إن مفهوم العلمانية من أكثر المفاهيم التي يدور حولها الجدل والنقاش ، لإن كثيرا من الأشخاص لا يدركون معناها الحقيقي وأيضا هي لها نوعان هم العلمانية الشاملة والتي تعني فصل كل القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية عن الطبيعة وحياة الإنسان في جانبيها العام والخاص ، بحيث تنتزع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى ، أما النوع الثاني وهو العلمانية الجزئية وهي فصل الدين عن الدولة في الإجراءات السياسية والإقتصادية ذات الطابع الفني مثل الجوانب البيروقراطية في إدارة شؤون الدولة ، وأنا هنا بصدد تأييد العلمانية الجزئية لأنها لا تتعارض مع التدين وبإمكانهما التعايش معا ،وهو أمر ممكن بالفعل إذا كان المعنى مجر تمايز جوانب المجال السياسي والإقتصادي عن الجوانب الدينية وإبعاد رجال الدين عن مؤسسات صنع القرار السياسي وأعتقد أن كثيرا ممن يتصورون أنهم أعداء للعلمانية سوف يقبلون العلمانية الجزئية عندما يدركون معناها الحقيقي .
فهي ليست إلحاد أو كفر ولا تتعارض مع أي دين من الأديان السماوية وأيضا ليست بدعة كما يقال إنما هي تدعو لأن نكون متحررين ومستخدمين لعقولنا بأقصى درجة ممكنة وإنسانيين أكثر وهي أيضا تحارب التخلف بكل أشكاله ، وتحويل الدولة إلى مؤسسة مدنية تضمن مساواة أبناء الوطن الواحد في الحقوق والواجبات مهما جنسهم أو معتقداتهم أو مذهبهم ، فيمارس المواطن معتقده بكل حرية ودون أن تتدخل الدولة لتفرض عليه هذا المعتقد أو ذاك ، أو لتمنع الناس من التفكير الحر بدعوى أن ذلك مناف لتعاليم الدين ، بعبارة أوضح يعتبر المعتقد في ظل الدولة العلمانية مسألة شخصية يحسمها الفرد بينه وبين نفسه ، ولقد بينت التجربة التاريخية أن الفصل بين الدين والدولة خطوة ديمقراطية هامة في تاريخ البشرية ، فهو وسيلة لمنع الحكام أو أية قوة أخرى من استغلال الدين لتبرير طغيانهم وتسلطهم .
وإن أهم أسباب الأزمة التي تعاني منها الشعوب العربية والإسلامية هي التناقض الفكري والإزدواجية المرضية في الفكر والاعتقاد ، المسلم في العصر الحديث يؤمن بالشيء ونقيضه في نفس الوقت ، يؤمن بالعلم وبالدين ويؤمن بالكتب السماوية وكتب العلماء وطبعا لا بد أن يؤمن بإن ليس هناك أي تعارض بينهما مهما كان هذا الاختلاف واضحا .
-
دعاء نبيلصحفية ومعدة برامج
التعليقات
مقال رائع .