الإنشاء 43 و44 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإنشاء 43 و44

  نشر في 03 فبراير 2022 .

اكتب عن ذكرى تركت انطباعا سيّئا في نفسك.

من ذكرياتي

حانوتي لئيم

كنت في الصفّ الثاني الابتدائي، كان قد مرّ على الحرب الإيرانيّة العراقيّة ستّة أشهر، وكانت حالتنا مزرية، مزرية جدّا، حيث لا مكان ولا مال ولا أمان.

نزحنا من المحمّرة إلى قرية تقع على ضفاف نهر الجرّاحي تسمّى (گرگر).

آوينا في بيت من طين متروك، وكنّا نحن الأطفال حفاة، نلعب مع أترابنا فنركض يمنة ويسرة ونسبح في النهر، وقد تصيب أرجلنا شوكة فتخزنا، أو زجاجة فتجرحنا.

ولا أتذكّر لماذا لم نكن نرتدي الأنعل أو الأحذية!

ربّما كنّا قد تركناها في المحمّرة عند نزوحنا ونحن نخرج منها في هلع من قصف المدافع.

ولهذا كان لا بدّ من شراء نعال أو حذاء.

طلبت من أمّي مبلغا لشراء نعال، هي لم تستطع مرافقتي إلى المحلّ، كان لديها أعمال البيت وأخي الصغير الذي فقدناه بسبب تلوّث مياه النهر، وقد اقترحت أمّي أن أصبر حتّى يرافقني أبي بعد عودته؛ لكنّني لم أصبر:

أنا الآن في الصفّ الثاني الابتدائي، لقد أصبحت رجلا.

وبعد إلحاحي المستمرّ، حصلت على مبلغ النعال وركضت نحو المحلّ وحدي.

كان الحانوتي كهلا، قال لي إنّ النعال بعد شرائه لا يُردّ ولا يُستبدل.

ولهذا عليّ أن أدقّق في الاختيار.

اخترت نعالا أعجبني لونه، وكان الرجل يتفرّج عليّ وأنا أحاول احتذائه، استطعت أن أدخل نصف رجلي بالقوّة ... والرجل لم يتدخّل!

دفعت السعر وحملت النعال بيدي ورجعت.

قالت أمّي لائمة: هذا النعال صغير جدّا، كيف اشتريته؟!

وأمرتني أن أرجع فأختار أكبر منه.

لكنّ الحانوتي رفض استبداله!

قلت له لم أستخدمه قطّ وعند ذهابي حملته بيدي.

قال: ألم أقل إنّ البضائع التي تُباع لا تُردّ ولا تُستبدل؟!

رجعت حاملا نعالي بيدي، وفي قلبي غيظ طفولي بريء.

(يقول المثل: شيء ولا العدم.

اكتب ولو أسطرا قليلة، ولكن اكتب.)

31-5-2021

44

لفّة بصل

أمّ شروق لديها واجبات البيت، لم تستطع مثل الأسابيع الماضية أن ترافقني إلى السوق، فكتبت لي قائمة

وأضافت فيها كمامات، وقالت إنّها ترغب اللون الأبيض لا الأزرق.

منذ تفشّي فيروس كورونا أمست الكمامات تضاف إلى قائمة شرائنا.

وضعت عربة التسوّق في السيّارة وأوصتني أن أستخدمها لحمل البطاطس والبصل والمعجون...

ثمّ أردفت مازحة:

لم تعد شابّا لتستطيع حمل الأكياس الثقيلة.

سرت وأنا أستمع إلى قصيدة (أنشودة المطر) للشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب والتي يغنيها محمّد عبده، ووصلت السوق بعد خمس دقائق.

كان السوق مكتظّا، والباعة يصوّتون:

بصل..أربعة بمئة.

بطاطس.. كيلوان، ويكتفي بهذه الكلمة الواحدة ولا يزيد عليها!

بامية الديرة.. حراج.

الصخب يتعالى، وكأنّ الناس لا يرون البضائع على عرباتهم أو المفروشة على الأرض!

وكان البصل نوعين، أحمر وأبيض، والأبيض نوعان أيضا، صغير الحجم وكبيره؛ والصغير أرخص.

اشترت امرأة خمس كيلوات من البصل الصغير، ودون أن أسألها قالت:

سيلفّونه بالخبز ويأكلونه.

سألتها: خبز وبصل؟!

قالت وهي تبتسم:

نعم، يقفزون يمينا وشمالا، يركضون ولا يهدأون، ولهذا كلّ ساعة يهجمون على دور الخبز. البارحة عند الساعة الثانية عشرة جاعوا، فأطعمتهم خبزا وبصلا.

ثم ضحكت وقالت: لفة بصل، ما أشهاها!

صرت أتابع تفاصيل البسمة على وجهها الأسمر، والكمامة في هذه الحرارة التي تفوق الخمسين درجة مئوية تكاد أن تخنقني، فلم أسمع ما أضافته من بؤسها.

تطعم أطفالها بدل اللحم والسمك والفاكهة الطازجة، خبزا وبصلا وتتبسّم!

لا ريب أنّ نشاط أطفالها وقناعتهم تعجبك كما أعجبتني، خاصّة تناولهم لفّة البصل منتصف الليل، ولكن هل يحزنك هذا الفقر والحرمان والشقاء كما يحزنني؟!

2-6-2021

سعيد مقدم أبو شروق 

الأهواز



  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 03 فبراير 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا