بساطة وسلام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بساطة وسلام

  نشر في 19 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

بينما أحاول تسلق الحافلة بين جموع من الناس لأجد مقعدًا فارغًا في آخرها ، كانت تجلس على المقعد المجاور لي والمُطل على شباك سيدة عجوز في العقد السابع من عمرها ولكن قوامها وهيئتها غير ذلك على الرغم من بساطتها كما تعتقد عندما يقع بصرك عليها للوهلة الأولى ، بعد فترة قليلة سألتني على وجهتها وكم من الوقت للوصول إليها، فأجبتها  وربما سمعني أحدهم ممن لم يجدوا لهم مقعدًا وأنا أُجيبها،  وكان حريصًا على مساعدة هذه السيدة ووعد بأنه وقتما يحين نزولها من الحافلة سوف يُبلّغها ظنًا منه أنها لا تعي أين هي ولا أى شيء على الإطلاق، بعدما فرغنا من هذا، انتبهت إليها عندما سمعت صوتًا ليس ضعيفًا ولكن تكمن فيه قوة قد أكل عليها الزمن وشرب ومع ذلك لم يخلُ من مسحة عناد لهذا الزمن وربما تحايلت بطريقة أو بأخرى لإظهار ذلك ، وجدتها تقول "هو فاكرني مش واعية!  دا أنا واعية عنه" فأبتسمت لها بسمة رضا وقُلت لها "طبعًا ربنا يديكي الصحة وطولة العمر" وأخذنا الحديث المتنوع إلى الفجوة بين الأجيال السابقة والحاضرة، بينما أنصت لها باستمتاع ربما الكلام نفسه أعرفه مسبقًا ولكن حماسها وإصرارها أجبراني على التجاوب معها وقالت لي "أنا كنت بقرأ أي حاجة وكل حاجة تقع عليها عينيا ،القراية يابنتى بتوعّى الواحد" فقلت لها "زي إيه؟" قالت لي "إنشالله ورقة جرايد واقعة على الأرض كنت أجيبها وأقراها" فسرّني حديثها كثيرًا ووددت لو أنزل معها من ناحية لاستكمال الحديث المُلفت ومن ناحية أخرى لأطمئن عليها فمثلها هم من نعيش ونقول "الدنيا لسه بخير" وبالتأكيد لم يحدث هذا معرفةً مني أني سوف انتظر وقت ليس بقليل حتى أجد حافلة أخرى بالإضافة أني كنت مُنهكة بعد يوم طويل في الكلية، على كل حال تمنيت لها الصحة وهي أيضا دعت لي بعض الدعوات التى تسعد بها النفس وودعتها وأنا مشفقة أني لن أقابلها ثانيةً.

 بعدما غادرت الحافلة بخفة لم أعهدها لمثلها من قبل، أخذني التفكير لزمنها هي وكيف كان شكلها قبل خمسين عام وكيف كانت مقبلة على الحياة بكل معانيها بحماس وثقة وتسائلت أم أن هذا ما تتركه السنون في النفس من حكمة ومثابرة وانفتاح، وتمنيت أن ينالني حظ من هذا.  

كلما أتذكّر حديثها يُولد في نفسي شيء يخبرني أن الحياة أسبابها بسيطة بقدر بساطة الإنسان ، وأتذكّر رائحتها  التى تشبه رائحة المطر بعد سقوطه على أرض عطشى وطريقة ربط شعرها بمنديل ملون وتحوّطه بشال أسمر كإكسسوار يزيدها أناقة وتطل على جبينها بضع شعرات يغلب عليها البياض الناصع فتزيدها وقارًا وتجاعيد وجهها التى تخبر الكثير دون أن تنطق. 

أتمنى لها العافية والعمر المديد فقد أعطتني عمرًا أحياه كلما تذكّرتُها.  وجود مثلها على كوكب الأرض مواساة لي على مصاعب الحياة وحبًا للناس واستبصار جمالهم. فهي آية من آيات السلام.



   نشر في 19 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا