كيف كانت! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيف كانت!

  نشر في 09 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

كانت شيئا رائعا،

جميلا، رقيقا، انيقا، ذكيا، و جذابا أيضا 

محاطا بالحب و الدفئ،

لكن الرؤية كانت ضبابية 

و عندما أنقشع الضباب اكتشفت ان  الحب كان قاتلا و ان الدفئ كان سرابا و اخذ يخبو مع تزايد برد الايام،

كانت محظوظة لكنها لم تعرف، 

تتعامل مع السعادة كأنها أمر مفروغ منه،  و تتعامل مع الوقت على انه سلم للصعود الى القمة، غير منتبهة للحقيقة  التي تتكون امامها و تستمر في الحلم 

كانت موهوبة بالفطرة،

تمتلك قدرة غريبة على استباق الامور، في مواقف تذكرها الآن بوضوح، تذكر كيف كانت خائفة في زمن احس الجميع فيه بالأمان، و كيف احست بالخسارة في وقت كان مخصصا للاحتفاء بالنصر

و كانت حساسة و انتقائية، تسعدها أشياء بعينها و تدرك تماما انها عندما تسعد لا يقوى صدرها على احتواء فرحته، 

و عندما تكتئب،  يفشل العالم كله في إدخال البهجة إلى قلبها

و كانت كاذبة، تكذب على نفسها و تصدق الناس، 

كلما اضطربت واضطرب قلبها تجاهلت ضجيجه و استمعت للاخرين و هم يرددون ان " افضل ما قد يحصل لك هي تلك الأشياء التي تخافها"

و عندما جربت الحياة 

اكتشفت بأن كل الأشياء التي اخافتها، كانت مرعبة بالفعل

ان احساسها كان صادقا و ان قلبها كان على حق، و أن هواجسها كانت أكثر من " وساوس شيطانية"

لكنها فقدت الثقة في نفسها، في حظها، في قدرتها على مواجهة الايام،

و طبعا فقدت الثقة في الناس

كل الناس، 

أولئك  الذين اكتشفت متأخرا جدا انهم  لا يحبونها، 

و أولئك الذين احبوها و حطمها حبهم لها ، لانه كان انانيا و سطحيا و بدائيا، 

حب شوه قلبها دون قصد، و سمحت لهم بذلك عن قصد، لانهم كانوا كل عالمها

تستعرض شريط حياتها اليوم باحثة عن لحظة توهج أضاءت قلبها

نعم تجدها، لكنها تكتشف بانها لمحة عابرة 

كانت اصغر من ان تفهم انها لحظة توهج يتيمة في عصور من الظلام،

كانت اصغر من ان تعطيها حقها في الفرح، أو ان تنتشي بها كما يفعل المنتصرون في الحروب،

يتجولون بين الناس كالملوك كي تمجدهم الجماهير، 

 ثم يحتفلون  معهم بالنصر اياما لا تعد و يتوجون رؤوسهم بالغار، 

فمن يدري ربما يكون هذا نصرهم الأخير، أو الوحيد

هم يدركون أن معركة جديدة قادمة لا محالة،

نتائجها مجهولة، و احتمالات الهزيمة فيها واردة كالنصر تماما

لكنها لم تكن سوى طفلة طموحة، و ساذجة،

 مشغولة باحلامها الحقيقية الكبيرة، و لا معنى لديها للحسابات و  لا فكرة لديها عن لعبةالربح و الخسارة

كانت تظن انه وهج البدايات الذي سيتلألئ بعده العالم، و لم تدرك انها الشرارة الاخيرة في عصر الكهرباء و أن العالم سيغرق بعدها في الظلام

كانت تلميذة نجيبة تصدق جميع الخرافات التي يطلقها الكبار ليضحكوا بها على عقول الصغار

 كانت تؤمن ان الطريق المستقيم اقصر الطرق، كما علموها في المدرسة 

و من جد وجد، و من زرع حصد، و الى اخره  من الشعارات الحماسية التي تملأ الكتب و لا تجد لها اثرا على ارض الواقع

لكن احدا لم يخبرها بأن هنالك عقبات تفوق قدرة البشر،

لم يخبروها بأنها ليست كائنا عجيبا او مخلوقا خرافيا من الاساطير، بل مخلوقا عاديا متواضع الإمكانيات،  تنتظره الحياة خلف الابواب لتفترسه،

و ماذا يفيدك ان تكون انبغ انسان في العالم و انت بهذا الجهل

 ستجد نفسك فجاة في حرب مفتوحة مع العالم، بلا قواعد و لا شروط ، و لا تدري ما الذي يجب فعله،

ستفاجئ بنفسك في ساحة المعركة دون سلاح و لافهم و لا علم مسبق،

و تتحول تدريجيا إلى جهاز استقبال للصدمات،  

و هذا كل ما تستطيع فعله، 

فأنت لا تعرف الا ان تكون انت،

و تمر عليك الذكريات،تلك اللحظة الفريدة التي لا يمكن تكرارها، و تلك  اللحظة المؤلمة التي لا تستطيع محوها، 

لحظات بعينها تحدد مصيرك و لا تعود حياتك بعدها كما كانت،

لكنك تبقى كما انت، فلا يمكن لأي عدد من اللحظات ان يغيرك،

فانا لا أؤمن بالتغيير،

نحن جميعا ما زلنا نتصرف و نشعر كاطفال في السادسة او العاشرة، 

و اغلبنا لم يتجاوز مرحلة الطفولة الأولى و لن يتجاوزها لانه لا يتذكرها، 

تماما مثل هبة ريح تركت أثرها و رحلت ،

نحن نكبر جسديا فقط، ننمو، و تزداد همومنا، و تتغير مواقفنا حسب الظروف و المصالح،

لكن قلوبنا تبقى كما هي،

يكذبون و يسمونه النضج، 

انت لا تنضج، أنت تتعلم فقط، كما كنت تتعلم نطق الحروف و انت صغير 

انت تكبر يا عزيزي لكنك لا تنضج ابدا

و انت لا تكذب حين تدعي النضج و لكنك لا تقول الحقيقة 

لانك لا تعرفها، 

خدعك الجميع و راقبوا وجهك و طولك و وزنك، و عمرك

حياتك الاجتماعية، تحصيلك الدراسي، دخلك السنوي

ثم وضعوك في لائحة ما " لائحة الناضجين" او " الخاسرين" او " الرابحين" و بدؤوا بمحاسبتك 

و انت لا زلت انت

ذلك الطفل الذي يخشى أن تهبط علاماته فيتعرض للتأنيب،

ذلك الطفل  الذي تسعده قطعة حلواه المفضلة،

و تخيفه الاشباح في المساء و يسرع في الاختباء منها تحت غطاء السرير ظنا منه انها بذلك لن تجرؤ على ايذاءه.




  • 1

   نشر في 09 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا