صوتي…وأنا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صوتي…وأنا

  نشر في 03 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 03 يوليوز 2023 .

صوتي وأنا، قصة فريدة تعود تفاصيلها إلى أيام غابرة، إلى طفولة متفردة حيث كنت تلميذة نجيبة، ترى في الدراسة شغفا و ملجأ تهرب إليه من قساوة الظروف.

كنت على دراية تامة أنني أمتلك صوتا لا يشبه أصوات أقراني في شيء، لم أستطع تحديد علاقتي معه حينها، لم أجرؤ يوما على إصدار حكم نهائي بحقه، هل هو جيد أم سيء ، مريح أم رديء، الحقيقة الوحيدة هي أنه كان متعبا دائما وكثيرا ما ظن من يسمعه أنني أعاني نوبة زكام لا متناهية!

في يوم من الأيام، قررت معلمتي أن أقوم إلى السبورة من أجل عملية قسمة رياضية، لازلت أتذكر التفاصيل.

ترجيته أن لا يخونني، أعرف مسبقا أنه يكره الصباحات وأحيانا يهرول ولا يعود إلا بعد ساعتين أو أكثر من استيقاظي، يتركني أيضا حين أتعرض لضغط شديد ، وخوف كبير، حين أضحك بشدة أو أصرخ وأتكلم بكثرة!!! كان ولا زال صوتا هشّا متقطعا ومزاجيّاً!

وقفت أمام السبورة، تسمرت لبرهة ثم بدأت أخط بالطبشور أرقام قسمتي، طَلبَت المعلمة أن أرفع صوتي لأشرح ما تخطُّه يدي، أدركت حينها أنها اتفقت هي و حبالي الصوتية وحشد التلاميذ ورائي على جرِّي نحو الهاوية، على جعلي موضوعا صباحيا هزلِّيا قد يسلّيهم قبل بدء درس جديد!

حاولت إفهامها أنني لا أستطيع! لكنها أصرَّت، أين المفر؟كيف سأخرج من ورطتي؟ حاولت فكان كل ما قلته رقما مشوها متقطعا ببحة تكاد تسمع! سخر الجميع مني وانفجروا ضحكا، وضعت طبشوري وعدت مكاني أجر خيبة أملي الكبيرة، وأمسح عيناي الممتلئتان بدموع الحرج!

حينها فقط أدركت وأنا طفلة أن كل سمة مختلفة فينا قد تخلق لنا متاعب شتى، رغم أن المعلمة آنذاك أصرّت على اعتذار الجميع مني، لكنني لم أعذره ، لمتُه كثيرا، شتمته بيني وبين نفسي، كرهته وخاصمته مدة طويلة!!

حاكمته و حكمت عليه أحيانا بالصمت!

مرت الأيام و السنين، انتظرت أن يتغير ! لكنه بقي كما هو ففضلت أن أغض عيني عليه، أتناساه !

إلى أن طرقت بابه مجددا حين اشتغلت في مركز اتصال، لم يكن لي خيار آخر، لا بد من الاعتماد عليه!

بحّةُ صوتي الفريدة كانت تزداد في الهاتف، لذلك كان الزبائن يبدون ملاحظاتهم مع أول جملة، فهناك من يدعو لي بالشفاء، ومن لا يبخل علي بوصفات العسل والزنجبيل ، ومن يكتفي بالقول أنه لا يسمعني جيدا ، إلى أن تغزل به أحدهم ذات يوم!! ماذا! غزل ! صُدِمتُ من هول المفاجأة ! قال إنه يريد سماعه مرة أخرى، وأنه رائع حقا واستثنائي و مميز!

بين هذا وذاك ظلت حيرتي تزداد! ماذا عساي أن أفعل من أجل اجتناب كل هذا الحرج! لا أريد مدحا ولا ذما، لا سخرية ولا إطراء، كل ما أريده أن يكون لي صوتا عاديا لكي لا أكون عرضة لتفسيراتهم وتحليلاتهم و وصفاتهم الطبية!

أخبرني مديري بالعمل بعد الاستماع لاِتّصالاتي أنني جيدة لكن صوتي به شيء ما!؟ ربما علي زيارة طبيب حنجرة قد تكون حالة مرضية؟ كأنه صفعني، فعلا! كيف لي أن لا أفكر بهذا الاحتمال ؟

ذهبت اذن لزيارة الطبيب، أخبرني بعد الفحص أن هذه البحة ناتجة عن عُقَدٍ صغيرة في حبالي الصوتية!

متاهة جديدة؟ كيف لعقد أن تُعْقَد كل هذه المدة؟ اكتفيت بمعرفة السبب ولو أنني لم أكن مقتنعة بتحليله كثيرا.

زرت طبيبة أخرى بعد ذلك، نفت تحليل الطبيب الأول، طلبت مني فحوصات كثيرة وأشعة، شرحت لها أنني لم أتذكر لي صوتا غيره، منذ طفولتي و بحَّتي تلازمني! لكنها أصرت أن شيئا ما في الحبال الصوتية قد يحتاج عملية جراحية!!

قررت في نهاية الأمر التوقف عن البحث عن الأسباب ! كيف للآخرين أن يتقبلو صوتي و يحبوا سماعه إذ كنت أنا أكرهه وغير راضية عنه!!

بدأت أتخيل أن يكون لي صوتا بديلا، ناعما أو حادا ربما! أنثويا أكثر؟ فلم أتخليني إلا به! كيف يمكنني استبداله بعد أن قطعنا ما قطعناه من طريق معا؟

كان رفيق دربي، صحيح أننا تعرضنا للسخرية لكنني تعلمت منه الكثير !

كلما كبرت ونضجت أكثر، كلما أحببته أكثر، هو بصمتي المتفردة التي لا يمتلكها أحد، تعلمت مع مرور الزمن أن الثقة في النفس تكتسَبُ من المواقف الصعبة والمحرجة.

تعلمت أيضا أن لكل منا سماته الخاصة, ملامحه المختلفة التي تميزه عن الآخرين وإلا سنكون عبارة عن نسخ مشوهة ومتشابهة وغير حقيقية!

تقبلت صوتي واحترمت اختلافه، لا يهمني ما يعتقده الآخرين ولم تعد أسئلتهم تحرجني، يكفي أن أحبه وأقبله وأقبَلُني كما أنا!

تعلمت كذلك أن إرضاء الناس غاية لا تدرك كما يقال ، لذلك عوض اللهث وراء إرضاء الجميع، لابد أن نرضي أنفسنا أولًا وأخيرًا، أن نكتشف دواخلنا، نتصالح مع سماتنا و كل تفاصيلنا ونتحدث مع ذواتنا بكل ثقة وحب وتقبل! 20/06/2023



  • سناء لعفو
    أنا سناء من المغرب مقيمة جديدة بكندا ، اكتشفت الكتابة منذ سنوات لكنها في غربتي صارت شغفي و ملاذي الذي ينقلني إلى عوالم مختلفة، نصوصي هي عبارة عن أحاسيس أعيشها فأنقلها لكم على شكل كلمات ☺️ أتمنى أن تشاركوني آرائكم وتعلي ...
   نشر في 03 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 03 يوليوز 2023 .

التعليقات

Uma's world منذ 9 شهر
جربي نجمة أنيس
etoile d'anis
مشروبها رائع ولذيذ
رائعة وتضفي نعومة جميلة على الصوت
يقال إنها صديقة الأنثى
1
سناء لعفو
نعم 👍🏼 شكرا لك صديقتي على مرورك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا