جاء إلى العالم مكبلا بقيود وهمية اسمها التقاليد. من صغره حاول دوما الانتفاض ضدها. كبر و كبرت معه الأصفاد، كبر ليعرف أن الحرية في الوطن الكبير هي مجرد أسطورة من الخيال.
حل إلى العالم طفلا مليئا بالحيوية و النشاط. من صغره تعلم كل طرق المبادرة الحرة، فكان عبقريا في صياغة الصداقات و في تكوين مجموعات اللعب. كبر ليعرف أن المبادرة من الممنوعات و أن الصداقات قد تكون موجبة للمشاكل في السجن الكبير.
قدم إلى العالم برغبة كبيرة في البقاء و في الوصول إلى الريادة. في صغره تعلم الإصرار و حب المغامرة. كبر ليجد نظاما مليئا بالإكراهات، نظاما يجد لذة في تطويع أصحاب الإرادات القوية. كبر ليعرف أن أسهل طريق للبقاء هو الصمت المطبق و أن الوصول للريادة يمر حتما من كم كبير من الكذب و من خيانة المبادئ.
عندما كان صغيرا، أحب أن يكبر ليعيش حريته، ليرحل و ليسافر و ليناقش القضايا الكبرى و ليكون هناك في المحطات الكبرى من حياة الوطن. كبر ووجد أن الحرية مفردة ممنوعة و أن الوطن الجميل الذي حلم به هومجرد سجن كبير.
كان صغيرا عندما أراد بشدة لأن يكون بطلا. أحب الوطن و الحياة حتى النخاع و كم كان يفرحه أن يطالع كتبا تحدثه عن أمجاد و بطولات و عن وقائع تؤكد ريادة الوطن. كبر ليجد أن الوطن الكبير كائن هلامي و أن المحنة تلاحق كل أبناء هذا الوطن.
من النكسة و معاناة المخيمات و قتال الإخوة في فلسطين إلى الكم الهائل من أبطال الورق الذين يحكمون و يعيثون ظلما في أبناء الوطن مرورا بمأساة العراق و خلافات الإخوة في لبنان و الدمار الكبير في سوريا و اليمن الصومال و القهر المحيط بأبناء السودان و حكم المغلف بالأسود في إيران و رائحة الموت الكريه المغلف بالإرهاب و هي تجتاح كل الأمكنة و هذا المد الأصولي الذي يريد قتل كل إمكانات التنمية و العودة بنا إلى عصور الظلام...
كم كان صعبا عليه أن يكبر و يعرف كل تلك الأشياء و يعلم أن طريق التغيير جد شاق.
كم كان صعبا عليه أن يعيش انهيار كل تلك الأحلام.
تلكم هي قصة ابن عربان. ازداد مليئا بالأحلام و الشغف الكبير. كبر ليزداد امتلاءا بالأوهام و الكوابيس.
فهمة يا أصدقاء الحلم لأن طريقكم الشاق هو السبيل الوحيد لمساعدة السيد ابن عربان لاستنشاق الحرية و الحب و عطر الورود.
فهمة يا كتاب الأنوار..