فى إحدى الأيام .. قام رجل بطرق باب إحدى المنازل ففتح له صاحب المنزل الباب فأذن منه بالدخول و لم يتردد صاحب المنزل فى السماح له بذلك و بعد أن دخل ذلك " الغريب " إلى المنزل أخبر صاحب المنزل أنهُ جائع .. فأطعمه .. و أنهُ عطش .. فسقاه .. و أنهُ مريض .. فطببه ثم بعد ذلك أخبره أنه مصاب " بضيق تنفس " مزمن و أن حتماً عليه أن يأخذه صاحب المنزل إلى الشُرفة - حتى يستطيع إلتقاط أنفاسه - فالأجواء المغلقة قد تصيبه بنوبة إختناق.
طلب صاحب المنزل من أبنائه أن يساعدوا ذلك " الغريب " حتى يصل إلى الشرفة من ثَم سيتبعهم هو و زوجته بكرسى و بعض الفاكهة إكراماً لذلك " الغريب " و ما إن إجتمعت الأسرة و الغريب على بلاط الشرفة حتى أشار لهم " الغريب " بإصبعه قائلاً .. إنظروا هناك .. و كانت يده فى إتجاه الشارع و لم يكن يشير إلى شئ محدد .. مجرد رفع ليده وما إن إلتفتت الأسرة لتنظر ذاك الوهم حتى قام " الغريب " بإلقاء كل أفراد الأسرة من شرفة المنزل لتسقط الأسرة كلها من أعلى .
مرتطمين بقار الطريق أصبحوا .. و بقسوته و صلابته حُطمت عظامهم و شُجت رؤسهم .. و بينما كانت الأسرة مُلقاه على قارعة الطريق .. سائلة دمائهم .. وقد بدأ " سكان الشارع " بالتجمع حولهم .. قام " الغريب " بإستدعاء " غرباء " أخرين كانوا متناثرين فى كل بقاع الدنيا .. و دعاهم " أسرتى " و دعى " منزلُ المكلومين ".. " منزلى " .
وما إن بدأت " الأسرة المكلومة " بإستجماع قواها و بعد أن أدرك الأبناء أن الأب مات - من شدة الإرتطام - و أن الأم أصبحت كسيحة و أنهم الأقل خسائر بكسور متفرقة فى أنحاء جسدهم قام " سكان الشارع " المجتمعين حول " الأسرة المكلومة " بالتصفيق " للغريب " على ما فعلهُ بل و مُحينهُ على إسترداده حقه - الذى هو نفسه لا يعلم عنه شئ - بل و دعوا أنفسهم أيضاً قسراً لديه لشرب الشاى المسروق فى المنزل المسروق .
رغم أن " الغريب " قد لمح لهم مراراً .. أنهُ سيفعل بهم كما فعل " بالأسرة المكلومة " و أن هناك عدة منازل " بنفس الشارع " قد أسالت لُعابهُ و فتحت شهيتهُ و أن " الغرباء " سيتدفقون عليها من كل حدب و صوب وأن أبنائهم سيلحقوا بأبناء " المنزل المسروق " إلا أن سكان الشارع لم يكفوا عن التلوى فى أحضان " الغريب " و لم يكُف الغريب عن " إبتزاز " سكان الشارع .
ولم تتوقف المسألة عند ذاك الحد فعندما إلتأمت جراح أبناء " الأسرة المكلومة " و جُبّرت الكسور و توقف النزيف و قرروا المقاومة من عتبات " منزلهم المسروق " أملاً فى العودة إجتمع " سكان الشارع " بعد أن تقدم صفوفهم " مثقفهم " أو كما كانوا يُلقبونهُ بـ " حكيم الشارع " ليقنعوهم و يقنعهم و بمنتهى التبجح أنهم " ليسوا أصحاب المنزل" من الأساس بل و أنهم " ليسوا من سكان الشارع " أساساً حتى أن أبناء " الأسرة المكلومة " لم يتخيلوا أن يصل التزلف " للغريب " إلى هذا الحد بل إنهم بدأوا بالشك فى قواهم العقليه و قدرتهم على الإستيعاب و هم الذين كانوا من أوائل " من وضع أساس " ذلك الشارع و قد توارثوا ذاك المنزل منذ أكثر من ألفى عام فلا يمكن لأحد سكن هذا الشارع فعلاً و كان منهُ أن يخرج من فمهِ كلاماً كهذا .
لكن أبناء " الأسرة المكلومة " لم ييأسوا و لم يتوقفوا عن المقاومة وعن إيمانهم بحقهم " فى منزلهم المسروق " و عن إصرارهم على طرد " الغريب " ولم يتوقف " سكان الشارع " عن التلوى و التزلف " للغريب " بل و أصبح " مثقفهم .. حكيمهم " خادماً فى " المنزل المسروق" .. كذلك لم يعد الغريب .. غريباً .. بل صاروا غرباء من كل حدب و صوب و كما وعد و توعد " الغريب " سكان الشارع .. تطايرت المنازل و تطاير سكانها .. كما تتطاير أوراق الأشجار فى فصل الخريف.
-
Ahmed Mohamed Abdilrahmanإنسان مصرى عربى مُحب للفلسفة و التاريخ و علم النفس و الإجتماع و الإقتصاد السياسى