" توصلت إيران و الدول خمسة زائد واحد إلى إتفاق تاريخي في فيينا بعد أكثر من 21 شهرا من المحادثات المارطونية ، لكن ما غاب عن الكثيرين هو سبب تسوية الملف الإيراني في هذا الوقت بالذات بالنسبة للقوى الكبرى و الهدف الحقيقي من وراء ذلك و تداعيات هذا الإتفاق التاريخي على المنطقة و العالم .

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران و الولايات المتحدة و حلفائها في تنافر حقيقي مع إيران و سعيهم بكل الطرق و الوسائل من أجل القضاء على الحلم الإيراني في إنجاح برنامجها النووي و لو بالقوة و هذا ما لمح إليه الرئيس السابق جورج بوش حينما صنف إيران في خانة الدول المارقة و محور الشر الداعم للإرهاب و الذي يشكل خطر على الأمن و السلم العالميين ،كما كثفت الولايات المتحدة كل جهودها الدبلوماسية من أجل إدخال البرنامج النووي الإيراني إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم، أي أن إيران ستخسر الصبغة القانونية و تكون أمام وضع مشابه لحد كبير بالوضع العراقي ، تم فرض مجموعة من العقوبات على إيران كانت قاسية جدا على الإقتصاد الإيراني، حيث تم تجميد ما يقارب 150 مليار في البنوك الأجنبية و تقليص حجم الصادرات ،إذ تخسر إيران ما يفوق 65 مليار دولار سنويا بالإضافة إلى تراجع الدبلوماسية الإيرانية في المنطقة، كل هذا جعل من صانع القرار الإيراني يعيد حساباته و يرمي بورقة ضغط على الدول الكبرى من أجل تسوية الملف النووي الإيراني ،فإغراق المنطقة في الحروب الطائفية و دعم نظام الأسد في سوريا و الحوثيين في اليمن كان هدفه واضح و هو أن على العالم أن يدرك أن لإيران وزن كبير في المنطقة و يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتراجع عن نبرتها الحادة إتجاه إيران و تفتح الملف النووي على طاولة المفاوضات و هذا ما حدث بالفعل ، فمنذ عجز الولايات المتحدة عن إتخاذ موقف جريئ و حاسم إتجاه الأزمة السورية بسبب موقف روسيا والصين و إيران تسارعت وتيرة المفاوضات الإيرانية الأمريكية ، لتصل اليوم إلى التسوية الشبه نهائية و هو إنتصار حقيقي لإيران حيث نجحت في إبقاء ملفها في طاولة المفاوضات دون إدخاله إلى مجلس الأمن "الفصل السابع" إضافة إلى نجاحها في الظفر بكل أموالها المجمدة في البنوك الأجنبة ،كما أن تسوية الملف هو نجاح لدبلوماسية إدارة الرئيس أوباما و لكن ماذا بعد ذلك ؟

ستكون المرحلة القادمة حاسمة جدا في المنطقة خاصة و أن دور إيران سيتراجع في القضية السورية ربما ستتوافق الأطراف الفاعلة من الدول الكبرى "روسيا الصين امريكا " على رجل واحد يقود المرحلة القادمة في سوريا ،خاصة بعد التقارب الأمريكي الروسي و ترحيب أمريكي بلقاء موسكو 1و 2، كما ستكون مرحلة القادمة حاسمة في العلاقات بين السعودية و إيران و سنلاحظ تقارب سعودي إيراني ولما لا تسوية الملف اليمني ،أما عن إسرائيل فستقوم بتحريك اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس من أجل رفض هذا الإتفاق ، و سيكون هناك صراع حقيقي بين الجمهوريين و الديمقراطيين حيث أن أنصار الهيمنة و القوة سيكون لهم الكثير من الكلام و إنتقاد اللاذع للرئيس اوباما، فيما سيعتبره أنصار السلام و ديمقراطية إنجاز تاريخي يحسب لدبلوماسية الأمريكية .

أعداء الأمس هم متفقون اليوم في فيينا ،و منطقة الشرق الأوسط و العالم في مرحلة جديدة ستزال فيها الكثير من الأقنعة و نرى أجوبة على أسئلة طرحت قبل سنوات من الآن الأيام القادمة ستبين ذلك ."

بوعافية كمال باحث اكاديمي مهتم بالشؤون السياسية والدولية- الجزائر