تَذْكرَةُ سَفَر
بَقاء
نشر في 25 يونيو 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
تتربع على عرش الأولوية هُمومهم , تتملك أفكارهم فوضى العيش و ارتجافات بورصة الحروب , شعار من هم أهلٌ للوطنية من ذويهم لا مساس بكرامتكم و لا بأرواحكم , و لا حرج على ما أفضتم به في سبيل الحرية , تلك الحرية التي تُختنق أواصرها و تُفتك الأضلع من اختناقها فتُكسر , تلك الحُرية التي تتمثل بهيئة طفلٍ يبيع السجائر على الرصيف لمن افتقر أن يملك ثمنها , و إن جئت تسأله عن دراسته أجابك بِحُرقةٍ " أبويا ما بقدر يشتغل و المدرسة بدها مصاري ! " , يكفيك جواباً كهذا ينتنزع منك ما قد تبقى لك من أضغاث أحلامٍ تُهون بها عليك مُر الحياة بخيالك الرحب , و تدفع بها ما قد يسود لأجله وجهك إذا ما اعتركت تساؤلات من تمركزت ببالهم فكرة أن هذه المدينة التي تعيش فيها جنة الله على هذه الأرض , و لكن على الرغم من أن أهل الجنة ليسوا بحاجةٍ إلى شفقةٍ إلى أن نظرات البعض منهم تُوحي لك بشيءٍ من هذا القبيل الاستفزازي , ثم إن مبدأ اللجوء في نفس البلد قد يشاركك فيه حسك بأن لو كان اللجوء في بلد آخر لكان الوضع أفضل ! وهو أَمر و أقسى , أذكر بأني قد أخبرت أمي يوماً أني أود أن أسافر لم يكن أسلوبها بالرد تنفيراً بقدر ما كانت كلماتها تهجماً " تعتقدين أن أؤلئك الذين اختاروا الغُربة في أوج سعادتهم !" و لكي أُحيد عن هذا المنطق برهنت ما بُوحت به بـِ " سأعود صدقاً سأعود لن أبقى " يتضح من كلامنا و بساطة أمنياتنا أننا نخدع أنفسنا بل و نروض هيجانها بفكرة السفر و كأن شرطي المعبر بإنتظارنا كي يفتح لنا تلك البوابة التي هي بالحقيقة بوابة لعنبرٍ تكتظ فيه مآسي مخلوقاتٍ حية من نفس كوكب المتخاذلين قد جُن جنونهم من ضيق متنفسهم , رُبما يُعارضني فيما أقول أجلاء من هذه البقعة المتكهربة إثر التماس دموع الحيارى صاعقة صراخ المخذلوين , لكني لست أعيش بفقد هويةٍ مُنحت لي تقديراً على قوة نظري في الظلام الدامس أو على ضوءٍ خافت , أو أني متجاهلة ما يدور حولي , أُدرك تماماً أنَّ هذه الأرض خُلقت لنا و خُلقنا من عِرق تُربها الثائر و أن لا سبيل للتغيير سوى الصبر و الجهاد و تحويل هذه المدينة إلى محط أنظارٍ بدلاً من كَونها محط صواريخ !!