واجه المستقبل فأنت به الكاسب الأول.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

واجه المستقبل فأنت به الكاسب الأول..

واجه المستقبل فأنت به الكاسب الأول..

  نشر في 26 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

واجه المستقبل فأنت به الكاسب الأول..

هيام ضمرة..


باتت الحياة تسير برشاقة متناهية بأقصى خطواتها على سطح الأرض، وكأنما العالم يسابق نفسه إلى عالم جديد يتحول به إلى عصر جرئ، يتغير فيه كل شيء، ويتحول تحولاً ثوريا جديدا، كل عام تحقق الدول المتقدمة قفزات عالية وجديدة غير مسبوقة علميا وتقنيا فيما هناك شعوب غارقة بتخلفها لدرجة أن عقلها لا يبارح الماضي قيد أنملة

ففي مرحلة ماضية استغنى العالم عن ثورة البخار لينتقل إلى ثورة النفط، واليوم ها هو العالم يتحول إلى ثورة الكهرباء من جديد فهل سيستغني العالم عن النفط كما استغنى عن البخار؟ وهل سيرجع العرب إلى عصر التخلف من جديد وهو الذي لم يحقق تقدما يذكر حين كان نفطه محرك الصناعة والحياة في العالم؟ علما أن العالم العربي لم يغادر تخلفه حتى هذه اللحظة، لا أقول هذا من باب جلد الذات بل أقوله من واقع ما زال يحصد آثاره حتى هذه اللحظة

ها هي الخلايا الشمسية تغزو العالم وتمتص طاقتها من أشعة الشمس بكل هدوء وروية، والطاقة النووية باتت تمنح العالم طاقة كهربائية نظيفة لا مثيل لها، وطاقة الريح تنتج من الكهرباء ما يحرك مدينة صناعية بأكملها، والعلم ما زال يأتي لنا بالجديد والمتطور ليحل المسائل ويذلل الصعاب ويزيح العقبات التي تواجه الانسان في هذه الحياة وتؤمن له حياة رغد وراحة ورخاء

هم يعيشون عالم سريع التطور متعافي اقتصاديا ونحن العرب ما زلنا مستهلكين لكل شيء كسلاء متمطي ونمطي النشاط، نغرق بالنفقات ونراكم علينا المديونيات، شركاتهم الكبرى وأغنياؤهم يتهافتون وراء كل مخترع ويدعمون الاختراعات النموذجية ذات الأثر الايجابي على حياة الانسان وعلى الصناعة نفسها، فيما شركاتنا العربية تغرق نفسها بجمع الأرباح وعقد الصفقات والتمدد عالميا، وأغنياؤنا ينفقون أموالهم على طاولات ألعاب القمار وعلى النساء ورفاهية القصور والطائرات الفخمة الخاصة واليخوت الباهرة التصميم.. هذا نمطهم وهذا نمطنا فمن هو ذا أحق بالحياة إذن؟

مواجهة المستقبل أمر واقع والتمتع بالانجازات العلمية والتقدم الحضاري منح الانسان كثيرا من الرخاء قياسا بأنماط الحياة السابقة، فمنذ أن نفض الغرب عنه عصر التخلف وانجرف مع تيار العلوم والصناعة والارتقاء متحررا من الأفكار المسبقة، مشرعا طاقات العقل إلى أقصى مدىً ومنفتحا على العلم والاختراع والتجريب حتى غدا عالم الانسان ثورة علمية عصية عن التوقف لدرجة أن تحقق ما بدا سابقا ضربا من الخيال أومن المستحيل، لم يعد شيئا يقف أم عجلة علوم انطلقت كالبرق ولا نكاد نجدها قابلة على التوقف

ما الأسباب التي جعلت شعوب بذاتها تتحرر من أفكارها المسبقة وتحرر عقلها تماما من فكر التخلف وتنطلق مع العلم والتقدم لمنح الانسان حياة الرخاء، وشعوب أخرى تنخرط بالاستهلاك مما انتجته الأولى وترفض تحرير العقل في وقت واحد لتغوص أكثر في تخلفها وتراجعها الحضاري إلى درجة الانحطاط ؟

تقدم المتخلف وتأخر المتقدم باتت تثير حفيظة الكثير من المفكرين والدارسين.. فما الأسباب وراء انحسار الحضارة لشعوب ما وعودتها للتخلف والانحطاط، وتقدم حضارة شعوب أخرى نهضت من أعماق الظلام وانتصبت كالنخلة المثمرة لتعطي البشرية بسخاء، ليمثلا شعبان يختلفان بثقافتهما يتحركان باتجاهين متضادين تماما إحداهما للأمام والأخرى للخلف، رغم أنّ الأولى استسقت بذرتها من حوض الثانية التي آلت بخطواتها إلى الخلف ، ورعتها بالعناية والرعاية حتى غدت رياض مزهرة وواحات معمرة، كانت بداية لعصر العلم وتحقيق الخيال

تم احتكاك الشعب الأوروبي بالشعب العربي خلال الحملات الصليبية وحروب الاستيلاء على الأندلس، وكان أوروبا أيامها تغوص في عصر التخلف والظلام، وتبدت أمامهم صور التقدم التي كان حققها العرب آنذاك مما منحهم الرؤية الصحيحة لحياة المستقبل التي جروا بعد ذلك ورائها بكل قوة حتى اختلفت الموازين وانقلبت الحالة، فتقدم هو وتراجعت الأخرى، وانفتح للأولى النور بكل طاقاته فيما انغلق العالم على الثانية وغارت في الظلام، تحول معاكس تماما لكل منهما كلٌّ باتجاه مضاد، واحدة صعودا والأخرى انحدارا، واحدة حررت عقلها تمام من الأحكام المسبقة والثانية اكتفت بالتغني بأمجاد الماضي والتقوقع في دائرة الفكر الديني وأغمضت عيونها عن المستقبل، واحدة استلم حكمها أناس يمارسون الديمقراطية ويخلصون للوطن وإنسانه، والأخرى سقطت تحت نير حكم استبدادي هَمْ حكامها الأول أنْ يبقوا على قمة الهرم ولتغرق الأوطان وتمحق الشعوب، واحدة تحرك اقتصادها صعودا والثانية تعرقله بالقوانين وممارسات الفساد وتنزل به هبوطا، واحدة تنشط عقلها وتحرره تمنحة حقه بالانفاق، والثانية تغلقه ضمن الدوائر الصغيرة الضيقة، وتحيطه بالأسوار العالية، فالعرب أشغلوا أنفسهم بالعبادات الثانوية ورفعوها إلى مستوى العبادات المفروضة مما شغل عقولهم وأوقف تدفق أفكارهم كما من بنوا بالسابق حضارتهم الشماء

تقول الألمانية زيغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب : إن هذا الكتاب يرغب أن يفي العرب دينا استحق منذ زمن بعيد أنْ كانوا هم من أطلقوا شعاع النور الأول ونحن من استلمناه وطورنا عليه حتى غدا على ما هو اليوم عليه، فإن كنا أصحاب حضارة فقد بنيناها على أساس جاهز

نام العرب بعد تخمة أثقلت على عقولهم واستمروا على غفوتهم يتقلبون على أحلامهم دون هوادة يبتسمون لها وهم في غيبتهم لا يدرون شيئا عن الذين هم بالخطى يتقدمون، والغرب قام باستلام مواد الوليمة الأولى وراح يتفنن بطريقة الطبخ واسلوب التقديم وأحدث ثورته الكبرى واستمر صاعدا للأعلى بسرعة البرق

واليوم ها نحن نشهد انقلابا في نمط الحياة وفي ثورتها الصناعية والالكترونية، ونتجاوز ذهولنا بالمتوفر من خلال المسارعة للحصول على أعلى وأحدث التقنيات، وصار مصدر الحصول على الطاقة الكهربائية متعدد المصادر وطرق الحصول عليها وتبتعد شيئا فشيئا عن المصدر القديم بالنفط، فما هي فاعلة الدول النفطية والبساط ينسحب من تحت أقدامها حين تجد نفسها وبضاعتها قد بارَ الاقبال عليها ولا تستطيع قياد دولها وهي التي لم تفعل شيئا يذكر للمستقبل ولا لشعبها الذي ما تعود إدارة بلده بالصورة الصحيحة دون دعم الوافدين ودون ساعدهم البناء، رغم أنَّ الحضارة الانشائية لن تسد محل الحضارة بصورتها الكاملة الاقتصادية والعلمية والصناعية

ولا يغيب عنا محاولات الغرب للابقاء على حضارة الشرق في حالة شبيهة بالموات لأنها تعرف لو أن دماغ هذه الأمة اشتغل بالشكل الصحيح لكان الحال تبدل عما هو موجود، إن لم يسبقوهم فعلى الأقل سينافسونهم في أساسيات مواقع القوى في العالم وهذا ما يجعل الغرب يقمع كل حركة استرداد لحضارة الأمة ويتخلص من كل حاكم يقوم بالخطوات الصحيحة الأولى لاسترداد التراث ويوئِد كل عمل للاعتماد الذاتي بالارتقاء الحضاري، وما غرزت دولة اليهود المحتلة في أرض فلسطين إلا لتكون أداة هدم ورقيب لتعمل جهدها في وأد أي مشروع حضاري، وتستخدم كل وسائلها الشيطانية لابقاء العرب على ما هم عليه من تخلف وتأخر، فإن كان العرب يتحملون الجزء الأكبر من أسباب تخلفهم فهذا لا ينفي وجود قوى الشد العكسي الغربية التي تستغل ضعاف النفوس ممن يملكون السلطة ويمسكون بالرقاب فتحركهم لمآربها في تعطيل التقدم


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 26 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا