تذوقت نكهت الهدوء فتعودت على النظام و التنظيم و ترتيب الابداع بإرادتي و ان قل مفعولها يبقى أني أنا من يقرر و من يلغي و يعدل و يقارن الأمس باليوم و اليوم بالغد..
كنت ان مررت على مكاتب الموظفين أسمع همسا و ضحكا و سخرية من طرف غائب عن المجلس ، عادة في الناس ليست تتغير حينما يلتف القيل و القال فيبدو لي مضيعة كبيرة للوقت و لست أقف خطوة واحدة مني لأعرف ما يصنعه الهاوون لحياة الضياع بعيدا عن القيم الا و قد انصرفت عن مشاغل قلة الأدب و انحطاط المستوى.
أغرق في عملي بتركيز كبير حتى أنسى أني مررت لحظتها على حديث مرتفع الصوت يذبذب تفكيري ، و ان مشيت بعيدا عن سرب الصمت سكن معي الفضول لأنه لا شيء يستحق مني الاهتمام ، ليس لدي خيار في أن أنزوي بعيدا عن آهات مجتمعية ،فالإنسان اجتماعي بطبعه لكني أختار الحكمة المتناهية من هذه المقولة فينكسر السمع مني من غير تركيز لأني أنتقي ما أريده بإحكام ، فأن يكون علم العلماء يستهويني فلن يكون لحديث العامة من الناس نصيب من اهتمامي حتى و ان علت الأصوات منددة للامبالاتي ، ليس يهمني أي شيء من هذا النصيب الملون بالسخرية كونها في مضمونها كلمات من فراغ.
لكن رغما عني تكون لي ردة فعل قوية تجاه كل ما يثير أعصابي أو رنة الجمال بداخل روحي ، أرفض الحديث في اعراض ناس غائبون عن المجلس و أستنكر احتقار أشخاص ممن هو بعيدون عن محل الانتباه ، فأتسائل بيني و بين نفسي ، أي الأوطان تحتويني لأفر اليها بعيدا عن أوجاع من يعرفني ، فحتما هذا الذي يعرفني سيستفز سكوني و انعزالي عن مجالس اللهو و اللغو ، و بالتالي محاولة جذب انتباهي هو نوع من الأوجاع ، لأنه لو لم يكن ذاك المجلس يعرفني لما ارتفعت الأصوات منهم تريد اثارة بلبلة و جذب انتباه العقلاء المنشغلين بالمفيد و الجدير بالاهتمام ، لذلك لم أكن أتقن فن التجاهل بمرور الكرام إلا و أنا أعتزل كل من يعرفني في لقطة خاطفة ، فالجواب المفيد و اللائق هنا هو التجاهل و اللامبالاة عمدا حتى تنتهي أوجاع من يعرفني ، فتلك الأوجاع يتقن اثارة الألم فيها كل من قربته الأيام و الظروف مني و ان لمحته بعيدا عن مساري و دربي أيقنت أن تلك الأوجاع قد سكنت حينما اصطدمت بثقافة الترفع و التعالي عن طعم المصيدة الغادرة حينما ظن فقهاء الأدب و الاخلاق أنه ليس بالطعم المنزه من الفخ المميت إلا من تعرف عليه بسوء المنظر و هو تلك المسات الحزينة التي يثيرها أهل المزاح في كل مناسبة أمر فيها على كل من يعرفني ،حتى صارت معرفة الغرباء محبة وود و انسجام روحي مني الى هؤلاء لأنهم لا يصدرون أوجاعا توقض الحسرة و الألم بداخلي ، فكلما تعرفت على الغريب إلا ازددت ثقافة و تحضرا و تقدما و كلما اقتربت ممن يعرفني إلا ازددت حسرة و تألما.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية