حكاية من الشّارع (6) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكاية من الشّارع (6)

  نشر في 26 يونيو 2021 .

استرني

في إحدى القرى الأهوازيّة، تمّت الخطبة وتوافق الطّرفان ودُفع المهر ...

وفي ليلة الزّفاف، ضرعت العروس لزوجها في بكاء مرير وقلبها يهوى ويصعد في صدرها فقالت:

لا أطلب منك أن تتقبّل ما اجترحته من خطأ، بل من ذنب؛ أدري أنّه خطأ لا يُغتفر! ولا أقول إنّها كانت ساعة شيطان، بل كانت ساعة إخلاصي تجاه من أحببت، وإن شئت فسمِّها ساعة حماقتي!

ولكنّي أطلب منك أن تسترني، وتبقيني عندك لفترة ثمّ تطلقني.

أرجوك وافق على طلبي كي أسلم ممّا قد ينتظرني من سوء من قبل أهلي، وخاصّة إخوتي. ولا أعرف مدى خطورة هذا السّوء عليّ!

أسوف يسلبني روحي بطعنة واحدة؟!

أم تقطّعني الطّعنات شلوا شلوا وأنا حيّة حتّى أفارق الحياة؟!

أو أُمسَك في البيت حتّى يتوفّاني الموت؟! ... لا أدري!

وعند الطّلاق سوف أتنازل لك عن جميع ما تكلفتَ به من جهاز وخشل، وأدفع لك تكاليف صالون الحلاقة، وحتّى أجرة السّيّارة الّتي أقلتني من الصّالون إلى دارك.

وبينما كانت ضجّة الأهازيج والدّبكة تتداخل وهمس العروس المضطرب، كان الرّجل القرويّ يصيخ إليها، والدّم يتسارع إلى وجهه وإلى عينيه، وقد أحالهما إلى جمرتين يتطاير منهما الشّرر!

وأضافت العروس والدّموع جرفت بعضا من مساحيق وجنتيها، وهي لا ترى منجيا غير هذا الرّجل الّذي قد يلين الله قلبه فيوافق على اقتراحها:

القرار لك، وليس لديّ عليك أيّ سلطان! ... أنت ورجولتك.

نفض الرّجل رأسه ليبعد الكابوس الّذي اقتحم ليلة عرسه؛ لكنّه كان كابوسا حقيقيّا فلم يبرح حجرة الزّفاف...

وقف العريس مصعوقا في مكانه، ثمّ طفق يتمشّى في الحجرة ذاهبا راجعا وهو يصفق بيديه كالمهزوم، وكثيرا ما يسرع في خطواته وقليلا ما يبطئ، حتّى ألان الله قلبه فوافق على اقتراحها.

كانت المهلة الّتي طلبتها العروس شهرين، وأخذت تعدّها يوما بعد يوم ... إلى أن جاء اليوم الموعود؛ فذكّرت الرّجل بأنّ المدّة قد انتهت، وحان الأوان أن تطلّقني، وسوف لا أنسى معروفك أبدا... ولا أدري كيف أشكرك! غير أن أدعو الله أن يجزيك خيرا في الدّنيا والآخرة.

قال الرّجل والهدوء يترك مسافة بين كلماته:

يا امرأة، عفا الله عمّا سلف، وإنّي غفرت لك زلّتك، وقبلت بك زوجة.

قفزت تقبّل يديه، فرفعها ...

عاهدتْه وهي غير مصدّقة أن يصدر من رجل قرويّ مثل هذا العفو الكريم:

أعاهدك أن أبقى لك وفيّة ما حييت، وأن أسلك معك طرق المرّة والحلوة محصنة مسندة، وسأخلص لك إلى آخر رمق في حياتي إخلاصا.

حدثت هذه القصّة في إحدى القرى كما جاء في بداية الحكاية، ولم يكن الرّجل متعلّما، ولا يحمل أيّة شهادة جامعيّة؛ لكنّه صفح ما لا يسامح مثله متعلّمون مثقّفون حاملو الشّهادات العليا من الجامعات المشهورة.

14-7-2019

سعيد مقدم أبو شروق

الأهواز



  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 26 يونيو 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا