أفرغت الثورات العربية منذ العام 2011 أسوأ ما بالشعوب العربية ... فلم تكن الثورات العربية التي بدأت من تونس ولامست شرارتها المحيط العربي إلا إخراجا لما كُبت بالنفس العربية على مدار المائة عام السابقة لاندلاعها.....

أخرجت هذه الثورات الكثير من المتناقضات التى ظلت لأعوام حبيسة الجدران لا يبدو منها الا القليل غير انه سرعان ما يتبدد عند اول شعاع يطارده...؛ ولكنه مع اندلاع شرارة الثورات العربية انصهرت إقفاله الحديدية ليخرج المارد من قمقمه...؛ولم يكن هذا الخروج إلا وبالا على امة تعانى ثلاثية (الظلم والفقر والجهل) المطبق على شعوبها مع ترح وفُحش فى الثراء لحكامها وبطانتهم منذ أن اغتصبوا سدة الحكم العربي.

ثار الشعب التونسى على ( بن على) خرجت النخبة المصرية والعربية تحلل من وجهة نظرها الحدث التونسى وانشد الجميع بلا استثناء ان تونس تثور على الثلاثية اللعينة ( الظلم والفقر والجهل)؛ وتوقفت النخبة المصرية عند حدود الفهم العادى لرجل الشارع ولم تستوعب الحدث بهالاته الكبيرة واضاءاته التى ظهرت للعيان شمسا فى كبد السماء...؛ مرجع التوقف الذى اصاب النخمصرية العصى الامنية الغليظة التى يعلمها اهل النخبة فلم يستطع ايا منهم الحديث عن ماآلات الثورة التونسية واستبعد الكثيرون ان تكون مصر تونس !!

انطلقت الثورة فى مصر ولم تقوى العصى الامنية التى اخافت الشعب طويلا من اطفاء الشرارة المندلعة ومعها خرجت النخبة فى محاولة مستميته لاقناع عقولنا الجاهلة( اجتماعيا وسياسيا وتاريخيا) اننا بهذا قد نتجاوز حدود الديمقراطية – الغير معمول بها فى المحيط العربى- وعلينا ان ندع الحاكم فى غيه لبعض الوقت ....

مالبثت النخبة ان حولت بوصلة اتجاهاتها لتشن حربا شعواء على النظام ورأسه الذى تخطاه الشيب – محاولة النخبة هنا اللحاق بالشباب الذى كان فى عدوه قد سبقهم باميال- ؛وبدأت الوجوه تبرز تحلل وتشرح من خلف الشاشات الفضية وهى تتمايل يمنة ويسرة على كراسى وثيرة وباستديوهات مكيفة ان الثورة المصرية قد وضعت اقدامنا على اولى درجات سلم التغيير التام وانها المعول الهادم للثلاثية التى لازمت الشعب لسنوات طويلة....

تناسى هؤلاءبعد نجاح الثورة – او ارادوا هم ذلك- ان يخبرونا ان هناك امرا لم يكن لهم فيه يدالا وهو .. الكبت.. هذا الذى حول الثورة على الثلاثية المقيته – الظلم .. الفقر... الجهل- الى ظلم افدح وفقر اكبر وجهل اشد ضراوة من ذى قبل !!

استطاعت تونس ان تجتاز العقبة الكؤود وتخلصت فى زمن سريع من درجات السلم المتهالكة لتستبدلها مسرعة وترتقى اولى درجات السلم وصولا الى الاستقرار الذى ناشدت به الثورة منذ ااشرارة الاولى لها..فخرجت من عنق الزجاجة باقل الخسائر ..

لم تستطع مصر الوصول الى الاستبدال السريع لدرجات السلم المتهالكة فوقفت وامامها مفترق طرق لم تقو النخبة على المرور باحدهم وعجزت القوى السياسية الممسكة باطراف الطرق من المرور بالشعب الى مفرق آمن يحقق آمال شعب ثار على ثلاثية الظلم والفقر والجهل...

فالنخبة ترهلت فكريا وتصلبت شراينها من جراء الاصابة بالشيخوخة .. والقوى السياسية وجدت اجندتها خاوية من الفكر الثورى الذى يقود الى حيث يشتهى الشعب للقضاء على الثلاثية ...

الجميع صار فى خبر كان ولم يستدل على اخوات كان بعد!!!

عجز نخبوى وشيخوخة سياسية ساهمت فى بزوغ فجر قوى نائمة متخلفة فكريا وثقافيا وحضاريا من الوثوب الى المقدمة والقبض على زمام القيادة بيد من حديد ...والسير بمصر نحو مفرق طريق لم يمر على خاطر احد ممن فكروا ذات ليلة فى احداث التغيير... ؛ قادت الجماعة الاخوانية المسيرة بعدما وجدت ان لا قيادة للثورة وان النخبة عاجزة والقوى السياسية مشلولة.....

هنا وضح امر النخبة انها لا تحمل فكرا ولا منطقا تقوى من خلاله على مجاراة الواقع الذى فرضته قوة ( الجهل المركب)؛ لذا عجزت تماما عن التصدى لما يدور لحظة ان وقفت مصر على مفترق طرق.

اما الشعب بعيدا عن النخبة فقد انقسم ( مع.. وضد) من وقف فى صف مع رفع شعار ( عصر الليمون) ماحتمل لذعته الحمضية ...؛ ومن ذهب مع ضد لم يكن لديه وقت متاح للتفكير لان الماضى مازال مائلا امامه...؛ غير ان الامر لم يستتب لمن رفعوا شعار الدين والوطنية لفقدانهم البوصلة الرئيسية لمصر وخوائهم الفكرى للمعنى الجامع لثورة وضعت نصب اعينها تحطيم الثلاثية ( الظلم ...الفقر...الجهل)؛ ولم تستطع القوى التى هجمت على الثورة من انجاز امر يحول بينها وبين الضياع التام للكل ثورة وشعب..وما كان ذلك الا لمسيرة ضد التيار العام وافراغ الثورة من مضمونها والعبث بالوطن ..

توقف الفكر العام فى محطة واحدة وعملت القوى الثورية المشتتة والكرتونية ( الاحزاب) وانضم الى القافلة الاعلام ..اما النخبة فقد انقسمت ما بين مؤيد ومعارض غيران صوتها ضاع ادراج الرياح فى ثورة ثانية ساهمت قوى مختلفة عن سابقيها من اجل انجاحها وافراغ مصر تماما من الفكر الثورى والقضاء على انشودة الثورة الام فى يناير 2011 والتصدى التام لكل محاولات القضاء على الثلاثى المزمن(الظلم .. الفقر... الجهل) لنعود الى المربع صفر والذى لا شئ به سوى ( قبض الريح)..

وانطلق المارد من القمقم لتنتهى بخروجه الثورة وفكرتها واهدافها وتدخل فى طور الموت الاكلينيكى ....

بداية الدخول فى مرحلة الموت ادت الى تشرذم القوى الثورية والكرتونية الحزبية وتحول ايقونات الثورة الى عكس ما خرجوا من اجله ؛ ليكونوا القدوة للشعب ان المصلحة الخاصة اولى من مصير الشعوب ... وطغى المال السياسى والشهرة الفضائية على احلام ثمانية عشر يوما عاشتها مصر فى ابهار تام للعالم .

لا احبذ وصف الفلول لمن كانوا جنبا الى جنب مع نظام مبارك...ولا اهوى وصف الاسلام السياسى الذى اطلقة البعض على الاخوان ومن ولد من رحمهم ؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة لافرق بينهما لان الجميع مع بعض الاستثناءات الضئيلة كان مؤيدا لمبارك وبطانته والتاريخ خير شاهد على ذلك ... اما كون بطانة مبارك عادت اليوم فليس هناك معنى للعودة سوى قوة المال الذى سرق من مقدرات الشعب ويريدون اليوم ابرازة يشكل فج بعدما عجزالقانون عن اثبات سرقتهم ولصوصيتهم لان القانون من صنع ايديهم ولا يُعقل ان يحاكمهم قانون صنعوه للشعب فقط وليس لهم!.. والهجوم على ثورة يناير محاولة من اجل الابقاء على المنظومة الثلاثية التى مكنتهم سابقا من الاستحواذ على مصر وتحويلها الى مستنقع من ( الظلم والفقر والجهل)!!

وضع مصر خلال السنوات العجاف منذ يناير 2011 والى اليوم بالميزان لا يرجح كفة عن اخرى لعدم اتساق الامر فى مسار واحد بعدما طمرت الثورة ومفهومها واهدافها

*****************************************************************