سيطَرَت على اللاوعي وزرعَت تراكمات ذهنية مغلوطة ، أنتجت صورة نمطية ، ما ادى لخلق التباس مفاهيمي داخل أحشاء الكلمات والأمثال التي نرددها كل يوم، وتسربت حتى وصلت إلى الشعر العربي الذي كنا ولا زلنا نتغنى بهِ ، فأنتجت ثقافة عمياء متآكلة تنخر بها ، وهي ما حددت سلوكنا وتصرفاتنا. 

إنها الأنساق اللغوية ، تصنع الثقافة وتوجه حركتها.

النسق نموذج هلامي يأطر العقلية التي تخضع له ويستعبدها ، بحيث لا تصير بعده سوى دلالات مشبوهة. 

كيف يمكن أن تتحول اللغة مع الزمن من اداة للتعبير إلى أداة هامدة وصلبة يتم استخدامها في غير محلها بطرق لا تؤدي سوى لمسارات  مبهمة ، وكيف تتحول من اداة للتفكير الى اداة يستدل بها على الجمود وتروج له. 

خطورة الأنساق تكمن في قدرتها على نقش الحرف وتلوين الكلمة لتهيء لظاهرها جمالية لغوية شاعرية ما يجعلنا لا نلحظ حقيقتها المختلفة. 

الأنساق بدورها تحرك المجتمع وتربيه ، تمنحه مفاهيم وتحجب عنه أخرى. 

الانساق بنية تهيمن على اذهاننا التي من خلالها تتشكل القناعات، بالتالي تحكم سلوكنا وتسيّره. 

ضُلِلت المعاني فحصرت صفات وأخلاقيات معينة بالرجل دون المرأة او العكس.

يقول الدكتور عبدالله الغذامي استاذ اللغة والادب في جامعة الملك سعود سابقًا: حينما يردد الناس مقولة مثل فلان ابن اصول أو ما عنده أصل ، أو كقولهم فلان رجل أو ليس برجل ، فلانة امرأة حقيقية أو ليست إمرأة ، هذه كلها مترادفات تشير إلى النسق الثقافي لا غير ، تصورات مضمرة عن مجموع من الصفات المتوخاه فإذا وجدت صار المرء رجلًا وذا أصل وعدمها ينفي عنه ذلك. 

فيُحتكم إلى هذا الأصل الذهني كدليل وموّجه إجتماعي وسلوكي. 

وأعقبَ على ذلك في مثال اخر على ما تفعله الانساق وكيفية تأثيرها على القيم ما جعلها تتحول من قيم إنسانية إلى قيم ذكورية بحته كالشجاعة والكرم بوصف الاخير قيمة سلمية ، فالنساء يلتزمن بإكرام الضيف ولا يتوانين في ذلك حالهن حال الرجال ، ولكن الكرم كقيمة شعرية يظهر على النقيض منه كقيمة إنسانية فصُوِرَت المرأة النصوصية بتلك اللوامة التي تلوم زوجها على كرمهِ الزايد وإهدار المال. 

إمرأة بألف رجل ، اي كلمات تلك الغارقة وسط وحل من الانساق الثقافية ومن التحريف الضمني ؟

تخيّل معي قدرة الانساق على أن تتحكم بعقل وحياة الفرد الذي يعد عنصر داخل منظومة إجتماعية وثقافية تأسست بقوى تلك النسق. 

إن هذا العمى بمضمون المعاني يعمل كمحرك ذهني بصورة لا نكاد نراها ، فنحسبها حينئذ قويمة صريحة لا مجال للشك بها أو محاولة تفحصها.

وهذه مسألة كما أنها ظهرت بفعل تراكمات استمرت لفترات طويلة من الزمن ، فان علاجها كذلك يتطلب التدرج في فهمها "أي الأنساق" والوعي بها أولًا ، وإعادة توظيفها ثانيًا، وتقويم هذا الإعوجاج اللغوي أخيرًا ؛ لتجنب الوقوع في فخ الأنساق اللغوية. 

بقلم: نجلاء الشهري.