معاناة الكاتب .. خلال رحلة ولادة أفكاره .. بقلـــــم / نــــورا محمــــد .
نشر في 10 شتنبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كم من إنسان تقلد سيفه في معركته الأدبية ولم يُظهر مُعاناته في إخراج إبداعه وليد اللحظة للبشرية ! , لم تهتم به الحياة ولم تُعيره أي إنتباه طالما لم يخرج بكتاباته للنور , ظلت العيون تحيد عن النظر له وتعتبره كأنه لم يكن من الأساس ! , وإن نظرت له فترمقه بنظرات لا تنم عن أي أهمية , تتقاذفه الأيادي وتُلقيه من أقصى الشمال لأقصى الجنوب , كأنه ورقة فارغة مُمزقة لا تحوي أي معلومات جديرة بإحترامها , ولكن تتبدل الأحوال في لحظة بمجرد أن يُعلن للبشرية برُمتها أنه قد إنتهى من ذلك الشئ الذي سُيعيد له التبجيل والإحترام من جديد , إحدى كتاباته أصبحت جاهزة الآن ولا ينقصها سوى الإنطلاق نحو العقول لتتشربها وفقط ,
ولكن هل سألت عقلك ذات يوم عن كم المجهود المبذول من قِبل هذا الكاتب في رحلة خروجه بمولوده الفكري الأدبي الجديد ؟ ..
هل إلتفت لعقله وهو ينتفض بالأفكار الهامة منها والأخرى التي لم يجد فيها الفكرة الكفيلة بإتمام المعنى ؟ ..
إنها مُعاناة لن يُدركها الكثير منا , هو فقط من يعي حجمها الأصلي , هو فقط من يقع فيها بكل ما يملك من قوى عقلية ونفسية , تأخذ منه رحلة الكتابة الوقت سواءً كان لحظات أو أيام أو شهور , ليخرج بسطور قليلة أو بكتب لن تقوى على الإنتهاء منها حتى الممات , ولكن الغريب حقاً أن نظرة الكاتب لما يكتبه تختلف إختلافاً كلياً لنظرتنا نحن من يقرأ ما يكتبه , فهو يرى السطر البسيط الذي خرج من رحم فكره كأنه مقالات ومؤلفات ووثائق و و و , يرى الفكرة الكامنة في ذلك السطر الذي لا تتخطى كلماته عدد حروف اللغة العربية , يرى المعنى واضحاً جلياً بين تعرجات الحروف وبرغم من ذلك يجد أن المعنى لن يصل للجميع رغم وضوحه , فبه مزيج من الفلسفة والبساطة , التعقيد والسلاسة , الضياء والظلام , خطته أن يجعل كل مستويات العقل تصل للمعنى , إن كان الوصول في لحظة القراءة أو كان بعد قرائتها بأعوام , وبالرغم من أن ذلك السطر الذي يراه هو فيضان من الأفكار والمعاني , تراه أنت أيها القارئ مجرد سطر ! , لم يُشبع جوعك الفكري ولم يُطفأ نيران عقلك المُشتعلة , تراه مجرد سطر بسيط ليس إلا , لم يستطيع أن يصل بك لدرجة النشوة التي يطلبها عقلك من حين إلى آخر , بل ستشعر أن كاتب هذه الكلمات مُبتدئ , لم يتمرن على الكتابة الإبداعية بعد , ولم يتمرس بها , فتفر من بين حروفه بعد أن تُقسم ألا تقرأ له مُجدداً , وإن فقط أثبت لك أنه جدير بقرائتك , أرأيت إختلاف النظرة بينك وبين كاتب الكلمات في مثال السطر الواحد ؟ , مُختلفة كُلياً ..
الكثير من مظاهر المُعاناة ستتضح إليك الآن أيضاً ..
قد يجد الكاتب صعوبة في توصيل وجهة نظره بسهولة ليقتنصها عقل القارئ بدوره بمنتهى السهولة كأنه يتشربها شرباً , عقله يعج بالأفكار ووجهات النظر والرؤى ولكنه برغم حرفيته العالية في اللعب بالكلمات وتشكيلها كما يحلو له إلا أنه يجد يده تتوقف عن الكتابة لحظة , يجد الشلل يعتيرها ويقسو عليها ويتمادى في الإنتقام منها كأن بينه وبينها ثأر أبدي لن يُحل حتى بعد إنتهاء البشرية ! , والمُفارقة العجيبة الكوميدية بذات الوقت أن فكرة الكاتب التي يعجز عن ترجمتها لحروف وكلمات على أوراقه تكون واضحة وضوح الشمس بين ثنايا عقله وفكره ! , يراها كأنما يرى قلمه الذي يحكم قبضته عليه ولا يشك لحظة أن ذلك القلم مجرد وهم أو خيالات , بل هو واقع أمامه ملموس يستطيع أن يضعه على طاولته وقتما يريد ويستطيع أن يعبث به أيضاً حينما يود ذلك , فكيف لهذه الأفكار التي ظلت مُستمسكة بالعقل رافضة الخروج عن حدوده أن تكن جلية بهذا الشكل الساحر أمام عين إدراكه ولكنها خيال وأطياف أمام قدرة القلم في تدوينها على الورق ! , تلك مُعاناة من نوع آخر , التي فيها يرفض المنطق التصديق , هنا يشعر الكاتب أنه على وشك الجنون حقاً , يشعر أن شعره سيبدأ في المشيب من أثر الحيرة والتعجب لما يعتريه من حالة مُهلكة لن يجد فيها إلا الضيق والحنق ! , فأصعب ما يمر بالكاتب هو أن تقف الأفكار على بوابة العقل دون أن تخرج منه , حينها سيتوقف تيار إبداع الكاتب ويُعلن أنه قد أتم رسالته ولن يقوى على الإستمرار , حتى وإن كان لم يبلغ العقد الثالث من عمره ! ولكنه بتلك اللحظة قد وجد أن النهاية قد حلت ولن يستطيع الهرب منها .. ألم ترى في ذلك مُعاناة عزيزي القارئ ؟ ..
مأساة جديدة تعصف بهدوء الكاتب ..
قد تمر الأفكار بشكل لين عبر بوابات العقل , دون أن تخضع للمرحلة السابقة القاسية عليها وعلى الكاتب بشكل أكبر , فلا تحسب أن المُتضرر من الحالة السابقة هو كاتبنا وفقط ! , كن على يقين أن الأفكار المُقيدة تُصارع في حرباً أعنف من حرب الكاتب نفسه , فالأفكار المحبوسة بين جدران سجن العقل تمرض هي الاخرى وتموت إن لم تُروى بنور الحياة , إن لم تخرج لها وتُعلن عن ولادتها , غير ذلك فستمر عليها وقتاً صعباً للغاية فيه تبدأ في التدهور والخمول ومن ثم الفناء ! , بينما الكاتب حياً يُرزق في دُنياه ! , مأساة بشكل مختلف فالآن نتحدث عن هلاك لا تراه العيون ..
ولكن حينما تنجح بعض الأفكار في الخروج والولادة دون تعثر أو مشاكل , تجدها تواجه مشاكل من نوع آخر , مواجهة فكر بعض القراء المُضاد لها , نعم إختلاف الرأي لا يُفسد للود أي قضية , ولكن إختلاف الأفكار قد يكون هو السبب الأساسي في قطع كل حبال الود والمحبة بين عقلين ذات يوم ! , فبين ما أود أنا إثباته لعقلك , وبين ما تأسس عليه عقلك حتى وإن كان تأسيس أقرب للإنهيار عوضاً عن الثبات .. تتضح المشكلة ! , فلن يتخلى أياً منا عن وجهة نظره مهما كانت المُغريات , ولن ينتصر أي طرف من الأطراف في تحقيق نظريته يوماً , وأشد ما يواجه الكاتب حينها هو التمسك بما يكتبه , فإن إضطرب لحظة وتراجع عن توصيل رؤيته لبعض الأمور فلن تكتمل الفكرة ولن تصل بالشكل المثالي للقراء , ومع النقد اللاذع يستمر في الثبات دون أن تُزعزع له ذرة إصرار ! , ألم تجد أن هذه مأساة حقيقية ؟ ..
نعم , لقد وصلنا لأكثر ما يؤرق ذهن الكاتب الآن ..
إن تغاضينا عما سبق , واعتبرنا أن الأفكار " كاملةً " تستطيع عبور حدود الفكر لتُكتب في ورقات بواسطة قلم الكاتب , واعتبرنا أن الجميع يتفق مع أراء الكاتب ومُعتقداته ولا يجد أي إنتقاد فيما يسرده على البشر , فستظل هناك مأساة أخرى ترفض ان تترك الكاتب ينعم بكل هذا دون أن تعبث براحة باله قليلاً ..
إنه الصدق في إيصال المعنى , فلن تجد عقلك يستوعب كل كلمة لكاتبنا إن كان الكاتب يُلقي عليك بفكرته دون أن تجد الصدق في حروفه , حينها سيصل للعقول حقاً ولكنه لن يصل لعمق الفكر الذي هو " الإدراك " , ستكون كلماته مجرد كلمات تقرأها لأنك تهوى القراءة وفقط , ولكن الفكرة تلاحمت مع إدراكك وخرجت بمعنى جديد يسد عطش ظمأ فكرك أم لا ؟ , هنا يكمن السر ..
فلولا " الصدق " في توصيل المعلومة أو القصة أو الفكرة فستكون الحروف خالية من نقاطها , ينقصها شئ لكي تكتمل صورتها الصحيحة , لذلك يتوجب على الكاتب أن يشعر قبل أن يقتنص قلمه وأوراقه ويهم بالكتابة , يشعر بكل حرف يخرج من عقله , صدق حروفه حينها ستنطلق بكتاباته نحو العقول دون أي عرقلة .. وهي مُعاناة أخرى يواجهها طوال الوقت ! , فهو أيضاً إنسان في البداية والنهاية , ولن يصل لدرجة الصدق المُطلقة يوماً ولكنه يحاول ..
والآن .. هل أدركت كم المجهود الذي يبذله الكاتب ليخرج بتلك الصفحات القليلة لعقلك ؟ , فكن مُمتناً لما يبذله من اجلك وامنحه التقدير كما يجب ..وكن قارئاً يضع نفسه مكان كاتبه أولاً قبل أن تكن مجرد مُتلقي ..
التعليقات
الا اننى مع ذلك اقول لكى يكفينا ان يفهم حروفنا ولوعاقل واحد فتلك الملكة الشعورية التى يعيش معها الكاتب والتى تؤثر على كل وجدانه وتجعله يعيش تلك اللحظات الفريدة التى يسطر فيها معانيه وافكاره قد تكون من الصعوبة بحيث لا يدركها الا عقل فطن متفرس وهؤلاء قلائل حاليا فى المجتمعات المتدنية التى هبطت عقولها الى دركات الجهل والظلام فليس كل من يقرأ حاليا قد يدرك تلك المعانى السامية التى تقبع تحت الكلمات فالجميع الآن لا يقدر على ان يتجاوز سطح الكلمة لانه ليس لديه القدرة على اعمال عقله
فاللحظات التى تعيشينها انتى وتكتبين فيها كلماتك باحساسك وشعورك بمعانيها تكون اجمل اللحظات واصعبها فهى لحظة قد يجتمع فيها الشىء ونقيضه وفيها يبلغ المرء قمة سموه ومن وصل الى هذه الصوره الوجودية بمعناها الفريد والنادر كان حقه على الحياة ان تعطيه
فقط الامر يحتاج الى الثقة بالله
فيامن تؤمل طيب الحياة
تفائل
ستلقى جميل الأثر
فى النهاية اقول لكم اننى كلما قرأت لكم كلما ازداد اعجابى وتقديرى بذلك المحيط الذى يدور فيه فكركم
لكم منى اكرم تحية
ولكن كيف لزوبعة الأفكار تلك المزعجة أن تهدأ ، كيف للكاتب أن يجعلها تموت ، فقلمه يرفض كتابتها ، وليس له حيله ، هل عليه فقط أن يصبر و أن يتحمل آلام صوت مذياع في رأسه يذيع تلك الأفكار الآبية أن تُكتب ..!!
جميل يا نورا ، ابدعتي بحق .