ركبنا في الحافلة وجلس جنبي، تكلّمنا حول مواضيع مختلفة كما يخوض فيها المسافران ليقصّرا المسافة، تكلّمنا حول السّياسة، الحرمان، الدّراسة، السفر...
تعمقّنا في بعضها واكتفينا بالعوم على سطح بعضها الآخر.
نصحني أن أبني جسور الصّلة مع جيراني وأن أتحدّى عادات المدينة الفاترة في العلاقات.
قلت له عاجزا: عايدتهم في عيد الفطر الماضي، ولم يعايدني منهم سوى القليل.
وكان أثناء حديثه يستخدم مفردات أجنبيّة، فوعظته أن لا ينطق بغير العربيّة في كلامه، فلغتنا العربيّة غنيّة بالمفردات، مكتفيّة بذاتها، ولا مبرّر أن نمزج رحيقها بلفظ مغشوش.
قال لي وهو يبرّر أخطاءه: ليست لدي دراسات عليا.
أكّدتُ له قائلا:
الشّهادات الجامعيّة ليست ضرورة حتميّة لمن أراد أن يثقّف نفسه، المهمّ في هذا الشّأن هي المتابعة والمواظبة والالتزام.
طوينا معظم الطّريق بحديثنا هذا، ثمّ وكأنّه تذكّر شيئا ذا بال فقال:
أتدري، تكلّمنا كثيرا ولم نتعرّف على بعضنا بعد!
ثم أردف باهتمام: ما اسمك؟
قلت ببساطة: سعيد.
تابع بعجلة: والانتماء؟
قلت: مقدم.
أضاف متعجبًا: أقصد من أين؟
تبسّمت فأجبت: أهوازيّ.
قال في حيرة واضحة: أعرف، ولكن من أيّ عرب؟!
قلت بهدوء معهود: من المحمّرة.
عدل كوفيّته وتابع مستغربًا: ولكن من أيّ قبيلة؟!
أجبته بحزم: من قبيلتنا العربيّة.
ووصلنا، ولم يصل إلى مبتغاه.
فلم يبق من الوقت إلا بقدر أن أودّعه وأتمنّى له الصّحة والأمان والرّزق الموفور.
2016
سعيد مقدم أبو شروق
الأهواز
-
سعيد مقدم أبو شروقسعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.