الحشمة التي تنكبت حقيبة الحضارة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحشمة التي تنكبت حقيبة الحضارة

  نشر في 15 مارس 2022 .

في طريقي للشاطئ ذات يوم متنسما نعم المولى من الصفاء والنقاء ومشهد الأمواج الجميل، عصفت بسمعي كلمات صياح وصراخ نتاج شجار متعدد الأصوات غلبت عليه النغمة الأنثوية، فجرني الفضول وحب الاستطلاع لاستكشاف الأمر ذلك أن الواقعة كانت في طريقي، فإذا بالحابل متعديا على النابل، سجال وتبادل للتهم والألفاظ النابية في مشهد يلخص واقع العلاقات بين الافراد، والغياب الكلي للتناسق في إرسال الرسائل بين المرسل والمتلقي في إتباع صريح لتعاليم التفكير العنيف والهمجي، وهو ما يجعل الحتمية تفرض عليك التزام أضعف الإيمان كوسيلة فعالة للنجاة.

و أنا في خضم الصراع وبعد فترة من المد والجزر إتضح لي أن سبب الشجار راجع لتلفظ احد المصطافين الشباب بكلمة أصبحت تصنف في خانة الجرائم اللفظية التي وجب إستدعاء أهل الحكمة و العلم و الأخلاق للإجتماع و بشكل طارئ، في محاولة بائسة لشرح الوضع وتشريح الواقع، ذلك ان الشاب قال للفتاة وبكل عفوية أو بالأحرى إرسالا لكلمات صادرة من الزاوية البعيدة التي لا تزال تختزل ما بقي من كرامة و نخوة وحشمة....أستري نفسك....وفقط. و لكن الصادم في القصة كان جواب والدة الفتاة التي تلاسنت بعنف مع الناصح الشاب، صادحة وعلى مسمع القاصي و الداني : لا دخل لك في لباس إبنتي، أنا من اسمح لها بذلك و أنا من تشتري لها ، و بعدها دقت سيدة أخرى من أقارب الفتاة آخر مسمار في نعش الكرامة، مبدية لها النصيحة الذهبية : في المرة المقبلة اخلعي ملابسك و لا أحد له الحق في الكلام

يقول ابو تمام: يعيش المرء ما إستحيى بخير

و يبقى العود ما بقي اللحاء

فلا و الله ما في العيش خير

و لا الدنيا إذا ذهب الحياء

. إذا لم تخش عاقبة الليالي

و لم تستح فإفعل ما تشاء

كلمة الشاب الناصح وإن كانت فكرتها العامة نبيلة، إلا أنها تحمل في نظر الكثيرين من أشراف العرب تحليلا لواقع مر إنفرد أراذل القوم فيه بسن المناهج و إستصدار القوانين المنظمة للحياة اليومية، ضاربة بالمثل والقيم عرض الحائط، فأصبح الحلال حراما والمشين مرغوبا والتافه رمزا، أما المصلح أو على الأقل الساعي لذلك فهو عدو المجتمع، وهو ذاك الرجعي المتخلف غير المتشبع بقيم الحضارة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل دين خلقا و خلق الإسلام الحياء .

الحادثة واقعة معقدة وكأنها تعود بي لقصة سباق العربي مع القبطي، وكيف قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للقبطي وهو ينصفه إنما ضربك بسلطان أبيه. فشباب اليوم جاثم بين مخالب الحضارة وما تمليه من قواعد لا أخلاقية لا تمت بصلة لا لعاداتنا ولا لتقاليدنا في مشهد مبكي مضحك مقزز في آن معا، فالحضارة تلخصت في نظر الشباب في التعري واللباس الممزق و الميوعة في التصرفات والكلام والانحلال المنقول عن المجتمع الغربي، الذي يصنفه حكمائهم في خانه المنبوذ الذي لا بد منه.

إن الدراسات اكدت على دور السلطة الأبوية وتوجيه الأولاد بطرق سلسة لإبعادهم قدر الإمكان عن المحظور في عصر الانفجار المعلوماتي وزمن مواقع التواصل، فكلام الأولياء عاد من قبيل مآثر الأقدمين، وكأن نصيحة الوالد حفريات أكل الدهرعليها وشرب، بل وتوضع أيضا في ركب القديم الرث البالي الواجب الاستماع له احتراما ومراعاة للشعور ليس إلا، أما الواقع فالكل يجري بهواه خلف الممثلة التي أصبحت قدوة، والمغني الأجوف وهو يتبوأ مكانة المعلم، إذ يقلد في طريقة الكلام المأثورة، فما بالك باللباس الضيق الفاضح والحواجب المرسومة، والعلاقات المتعددة المحرمة ،ذلك أن أصولنا تملي علينا أن النساء كلهن سواء و الحياء فارق بينهن .

إن الوضع الخطير اليوم يفرض على الأولياء الانخراط في آلية تقويم سلوك الشباب ودفعهم لمنهج سليم خاضع لقوانين الأخلاق وتعاليم الدين مع مراعاة دور المناهج العلمية ومواكبة ما نفع من تكنولوجيا، وحصر تأثير مواقع التواصل فيما أمكن من فوائد بهدف تثمين الإيجابي النافع ودحر السلبي الهادم. فالشباب أمانة في الأعناق تجني الأمة منهم الجواهر والدرر ما تعهدتم المناهج البناءة والحرص على النجاح  والانقياد لتعاليم الدين و إملاءات الأخلاق .

محمد بن سنوسي

15-03-2022


  • 1

   نشر في 15 مارس 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا