دراسة سيميولوجيا تواصلية لصورة الشيخ صالح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دراسة سيميولوجيا تواصلية لصورة الشيخ صالح

الشيخ مود بدر ( بروم دار جوب المريدي )

  نشر في 24 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

                                                 بسم الله الرحمن الرحيم

كائنا من كان في حياتنا اليومية ذا بصر سليم يرى أن الصورة محيطة بنا؛ عن يميننا وعن شمائلنا، بحيث يمكن القطع، إننا في عصر الصور بمختلف أنماطها وأشكالها، كما لا يعزب عن أيّ دارس مما التحفت به الصورة من المعاني والإيحاءات على مستوي التواصل البشري.

ولما وجد علماء اللسان والسيميائية هذا التكاشف التواصلي في العالم الأيقوني بادروا واحتفلوا بدراسة واستقصاء ما انضوى في طي هذه العلامات؛ من المعاني التقريرية والإيحائية دراسة وتعقيدا، ونظروا إلي العلامات الأيقونية علي أنها تحمل- من بين ما تحمل - بعدا خطابيا تواصليا، كما هو موجود في الخطابات اللغوية، هكذا اعتبر السيميولوجيون الصورةَ على أنها « نسق سيميائي مكوَّن من دال ومدلول وعلاقة تجمعها...»(1).

في هذا المقال سأرتوي إلى محاولة تحليل صورة من علماء الربّانيين السنغاليين، المعروف ب[ الشيخ صالح امبك ] تلك الصورة التي يحمل فيها كتاب" جواهر الإكليل شرح مختصر الشيخ خليل" تحليلا سيميائيا تواصليا.

قمت بتقسيم المقال – بعد التمهيد المارّ بنا- إلي ثلاث مستويات وخاتمة، الأول سعينا فيه لتعريف مركّز للسيميولوجي؛ تعريفا مع بيان بعض من مجالاته الاشتغالية، ومرجعياته المستندة، وفى الثاني تعريف مكثف للشيخ صالح- رضي الله عنه-، وفى المستوى الأخير سنُفكّك الصورة باستخراج أبعادها التواصلية لكن بشكل مركز أيضا، توخّيا وتحريا الإيجاز الغير المخل، وكذا الإطناب الغير الممل، وفى النهاية قبل أن تأتي الدراسة أُكلها سنبحث هل يمكن للصورة تحقيق الهدف المتوخي في حياتنا التواصلية؟

إن الله مع كل مغامر مجازف لأنه المعول له والذي يُجازي.

المستوى الأول: الحد للسيميولوجيا، ما هي السيميولوجيا؟

(( من المعروف أن علم السيميائيات علم حديث العهد، إذ لم يظهر إلا بعد أن أرسى السويسري [ ferdinnad de saussur ] أصول اللسانيات الحديثة ، في بحر القرن العشرين ... ولأنه علم استمد أصوله من مجموعة من العلوم المعرفية، فإن مهمة تحديده وإعطاء مفهوم عام له من الأمور الصعبة جدا، لهذا السبب تعددت الآراء في تعريفهم وفى تحديد مصطلح دقيق له... لقد عرف العلم فوضى مصطلحية كبيرة جدا...))(2).

يقول [ برنار توسان]: تكوينيا الكلمة آتية من الأصل اليوناني sémion الذي يعني علامة، و logos الذي يعني الخطاب))(2)، إذا هي مشاركة لبعض العلوم التي تتركب بكلمتين يونانييتن مثل SOCIOLOGIE، و zoologie علم الحيوان، إلخ... (( وبامتداد أكبر كلمة logos تعني العلم هكذا يصبح تعريف السيميولوجيا على النحو الآتي: علم العلامات...كما يمكننا إذن تصور علم يدرس حياة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية))(3).

في حين يعرفها الدكتور جاب الله أحمد مستندا للعالم buyssens بأنها دراسة طرق التواصل.(4) هذا التعريف يدرج التواصل اللساني وغير اللساني، غير أن مجال اشتغالها (( يتعلق بالعلامات التي تُكوّن الارساليات الأساسية للتواصل الإنساني كيف ما كانت مكونات هاته الارساليات سمعية، بصرية، سمعية-بصرية...الخ))(5).


مادام الأمر يتعلق بالتواصل إذا لابد من تسليط الضوء على النظرية العامة للتواصل ( بما أن الدراسة تتعلق هنا تقريبا بسيميولوجيا التواصل) التي وضعها مفكرون من بينهم لسانيون وعلماء اجتماع أمركيين.

شرح الخطاطة:°

إن كل تواصل بشري يتم فى أسيقة محددة، مع مكونات محددة، بطريقة محددة، وهو لا يخلو من المرسل الذي يقصد مقصدا أو إعلام شيء مجهول أو يتوخي تغيير/ إحداث موقف عند المتلقي( الانفعال/ التأثير/ الإقناع / تغيير عقيدة ما )، وهذا الأخير يستقبل هذا الخطاب / النص بشكل قبولي أو رفضي على حسب الانفعال الذي تُخلفها الرسالة، والرسالة هي تلك الأخبار والإعلام التي تحملها الرسالة وفق سنن وقنوات معينة لسانية أو أيقونية.( الخطابات اللغوية و غير اللغوية).

والعلامات الأيقونية iconique هذا المصطلح يرمز إلى التواصل انطلاقا من الصورةimages التي تعني قيام تشابه بين الدليل وما يمثله ( الصورة أو الرسم). والعلامة هي الشيء الذي يحيل على شيء ليس هو، أي البديل عن الشيء أو الفكرة.( الصورة ليست حقيقة الشخص ولكن رمز له).

وهذا، باختزال شديد ومركز هو التصور العام لتعريف السيميولوجيا مع بعض ملابساتها في الحقل المعرفي المعاصر، إذ هي موضوع ذات شُعب كثيرة وطبيعيا جِدّ معقد قليلا، نظرا لحداثتها ، ولأنها اكتشفت تقريبا في القرن العشرين مع الباحث اللساني السويسري دي سوسير، وقام رولان بارث بتطويرها بشكل أوسع و أوضح في كتابه " مبادئ السيميولوجيا" سنة 1964 ،(( إبان نشره كان كتاب بارث بمثابة القنبلة ويعتبر في الوقت الراهن إنجيل المنهجية السيميولوجية))(7).

المستوى الثاني:(8)

إن شيخنا ودافعَ بؤسنا بالدُّعاء والصَّدقة الشيخَ الصالح امبك، قد أبصر النور- سيادتَه -ليلة الجمعة الرابع عشر من شهر ذي الحجة سنة 1333 ه الموافق 22 ديسمبر 1915 م في البقعة المباركة (جوربيل ) من والدين شريفين هما الشيخ أحمد بمبا المجدد، فريد الأوان ، وأعجوبة الأزمان: عبد الله و خديم رسوله - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - والسيدة البارة العفيفة سخن فاطمة جاخاتي بنت الشيخ مود عشة( عائشة ) جاخاتي .(9)

ولما جاء البشير بخبر ولادته كتب الشيخ الخديم اسمه (الصالح )في ورقة أعطاها الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني وأمره بتسميته به .

وقد ظهرت أمارات النباهة والفطانة عليه في وقت مبكر من طفولته ؛ حيث أنه كان يحفظ القصائد قبل بلوغه سن البلوغ.

نشأته التعلمية:

ولمابلغ سن التعلم وكّله الشيخ الخديم (والده) بخاله الشيخ حمزة جاخاتي ، مريده و شقيق أمه بتربته ـ وكان يسكن في طوبى ـ وبيده بدأ يتعلم القرآن وهو في السابعة أو الثامنة من عمره ، وفي هذه الفترة توفي والده -رضي الله عنه - وبعد انتقال والده إلى جوار ربه بايع خليفة الوالد؛ ابنه الأكبر الشيخ محمد المصطفى مريدا له .

وبإذن منه رحل من عند الشيخ حمزة جاخاتي إلى خاله سرين أَلْسَانْ ( الحسن ) جاخاتي وكان يُعلم القرآن في طوبى ،فعنده أتم حفظ القرآن قراءة ورسما .

وبإشارة من الشيخ محمد المصطفى الخليفة أخذ يتعلم بعض الفنون الأساسية؛ من فقه ولغة ،على يد العالم سرين مختار جينغ في حسن المئاب (تِنْدُودِي) ، كما أخذ عن الشيخ حبيب امباكي الإمام بمسجد طوبى ، وتعلم أيضا على يد الشيخ محمد دم العالم والمفسر الكبير في البقعة المباركة (جوربيل ) .

ورحل إلى الفقيه الأديب وابن الشاعر المُجيد [مَمَّرْ صَاصُمْ جاخاتي] ابن القاضي مجخت كَلَا، وقد وجد عنده ما يشفي غلته ؛من اللغة العربية وأدواتها المختلفة؛ من نحو، وصرف، وعروض....... كما أنه درس عنده مختصر الشيخ خليل المعروف في الفقه المالكي ، ويحكى أن المترجم له كان كثيرا ما يتعجب في شاعرية وأدب صاصم هذا.

وكان الشيخ الصالحُ يتميز بحب الاطّلاع ، وكان مغرما بمطالعة الكتب ، وخصوصا كتب الفقه وأصوله وكتب السيرة النبوية، وكان يطالع بعض الموسوعات والدواوين من الشعر القديم والحديث ، وكان يحفظ كثيرا من أشعار الأندلسيين والموريتانيين كما يحكي أحد المقربين لديه.

صفاته:

كان رضي الله عنه بحرا زاخرا من العلم ، وخضما يفيض من جنباته ينابيع الحكمة ، محبا للعلم وذويه ، ويكرم العلماء أيما إكرام ، وكان كثير التحنث يتكلف من العبادات ، ومن الأوراد ما شق على النفس .

ويحكى أنه ما أخذ وردا قط ثم تركها مراعاة لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -:" أفضل العمل مادام وإن قل"، وكان شديد التمسك بالكتاب والسنة منكرا للبدعة ويُشدّد على فاعلها.

وكان معجزة في الزهد في الدنيا والترفع عنها، لا يغالي في شيء منها، لا في الملابس ولا في المراكب ولا في المباني ؛ يكفيه من الملابس أبخسها ثمنا، ومن المراكب والمباني أقلها رفاهية!

وكان ذكيا دمثا منفتحا، يخالط الجميع دون أدنى تحفظ منه ، رؤوفا بالعباد ، ولطيفا بالأطفال بالجملة كان ـ رضي الله عنه ـ عالما عابدا متصوفا حقا متمسكا بالقرآن والسنة، قد اتقى الله حق تقاته منيبا بَكَّاءً من خشية الله متوكلا على الله في جميع أموره!

تربيته الروحية:

فبعد أن تضلع بالعلوم الشرعية واللغوية سلك طريق القوم، وجاهد الجهاد الأكبر ،بهمته العالية التي لاتكل ولا تفتر ، بلغ الغاية المنشودة ، وهي الوصول إلى حضرة الله تعالى .

فبعد ذلك شرع في تربية الأطفال وترقية من هم في كنفه بالعلم والعبادة، لا على التخبط والتبجح الفاشل، بل كان يدعو إلى الله على بصيرة ،هو ومن اتبعه وفق المنهج الصوفي القويم الذي يكتنفه الكتاب والسنة، وكان له منهجه الخاص في التربية.

وثبت لنا بالاستقراء أن منهجه التربوي كان يقوم على قوائم أربعة:

تحفيظ القرآن الكريم ، التضلع بالعلوم الشرعية ، الاعتناء بحفظ القصائد الخديمية ، الأعمال البدنية الشاقة على النفس. كما كان متشددا على من انزاح أو عدل عن واحد مهنا، علاوة على اعتناء بمن يجتهد فيها!

وأول دار بناها للتربية والتعليم هي : [غُوتْ] ، أنشأها عام 1934 وكان حينها في التاسع عشر من عمره ، ثم أنشأ بعدها كتاتيب أخري منها : [انْجُورُولْ]، [خَبَانْ ]، [انْدُوكَا] ،[ انْجَابْدَلْ]، [ لَاغَانْ ]، [ طُوبى انجَاريمْ]، [ انْغَابُو]، وديارٌ أخرى كثيرة .وكانت آخرها [خِلْكُومْ ] التي بناها سنة 1993، وقد قسم هذا الأخير إلى خمسة عشر كُتّابا ، وكل كتاب يحمل اسم حي من أحياء طوبى المحروسة، مثل دار القدوس، جنة المأوى ، دار السلام ،دار الرحمان، دار المنان........... وفي كل كتاب اثنا عشر مُعلما.

فالطفل يبدأ بحفظ كتاب الله وكتابته عن ظهر قلب قبل الشروع في تعلم العلوم الشرعية واللغوية، ويوجد إلى جانب معلم القرآن مدرس ، يُدرّس العلوم الشرعية واللغوية.

وكان المقرر الدراسي الذي يلتزم به المدرس هو عين الكتب التي ندرسها في المجالس العلمية التقليدية ( المدارس العتيقة).

وكان مع هذا كله كان يربي المريدين على حب العمل ، ويغرس فيهم روح الإيثار ، بغض النطر عن التثاقل والتكاسل، كما يربيهم بتَحمّل الأعمال البدنية الشاقة ؛ كالعمل الزراعي ، والرعي مثلا ، والقيام على إسداء الخدمة للآخرين ،مما يجعل روح المريد طاهرا منقادا له ، ولا يستسلم لحظوظ النفس، كالكسل ، والكبر، ورؤية الفضل على الغير ، وحب الرياسة............. وسائر الأمراض القلبية الموبقة والمعوقة.

فبهذا المنهج التربوي السني السليم القويم، سار بمن معه، حتى تخرج على يديه حشود وجموع فاتت العد ولإحصاء، من بين أولاد إخوته وأخواته ، وأولاد وأحفاد كبار الأتباع .

وبهذا قد نجح؛ حيث أنه أدى الأمانة، ونصح الأمة، وثمرة نجاحه مشاهدة عن كثب - رضي الله عنه -

التحاقه بالرفيق الأعلى :

انتقل إلى جوار ربه راضيا مرضيا صبيحة يوم العروبة، السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة 1428 ه الموافق 28 /12/ 2007 م عن عمر ناهز خمسا وتسعين سنة، ودفن شرقي حرم المسجد الجامع بطوبى المحروسة.

جزاه الله عنّا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء .

المستوى الأخير:

تحليل الصورة:

(( إن حضارة اليوم هي حضارة الصورة بحق، إنها تميز حاصرنا اليوم))(10)

إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ما هو حد الصورة؟

في اللاتينية هي من imaginis ، imago وتعني أخذ مكان شيء ما ، signifie qui prend la place de qui.(11)

ويعرفها أستاذ الدكتور إبرير بشير بأنها (( وسيلة تواصلية فعالة متعددة الوظائف، وعنصر من عناصر التمثل الثقافي وبخاصة فيما يقتضيه الثقافة البصرية la culture visuelle في زماننا )).(12)

بصدد هذا السياق الذي يستعصي فيه وضع حد للتصورة يقرّ montine joly أن تعريفها صار شيئا صعبا، نظرا لعدم أمكانية إيجاد تعريف شامل، لكل استعمالاتها مثل: رسوم الأطفال، والرسوم الجدرانية أو الانطباعية...الخ، لكن ما يحب التأكيد عليه أنها نهمة جدا في التواصل الثقافي))(13).

والذي يهمنا في هذه التعاريف هو الوجه المشترك بخصوص أهمية الصورة في الثقافة التواصلية الإنسانية، وهو أن الصورة من خلالها يتم نقل مكونات الشخص في وقت محدد، وهذا النقل إنما يسري عبر جميع العناصر المتعلقة بالشخص، كما الخال مع صورة الشيخ الصالح، فإنه حالس قارئ كتاب الفقه المالكي( جواهر الإكليل في شرح مختصر شيخ خليل).

إن دلالة هذه الصورة ليست حصيلة تسنين، وإنما هي معطاة من خلال التشابه لأن علاقة الدال ومدلولها لا تستند إلى مبدأ الإعتباطية من أجل إنتاج دلالاتها.

(( والعلامة التي لا تبدو أنها تخضع لمبدأ الإعتباطية كالرموز والقرائن والأيقونات علامات لها وضع خاص داخل سجل اللغات الإنسانية، ولا يمكن التعامل معها كتعاملنا مع وحدات اللسان، فهي من جهة ليست اعتباطية بالمفهوم الذي يعطيه سوسير للإعتباطية، وهي ليست معللة من جهة ثانية!(14)

وكذلك يمكن القطع بأن العلاقة القائمة بين الدال ( الصورة) ومدلولها ( الاهتمام بالقراءة، وخاصة القرآن الكريم ثم الفنون الإسلامية والعربية)*علاقة قائمة على التشابه، يجعل من الأول يحيل على الثاني دون وسائط، لأن دلالة الصورة أتت منها ذاتها، إذ لا يمكن القول: أن الصورة دخلها التزييف، الأمر الذي سيجعلنا غير وثيق بدلالتها.

وتُسعفنا السياقات السابقة الخارجية على الأيقونة التحكم فيها على فهم إواليات الصورة بشكل دقيق. كل من عرف الشيخ وقف على هذه الصورة يُصدّق صدق مدلولاتها بدون شك، لأنها تعكس تماما على ما كان عليه الجدّ المربي.

وهذه الهيئة التي يحيل عليه الصورة تخيّل المتلقي على رسالة لفظية بليغة بالغة الأهمية( أي بعض تأويل عناصر الصورة إلى وحدات لغوية ) وهي وحي وإيحاء بالقراءة للفنون الإسلامية كذلك إشارة لباقي الفنون الأخرى؛ كالفقه. وخاصة في مثل هذه السياقات الثقافية إن الشيخ يتواصل مع جميع من يقتدي به أن يهتم ويحتفل بقراءة القرآن الكريم، لأن السيد الصالح ضحّى بحياته خدمة لهذا التراث الإسلامي في الجيل الناشئ.

فالصورة تعبير لا يمكن تكذيبه أو التشكيك في ما تتضمن من المعاني إلا معاند شقي شقاوة الفأر في متناول القطط، وهؤلاء ما أكثرهم اليوم! فعددهم حدّث ولا حرج، الذين يآثرون ما لم يكن الشيخ قد آثره، أو لم يتأثّر فيه ولا تأّثر به، بل إن الشيء الوحيد الذي تعامل الشيخ معه بهذه المعاملة وبهذا الشكل ( التأثر والتأثير) هو التعلم والتعليم وتربية أولاد المسلمين والمريدين، في تحفيظهم القرآن و تكريس أجسادهم على العبادة وعلى تحمل مشقات لكسب الحلال – كما أشرت إليه أعلاه- .

وهذه إن دل على شيء ذي أهمية، فإنما يدل على تفقهه وعلى وعيه التامِّ الناقدِ، بأن الأمة لا ترتقي إلا بالعمل وبالقراءة، ولا قراءة إلا بعد التعلم، والتعليم يبدأ – في ثقافة السالكين – من الحال إلى المقال، أي إذا توخيت أو ابتغيت إيصال رسالة إلى متلقٍ ما، فمن الطرق الأكثر سرعة ونفاذا لإيصالها أن تكون مثلها ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟!)، بأن تتمثل هذا الشيء فى نفسك وفى ذاتك، ثم من بعد ذلك تدعو إليه الناس بلسان مقالك، فبذلك يكون مقالك مصدقا لحالك، أما إذا أظهر حالك عكس ما تدعو إليه مقالك فإن الرسالة ستفشل في تغيير عقيدة المتلقيين ولن تجعلها منفعلا، كما لا تكاد تجد الغرض والمقبولية المنشودة في إرسال هذه الرسالة لأنهم سيجدون – لا محالة- تناقضا وتنافرا بين سلوك المرسِل والغرض، لذلك قال صاحب الحكم:" من لم يعظك حاله لن تستفيد من مقاله" أو قولا هذا معناه!

قل: إن الصورة خطاب حرفي ورمزي – كما يقول بارث – إذ يمكن القول إن الصورة حملت انعكاسا تاما لشكل الشيخ كما هو، ورمزت إلى ضرورة القراءة، لأنه – رضي الله عنه – كان يظل أيّاما لا يتكلم إلا رمزاً وكذلك حياتها كلها رموزٌ وإيحاءات إلهية، ذات دلالات مأثّرة ومؤطّرة بعناصر قوية، ومن الفوائد كثيرة، التي لو اعتكف عليها المريد بحثا ودراسة لاستطاع أن يختم بحثه بالحِكم البالغة، وبالمثل السائرة، ولنَقَلَ لنا لُمحا ومُلحا!

وكل من غدا لتفكيك الصورة بنيويا تتعثر على معان تقريرية، ويمثلها حمل الكتاب الفقهية، ومعان إيحائية تضمنية وهي الدعوة إلى الاهتمام بالقراءة إلى ضرورة طلب العلم ولو بقي لك من العمر نفَس، والصورة تفنيد بحجة مباشرة أراءَ هؤلاء المتواكلين الآكلين الغيظ والخاطئين ممن صدوا عن الكتب الشيخ الخديم التعليمية، وصدوا غيرهم عنها، ويتبنّون أشياء ويحسبونها – على ما هم فيه – شيئا في حين ليسوا بشيء هو أكبرُ أهميةٍ من دراسةِ هذه الكتب التي ألّفها والد الشيخ الصالح، وحفظِها وتطبيقِها. ولكنهم - لم يفعلوا وأخاف أن لا يفعلوا أيضا - اتّبعوا ما هو ثانوي وردف للكتب التعليمية!

أخاف أن تخيس النواة!!!

هذا، وللقراءة تاريخ مع العلماء وحتى مع المرضى(15)فكيف لا يكون مع الأصحاء وهم أولى بهم من غيرهم.

وهكذا استطاع الشيخ أن يترك لتلاميذه مواعظ وآثارا علمية يقتدون بها ويهتدون بها في ظلمات الزمان والأوان، كما جعل الله – سبحانه وتعالى – النجوم علامات للمستهدين يستهدون بها، فهكذا حاله كان علامة نهتدي به، ولما توفي خلف وراءه علامات أيقونية نتواصل معها في حلنا وترحالنا.

((فالأيقونات تواصلية وحجاجية إقناعية، ونحن نتواصل بالأيقونات والخطابات البصرية مثلما نتواصل بالخطابات اللغوية، وحيث يكون التواصل يكون الحجاج والإقناع والتأثير...))(16)

كذلكم مع الصورة الشيخ حتى وإن لم يقل لنا بلسان مقاله : اقرؤا ، فإنه قاله بلسان حاله، وهذا يُدركه كل من وقف مع الصورة وقفة تأويلية دلالية، كما أننا اقتنعنا بجميع خطاباته اللغوية سنقتنع إذا بصورته هذه التي يقول لنا فيها: عليكم بالقراءة والدراسة ولو كنتم أو وصلتم إلى أرذل العمر!

كما أن التواصل قد يكون باللغة أو بغير اللغة، فالحجاج كذلك هو الآخر قد يكون بغير اللغة، إذا كيف يتم معالجة العناصر الأيقونية في البنية التصورية، هل يتم ترجمتها لعناصر لغوية دلالية، ماهي العلاقة بين اللغة والأيقونات ( الصورة) ؟

((ولقد مرست الصورة، في كل العصور والمراحل، تأثيرا سحريا قويا. ثم إن الصورة لهاجوانب متعددة ؛ فكرية، ومعرفية، وإيديولوجية، ونفسية، واجتماعية ، وفنية، وجمالية، واقتصادية، وغير ذلك وتغطي كل المجالات: فهناك الصورة الذهنية، والسينائية، والصورة الفتوغرافيةوالصورة النمطية...إلخ. والصورة تمارس تأثيرا سحريا قويا على كل شيء، وهي تخاطب اللاوعي واللاشعور أكثر مما تخاطب الوعي والشعور، وهي من وسائل التوجيه والتربية•والتأثير •والغزو الفكري الثقافي))(17).

((والأثر الذي تتركه في وعينا ولا وعينا ووجداننا يظل حاضرا وقويا وفاعلا لفترات طويلة))(18).

أقول هذا هو عصر الصورة بامتياز!

                                                                                                                        الكاتب :

                                                                       الشيخ مود بدر ( بروم دار جوب المريدي)

                                                                             الطالب بكلية اللغة العربية – مراكش

                                                                           جامعة القاضي عياض المملكة المغربية

                                                                                         أكادير بتاريخ/ 19/08/2016

الهوامش:

القرآن الكريم

1) معجم السيميائيات، فيصل الأحمر، منشورات الإختلاف، الجزائر، 2010م، ص 120

2) ماهي السيميولوجيا؟، نرنارتوسان، ترجمة وتعليق الدكتور محمد نظيف، ص 11/ السيمياء والتأويل ص 13

3) نفس المصدر ص 11

4) الصورة في سيميولوجيا التواصل، الدكتور جاب الله أحمد ، ص 2

5) ماهي السيميولو جيا؟

6) السيميولوجيا بقراءة رولان بارث، الدكتور وائل بركات ،مجلة جامعة دمشق، المجلد 18، العدد 2002، ص 55

7) Roland barther: élément de la semioogie, communication n° 4, 1964, le seuil.

8) Introdiction à l'analyse de l'image,nathar université France, 1998, page 5

9) التعريف من الخل الأخ الغير الممل، طلبتُ منه كتابة نبذة عن سميّه؛ الطالب في القاهرة سرج صالح امبك.

10) الجاخاتي أسرة بكيور، تتلمذ عنهم والد الشيخ الصالح، وأخذ عنهم فن العروض.

11) نفس المصدر .

12) الصورة في الخطاب الإعلامي، أ، د إبرير بشير، ص 5

13) سيميوطيقيا الصورة سلطة الصورة أو صورة السلطة؟ أ منصور آمال ص 69

14) السيميائيات، مناهجها وتطبيقاتها، سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر، الطبعة الثالة، سوريا، 2012، ص 116

15) كيف تقرأ كتابا، قواعد وأساليب، الدكتور وزيد بن محمد الروماني، دار الحضارة للنشر والتوزيع، ص 12

16) حوار حول الحجاج، الدكتور أبو بكر العزاوي، الأحمرية، الطبعة الأولى، 2010م، ص 44

17) نفس المرجع ص 109

18) نفس المرجع ص 109



   نشر في 24 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم









عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا