يا ليت مصر ...تعود أجمل عجائب الدنيا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يا ليت مصر ...تعود أجمل عجائب الدنيا

  نشر في 06 يوليوز 2019 .

دائما عندما تقرأ آداب السفر تجد عاملي العدة والإمارة. وإن كان العامل الأول سهل الإدراك يبقى العامل الثاني ودوره. فقد تتساءل لماذا يجب أن يوكل أمر الإمارة لأحد من المجموعة، تتوفر فيه شروط معينة، أبرزها السن لتعلقه دائما بالخبرة في الحياة والمعرفة الكافية للخروج من الأوضاع الحرجة .

رحت أقارن بين العلاقة في سفر الأشخاص والعلاقة بين الدول في المسار ومواجهة الأزمات .فإذا سافر أحد وسط مجموعة وأصيب بمكروه فالكل يتجند حتى زوال الخطر . فقلت في نفسي لو مثلت الدول دور الأشخاص فهل ستتحد للمواجهة ؟؟ الإجابة نعم بالنسبة لدول الضفة الأخرى، فأوربا تناست الأحقاد ورسمت وحدة تواجه بها أمريكا والأزمات الاقتصادية، أوربا تجاوزت كل الخلافات ،كل الإيديولوجيات وبنوا إتحادا ذابت فيه كل التوجهات وكل العقائد، تعدوا كل الحواجز لتشييد صرح ممرد بعلمهم ،بحبهم لمستقبل تكون فيه كلمتهم هي المرجع .

نفس المقارنة قادتني للدول العربية فوجدتها على خلاف أوربا، فهي دول تتقاسم نفس اللغة، تتقاسم نفس الدين ونفس التاريخ .نفس...نفس...نقاط لا يمكن حصرها . معطيات تجعلك تجزم أن أمر الوحدة كان أبسط، وجهد تجسيدها لا يمثل إلا قطرة في بحر مع الذي بذل لتوحيد أوربا .

تبحث في الخريطة عن هذا البلد العربي الكبير الموحد من النيل إلى الفرات ،فتلاقي علما أبيضا به نجمة سداسية محدودة بخطين فتفرح وتتبنى ذلك شعارا .إلى أن تفيق لتعرف أن الوحش قد التهم قرة عين أرضك ،تدرك أن الدول العربية أو الشتات أغلقوا أبوابهم ، حصنوا حدودهم وتعصبوا لقوميتهم، مانعين بذلك من الدخول كل من يسعى لنهضتهم ليدرج بعدها مباشرة في خانة الإرهاب .

واقع جعل الدول العربية تتفرق وتبحث لها عن سبب للتعادي ، فهذا مرجعه كذا وهذا مرجعه كذا . وحقيقة كل الخلاف أن المرجع واحد لو راجعنا أنفسنا، والحدود ما هي إلا خطوط وهمية على خريطة نرسمها بأيدينا وقادرين على تعديلها بأيدينا أيضا ، ودون رسام، دون نحات ،دون املاءات أي كان .

فلم نتورط مع العدو حتى نفقد الكلمة، و نرضخ لاملاءاته، لدرجة نفقد فيها مكانة القيادة. لان التاريخ علم العدو أن الوحدة باب النصر وطريق النجاح، فسخر كل قواته لتفكيك الشمل والحيلولة دون تحقيق أي توافق في الرؤى ، فلم لم يعلمنا التاريخ أن الوحدة سبيل الخلاص وتجاوز الخلافات ونبذ التفرقة مدخل يمليه الواجب والظروف؟ .

إن الجماعة لا تكون قوية إلا إذا أمرت أحدا عليها وبايعته للسير على منهج موحد، وعلى الأمير أن يكون أهلا للمسؤولية ،فيسعى بكل ما أوتي من قوة لإنجاز المهمة لتحقيق الأهداف المسطرة، كذلك الأمر بالنسبة للدول العربية . احتاجت دائما لمن يقودها .فوقع إختيارها على مصر لتحمل المشعل، لم يكن إختيارا بل فرضا عليها لأنه واجب أناطه التاريخ بها ، وهو قيادة العالمين الإسلامي والعربي نحو الحداثة . فهي نقطة الإرتكاز ،ما جعل حال المسلمين والعرب مرهون باحوال مصر .

إن الفراعنة لم يمروا عبثا بأرض الكنانة، ولم يضعوا أهراما لزينة الجيزة، بل لأن كل الحقب التي توالت أسست بقدرة القهار عز وجل لبناء بلد غائص في التاريخ ،وجذوره ضاربة في الأصالة . فمصر تملك أفضل جمهور متعلم، فقد أنجبت طه حسين،العقاد ونجيب محفوظ و غيرهم كثر، ما جعلها تلعب دورا رائدا في السياسة العربية ،وتتبوأ مكانة مركز الثقل. فما بالها اليوم؟ أما عادت قادرة على إنجاب من يخلف السلف ؟؟

الحقيقة فقط أن اللبؤة لا تلد إلا أشبالا، وأن الشبل لا يصبح إلا أسدا ،لكن فرض سياسة الرقابة المشددة لوقت طويل جدا على العالم الثقافي ،على الحقل الإعلامي ،على كل المجالات الأخرى، جعل مصر تقبع في مكانة لا تحسد عليها ،جعلها تئن من جراح رسمها قادة ظنوا أنهم أكبر من تاريخها، جعلوها تعيش حالة من الركود، جمد مسيرتها وواجباتها، لتتقمص دور ضيف الشرف وهي صاحبة البيت والإنتاج. وضعية سمحت لعديد الدول الصغيرة من تجاوزها، فمنذ عام 2000 و الاقتصاد المصري يعاني من فقر الدم ،حتى تسمع عن أزمة خبز في بلد علم العالم كيف يحضر ،وتقرأ أن دولة مثل كوستريكا ذات 4 ملايين نسمة، تصدر سلعا أكثر مما تصدره مصر ذات 80 مليون نسمة ،ودولة مثل تيلاندا تصدر عشر مرات أكثر منها .

إن السياسات المنتهجة المبنية أساسا على التفرد بالرأي وإقصاء الآخر ،جعلت بلد الحضارة يعيش وسط الفراغات وفتحت الأبواب أمام الدخلاء لملأها ، فعلى الصعيد الإيديولوجي أفكار متطرفة ناتجة عن اعتقال النشطاء أو إبعادهم عن بلدانهم ،وتضييق الخناق على كل من بإمكانه تقويم الأفكار، لأن هذا وببساطة لا يصب في خانة المصالح، فالظلمة تسمح بمرور الغرباء حتى وإن كان ذلك داخل المعاقل.

فيا أيها الساسة أفيقوا واعلموا أن مصر أكبر منكم، فإما أن تتوبوا وهو خير لكم وللعباد، وإما أن ترحلوا وقد يكتب هذا لكم في باب التوبة.فالعالم الإسلامي والعربي كلف مصر بالقيادة نحو الحداثة وبدور الرئيس في النشاط الإقليمي، لأن الغياب تحول فعلا إلى وهم وغم، إلى انهيار وهوان في وجوه أبسط الدخلاء والأعداء. فبعد أن كانت الحصن تحولت إلى المدخل الذي يلج منه ويتكأ عليه كل طامع. فلتستعد مصر مكانتها وبريقها ولتحمل شعلة النهضة من جديد بإكرام علمائها والإنصات إلى أولوا الرأي من مثقفيها، وإخراج أبنائها من دوائر الفن وقصور الرداءة، ولتذكرهم بما فعل المجون والهوى بالأندلس .

فإليك الشاهد يا مصر، فإذا حققت الإنجازات فيما سبق معناه قدرتك على تحقيق المزيد

فرُغما عنك أنت قائد الجماعة وأمير اللواء ومهد الحضارة ...يا أرض الكنانة .

محمد بن سنوسي

07/01/2009


  • 4

   نشر في 06 يوليوز 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا