جوعان أنا...

جوعان أنا... أنا الكهل أستقيل من مواطنتي في هذا البلد الأمين...

لست بمجنون... أنا من عبدة نون النسوة، وعاشق حرف الهاء ومتيم بحور العين... أنا جوعان... أنا عريان... أرتدي ما تبقى من أسمال علم بلادي...

كلمات يتيمة... جمل مشروخة... أتصيد أحلامي على ناصية قارعة اليقظة الملغومة، في واحات صحراء الليل، أو على شواطئ الصحو... ألقي شباك خاطري المفزوع على أنين الغد المحتوم... كاتما في صدري غصة المستقبل القريب... مسلما رقبتي لسنديان الجوع ومطرقة الواجبات... آهاتي شظايا متطايرة...

أمتطي صهوة حصان الزمن. أدخل مضمار حلزوني في سباق مع الموت... أسابق الخمول... أقفز على موانع الحلم... أكسر حلقات الترجي... أغوص في محيط الوله والتيه... رياح الفقر العاتية، تتهاوى من كل صوب، كزوبعة رملية. تلتصق وتحتل مسام الأنا... أتشبث بحبال اللسان المعتقل في حجرة النواجذ والأنياب والأضراس...

ظلام... جهل... صَرٌ في أمعاء الوطن. أعضاء جسمه بدت زائدة عن حجمها وحاجاتها. تحتاج بلسما وترياقا، بدل طب العطارين... ورغم ذلك قصدت عرافة في بادية الشرق...

ظواهر القهر والقساوات، وإعفاء الأشرار من العقاب في الدنيا. بعد تأهل وتدبر. أضحت لا تحتمل ولا تطاق... خرج الإنسان بنظرية الإيمان بالبعث ويوم الحساب، في فصل الإرجاءات المتوالية والفرص الضائعة. حطم كل الأرقام القياسية التي بلغت قمم التاريخ، وفي أخر المطاف، خلص على المراهنة بوجود حياة أخرى... أجمل... وأكثف... وأبقى... لكي لا يواجه مصيره الحالي... تحت شعار "عفا الله عما سلف"...

ركبت أفلاك التخطيط والنمو في بحر حسابات البنوك. وسط ألغام الإحصائيات وقنابل الأرقام... سلاسل التبعية أطبقت على رقبتي... أشم رائحة بخور فكر عذاب القبر وزفير بول البعير ورائحة دم حيض الميتة من صندوق تنمية سيادي تابع للعهر الديني مربوط بعقال الإفك مع عرابي الفساد والتقتيل... أعتكف الحلم. أمارس رياضة الخلوة والعزلة في كوخي العاجي... فأنا أنتمي للدهماء على كل حال. لا أعرف غير الاستثمار الربوي...

الإنسان تيقن أن جثته موعودة للديدان. لا يسعه، وهو على قيد الحياة، إلا أن يتفانى في أخذ نفسه بالشفقة فيهب لنفسه دارا أخرى خالدة خالصة...

حقيقة كبريائه اللا متناهي... وبصفات روحه الثمينة...

سعيد تيركيت

الخميسات - المغرب - 24 / 04 / 2015