساً ، و قد تري بعضهم فيما بعد يقف علي رأسه الخشبية فارداً جناحيه لمشاهدة الحقل الذي كانوا بالأمس يرتعدون خوفاً من الاقتراب منه و كأنها " لحظة الانتصار "
و في مواقف الحياة التي تمر عليك تري شخصين يتشاجران ، في البداية تري أحدهم يُهاجم بنبرة صوت عالية و ينفعل أكثر فأكثر و يتحرك يميناً و يساراً لـ تخويف الآخر ، و في المقابل تري الآخر متوتر و يُحاول ألا يصل لتشابك الأيدي ، و في لحظة ينقلب المشهد فيتغلب الشخص المتوتر علي خوفه و يخرج عن شعوره و تري النيران بين عينيه ، فينسحب الشخص المهاجم و يبدأ في الحديث بنبرة ناعمة
كأن الخوف و صناعته نمط حياة نعيشه و يمارسهُ كلٌ منّا بطريقته ، حتي استغلت الأنظمة الاستبدادية ما تعودنا عليه فصنعت بداخلنا كل أنواع الفزاعات التي تضمن بقاءها ، فصناعة الخوف هي الأكسجين الذي تتنفسه تلك الأنظمة حتي تظل علي قيد الحياة
فيجعلك تشعر دائما أنك مراقب و تتحسس كلماتك و اذا خرج فرد واحد يُعارض النظام بورقة أو كلمة ، يختفي و لا يعرف أحد مكانه الي أن تستوطن في قلبك جملة ليست غريبة عليك فأنت مَن وصفت بها حالك من شدة خوفك و كثرة تخويفك (( اللي بيتكلم بيودوه ورا الشمس ))
فيتعامل معك علي أنك إنسان مهمش لا تعرف مصلحتك و لا تدري بـ حقيقة المؤامرة الكونية ، التي تُعد لك من تنظيمات دولية ، و أن الوطن في حالة حرب داخلية و خارجية ، و أي محاولة منك لـ تغيير حرفاً في ورقة نظامية ، وراءها أيادي خفية ، تعبث بالمصلحة الوطنية ، و من ثَم فأنت خائن تستحق الإعدام في محاكمة عسكرية
فالخوف هو أسوأ مستشار للانسان و مَن يصنع الخوف شخص أكثر خوفاً ممَن يقوم بتخويفهم ، و يعلم جيداً أنه غير قادر علي المواجهة و أنه فرد ضعيف بالنسبة لهم ، و يستمد قوته من رؤية الخوف في أعينهم ، فكلما زاد الخوف بداخلهم قَـل الخوف بداخله ، و كلما انكسر حاجز الخوف بداخلهم يشعر أنها النهاية و أن المصير المنتظر الذي حاول بكل الطرق الابتعاد عنه يراه أمام عينيه
تَخلص من جذور الخوف التي زُرعت بداخلك ، فأنت وحدك مَن تعلم حقيقة خوفك و تستطيع الانتصار عليه ، فنبي الله موسي ظل سنوات يُحارب ما ينتابه من مشاعر الخوف ، فراراً (( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ )) .... ثم قولاً (( إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى )) ..... ثم قلباً (( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَي )) ... فكانت النهاية فرعون من خلفه و البحر من أمامه و مَن معه لسان حالهم (( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )) و لسان موسي (( كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))
في النهاية ما نحن فيه الآن لا يحتاج الي شجاعة فردية فحسب بل يحتاج الي شجاعة جماعية ، و أن تخلع جلباب الخوف الذي أجبروك علي ارتدائه و ترتدي زي الفرسان ، فالخوف و الشجاعة بداخل كل انسان ......... فماذا لو اجتمعت قلوبنا علي " قلب موسي " في مواجهة كل فرعون ؟
-
ناشط بحركة 6 أمشيرإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ..... سأظل أكتب ما أومن به حتي أبني لهذا العالم مدينة من العدل جدرانها الحروف وأعمدتها الكلمات ..... يسكنها كل شبيه لها