لماذا عدت أيها الإحساس الكئيب بالغربة؟ ظننت أنني قتلتك، طمرتك تحت التراب، و بعد ذلك مضيت أسطّر طريقي هنا. ما الذي أتى بك ؟ من دلّك على دروب أفكاري من جديد؟ ألم ننتهي؟ قلت لك مرارا أنني لا أكترث، لا أراك، لن أستسلم لك مجددا ، شرحت لك وجهة نظري ووِجْهَتِي ، حتى أنني حلَّلت معك أسباب مغادرتي لموطني واتفقنا، عقدنا الهدنة لأيام، لشهور بل لسنوات إقامتي هنا ، ألم يكن كذلك؟
أتيت فقط لأقول لكِ:
"تذكري عزيزتي أن الأوطان الأخرى ماهي سوى محطات استقبال مؤقتة و مهما قدمت من مغريات ،و مهما غدق العيش فيها و أسرفت بالعطاء إلا أن طعم الفرح و النجاح، والإحساس بالولاء له نشوة خاصة فقط عندما يُحْتَفى به بين أهلك و في أرضك، الوطن الأم ليست أرضا أنجبت فحسب، الوطن الأم خليط مشاعر تسكنك ، تفاصيل صغيرة لحياة شكَّلت لوحة فسيفساء ذات معانٍ راسخة وضع صانعها في كل قطعة جزءًا من روحه! الوطن تاريخ عريق، أمجاد أجداد، تواصل ولغة وتعابير ، صدى جبال الأطلس الشامخة، الوطن نكهات، ألوان، أسواق ، الوطن دفىء ولمة و حضن يساع الجميع كأنه عجوز أتى عليه الدهر و رغم قصر نظره وقلة حيلته مازال باسقا ، معطاء وحكيما، الوطن هو المعنى و هنا ضاع كل معنى…"
أعلم أنه غالٍ وسأحمله معي وأعيش به، لكنني ارتحت هنا كذلك ، بدأت أرى مواطن الجمال في كل جانب من جوانب حياتي الجديدة، لدي وعود وعهود مع أحلام غابرة لم تعد خيالا ولا صعبة منال كما كانت، بل أصبحت واقعا معاشا هنا، هكذا في ظرف أشهر وبكل بساطة، أو ليست أرضك حيث وجد رزقك؟ أو ليس جحودا أن أدير ظهري لكل ماتقدمه لي هذه الأرض المُستَقْبِلَةُ من تسهيلات و فرص؟ وأبكي على أطلال ماض عشته في وطني؟!
أحبهما معا، أحترم عطاءهما معا، وسأسير الطريق إلى آخره هنا وربما أعود، لكن لا و لن أرضى بعودة خالية الوفاض، عودة باردة وفجة، بعد كل مرارة الابتعاد بعد كل أحاسيس الإشتياق التي لها طعم الفراق، لها غصة في الحلق و ثغرة في القلب؟ نعود الآن؟
عزيزي اِنصَرِف،أنت غير مرحبٍ بك في الوقت الحالي!
نحن نسير الطريق من أجل هدف بل أهداف وضعناها نصب أعيننا ، سطرناها بدقة أمامنا وسنعود حتما بعد استكمالها كلها! بعد تحقيقها، لتكون لعودتنا هيبة و رفعة، ليكون لانتصارنا على أيامنا المرَّة هنا طعما لذيذا!
-
سناء لعفوأنا سناء من المغرب مقيمة جديدة بكندا ، اكتشفت الكتابة منذ سنوات لكنها في غربتي صارت شغفي و ملاذي الذي ينقلني إلى عوالم مختلفة، نصوصي هي عبارة عن أحاسيس أعيشها فأنقلها لكم على شكل كلمات ☺️ أتمنى أن تشاركوني آرائكم وتعلي ...
التعليقات
لم تعد الأوطان كالأم تحن علينا...
راقني بوحك جدا، لاسيما عن الغربة ،الله يوفقك
أنا هنا أتخبط وأختنق وأحاول إيجاد توازني
ليس سهلا مع الشوق الجارف للوطن
لكن المؤلم أكثر أنه بعد رفاهة البلد المضيف لن تكون العودة للوطن بتلك السهولة ولو حتى في عطلة خصوصا مع الظروف الراهنة . الحقيقة ما يزعجنا أكثر أنه يوم أعود لوطني سأراه بعين أخرى .. وسيتحول الشوق لألم.. وكأني عدت للمكان ولم أجد ما تركته ..