هذا النعاس الذي يحارب سلطان العيون الهائم في دنيا الأحياء ، يغريني في رحلة جميلة إلى بلدان الأحلام ، حيث الأقدار تنتظر بنعيم الأحلام ، أو بجحيم الكوابيس ، فتكون الرحلة كراكب بعدا آخر مجهول ، غير أن أذكار السلام تكون الزاد الجميل لزيارة عالم لذيذ ، لولا أن جعل النهار معاشا ، ما خلت أحدا أنعم عليه به ، يحب أن يعود منه ، غير أنها الدنيا ، غير أنها الدنيا في هذه الأثناء بالظبط ، أنتظر كل ليلة قبل الرحلة ، زيارة أخرى حبيبة إلى قلبي ، يزورني جميل ينتمي إلى قبيلة الطوافين على المسلمين و الطوافات ، يستجدي الدفئ في بداية خريف هذه السنة ، مؤذنا ببداية البداية ، بعينيه الزرقاوتين الناعستين يسحرني ، يا إلهي ما هذا الجمال ، ما هذه الدقة في الصنع ! يقترب شيئا فشيئا ، و يجلس استعدادا لنومة بعد نهار مليء بالتسبيح لمبدعه .
إييه يا فلان ، خاطبني هاتف في قرارات نفسي ، هذا الجمال يسبح النهار و الليل لا يفتر ، و انت الغافل ، و رغم ذلك يسخره لك ، يؤنس وحشتك و يحبك ، بل و يتألم إذا غبت عنه شخيره اللذيذ الحبيب بدأ يعلو و يداخل أنفاسك المتثاقلة ، هل تراه يسبح المبدع حتى في نومه ، سبحان الله سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر ، مالنا لا نرجو لله وقارا كعادتي ، لا أذكر على أي من أذكار النوم إلى البعد الآخر أنتقل ، رحت فيما يشبه نومة المخدر في عملية جراحية ، مجبر على النوم هو ، يغالبه ، فيغلبه هو ، ربما كان إعياء النهار !
رأيت فيما يرى النائم ، كأنني في شارع طويل ، و بلبلة و هتاف و فرح ، يغمر أناسا من جميع الأعمار ، صغارا و شيوخا و نساء ، الكل في فرح لا يوصف ، تحركت في دواخلي غريزة التطفل ، فأصغيت السمع ، فعرفت السبب سامعا ، ان قد حل زين الشهور ، أن قد أقبل الشهر السعيد ، جلت ببصري في المكان ، فرأيت شارعا آخر طويلا ، تداعب إحدى جنباته أمواج الغاضب لغضب السلام ، غير أنه في هذه الليلة بدا هادئا ، كأنما قبلات الشهر السعيد طبعت على وجهه الجميل في هذا الشارع رأيت أناسا رجالا و ركبانا ، كل يتأبط سجادة حلوة ، السكينة نزلت على وجوه ، ارتسمت عليها حمرة ممزوجة ببدايات دموع فرح ، تبعت خطاهم فقادتني ، إلى ساحة كبيرة كبيرة ، و كأنني في ساحة مسجد عملاق ، رفعت بصري فرمقت صومعته العملاقة ، بالوافدين عليها ترحب ، تكاثر الناس ، و سبحان الله كلما كثروا ، كلما اتسعت ساحة هذا المسجد ، أصغيت السمع فلم أسمع إلا همسا ، إلى جانب ضجيج السيارات ، الذي يكاد لا يسمع إلى جانب هته الأجواء الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله صلاة العشاء ، الصلاة جامعة ، و الوفود تتكاثر ، و تأتي من كل حدب و صوب ، الله الله الله الله ، يا ترى في أي العصور أنا الآن ، سبحان من جمع هؤلاء إلى الصلاة التي يكرهها المنافقون ، رجع المسلمون وا فرحتاه إلى دينهم ، عاد المغربون في دنيا المعاصي إلى بلاد السلام ، الآن الآن تحققت توقعات الخالد في دركات النيران بإذن السلام موشي ديان ، الآن يجتمع المسلمون و يكون عددهم في الصلوات الخمس كعددهم في صلاة الجمعة ، فنغلب شر خلق الله على الأرض و نسترجع مدينة السلام ، أحلى القوافي لا تفي بحق هذا المنظر الخلاب ، النور في الدنيا يزيد و السلام سلام شكور
هذا المسجد مبالغ في زينته نعم ، فتان في مناظره نعم ، مخالف لوصايا رسول السلام نعم ، غير أن منظر وفود السلام تنسي كل شيء عدا أن هئه الحشود الآن في سباق لتسوية الصفوف ، للسجود بين يدي السلام الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة لا إله إلا الله صوت الإمام أقل ما يقال عنه أنه مزمار من مزامير أواب السلام رأيت دموعا تنهال على الوجنات ، صوته الحلو الشجي ، يطرب القلوب ، بآيات الشهر السعيد ، شهر الأجور و مهور الحور و دخل الناس الذين عمرت بهم جنبات هذا المسجد ، و كان السامع بعيني بصيرته ، يسمع دموع حيطانه على ضخامتها ، فرحا بزيارة المحبين
رأيت فيما يرى النائم ، كأنني في ساحة بأشجار ضليلة ، اصطف فيها من تعرف في وحوههم الحاجة ، و يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ، لا يسألون الناس و رأيت وجوها بيضا ، يحملون نقودا في أيديهم فاحت رائحة المسك منها ، منتشرة في أجواء المكان !لا تعرف يسراهم ما أنفقت يمناهم ها أنت يا بنت الصديق ، يا أمي و أم هؤلاء تؤجرين بسنتك التي سننت ، طيبت نقودك ، و هم الآن نقودهم يطيبون ، و يجيء صغار ، يلعبون مع أبناء من يحسبهم الجاهل أغنياء ، فلا تفرقهم ، من جميل ما يلبس كل منهم ، لا اختلاف بينهم و لا تباغض و لا تحاسد، و يجلسون بعد لعبهم البريء ، يتذاكرون سنة حبيبهم ، حبيب السلام ، فهذا يصلى و يسلم ، و ذاك ينهى عن منكر فعل ، و الآخر يفسح في المجلس ، و كثير منهم يلبس لباس الوقار و العلماء ، كثير منهم حفظ الكثير من كلام السلام ، الله الله الله الله ، في أي العصور أنا قاربت الشمس على الغروب ، فرأيت موائد تحضر على جنبات الطريق ، وجوه بيض بلحى زكية ، تحضر الموائد ، فيها من أصناف الأطعمة أطيبها ، ما فيهم بخيل و لا شحيح ، هذا لوجه الله لسان حالهم ينطق ، و بعد الصلاة يجانبون إخوانهم و لو رمزيا إفطارا ، يرجع القوى إلى أبدان ستلتحق بعد حين إلى مآدب الصلوات و الذكر
رأيت فيما يرى النائم كأنني في مخزن عملاق ، كتب علي بابه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا بيت مال المسلمين ، و رأيت وجوها بيضا داخله ، يعدون أموال المسلمين ، خرجت فرأيت طابورا طويلا ، و سيارات غالية الثمن مركونة ، و أصحابها يقفون الواحد وراء الآخر ، يتحملون العطش و الجوع تحت أشعة شمس آخر شهر من شهور الصيف ، و يروحون على أنفسهم بالذكر و الدعاء ، و تذاكر أحاديث حبيب السلام بين بعضهم البعض ، كل منهم يحمل أكياسا ملئى ، و تحركت غرائزي الطفولية مرة آخرى ، سألت أحد الوجوه البيض عنهم ، فأجابني بابتسامة لطيفة أنهم أعيان المدينة ، جاؤوا يخرجون زكاة أموالهم ، و أن منهم من سيخرج الملايين ، حق السلام في امواله ، و عرفني بهم ، فكان منهم الوزراء و أغنياء الأغنياء ، الله الله الله الله ، يا سلام في أي الأزمان الآن أكون ؟ ، و رأيت أناسا في الجهة المقابلة ، أتوا إلى بيت مال المسلمين ، تعرض عليهم أموال و نعم ، فيأخذون القليل ، و يعرضون عن الكثير ، و يقولون للوجوه البيض : إنما هي حياة دون حياة ، و إنما هي أيام قلائل ، فيبتسم أعيان المدينة ، ، و رأيتهم يركبون سياراتهم ، و يوصلون إخوانهم إلى حيث أحبوا ، و هم يرددون ، سبحان من سخر لنا هذا ، و كانت السيارات تتوافد ، كل يأتي بنعم مختلفة ، فهذا بئهب كثير ، و هذا بفضة و جواهر ، و الآخر ببر و تمر و شعير ، و الثاني ببهائم الأنعام ، و بيض الوجوه يكبرون ، و ينادون ، هل من سائل ، هل من محتاج ، هل من صاحب حاجة ؟ فلا يجيبهم إلا من اضطر يستحيي من نفسه ، و الآخر يطيب خاطره و يدعو له بفردوس السلام
استيقظت على منبهي يوقظني لصلاة الفجر ، و طائفي الجميل ذو العينين الزرقاوتين يربت على يدي بمخالبه الصغيرة ، أن قم يا حبيبي قد آن أوان الصلاة و تكبيرات عيد السلام
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة