الكوليرا ……في زمن معاداة البداوة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الكوليرا ……في زمن معاداة البداوة

  نشر في 24 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

أطلت علينا الكوليرا من جديد و بوجهها القبيح ، لا لكي تروج لرواية غارسيا ماركيز و القصة أيام الوباء ، و لكن لتشكر الجميع على درجة التحضر و التمدن و الرقي و ما وفرناه لسيادتها لتعود للحياة من جديد ، في صورة معاصرة للأسطورة القديمة ، ضاربة عرض الحائط الشعارات الرنانة الراسمة للمكانة الراقية لما وصلت إليه أحوال الطب و التداوي ، وواقع الصحة و المواطنة ، و الاهتمام بالمحيط و المجتمع ، و مشاهد الحياة الكريمة .

عادت الكوليرا لتطرق الأبواب ملامسة الكبرياء الكاذب بتبوا الصدارة ، و مشيرة بالبنان لشوارع مدن بأكملها و هي تغرق في القمامة تحت جنح الظلام و تحت الحراسة المشددة لكوادر الكلاب الضالة المشردة الخطيرة و هي تفرض منطقها و أنيابها ، بحضر التجوال على المواطنين الآمنين بمنطق حراس الحظائر و واجب دفع الضريبة .

عادت الكوليرا لتضبط لنا التوقيت الصحيح بأننا لم نغادر بعد القرون الوسطى ، و لا قدر الله قد يطل علينا طاعون الفراعنة ووباء جرذان أوربا القديمة و اناكوندا البرازيل و بهذه السرعة في العودة للخلف قد نصطدم بما انقرض من بهائم.

عادت الكوليرا لأننا لم نعد نسمي الأمور بمسمياتها ، فصارت الزنا علاقات حميمية و غرامية و أيام شبابية ، حملت معها الفيروس ، فسابق الجميع الزمن لأجل الوقاية فاضحي الواقي الطبي ذريعة لممارسة المحظور ، المهم نكون في طوق الحماية ، في وقت كان يكفي إعادة التسمية لأصلها...الزنا من الكبائر و الموبقات فلا تقربوها لا هي و لا خطوات الشيطان.

عادت الكوليرا لأننا اتبعنا الغرب في تصرفات أراذلهم ، فخلعنا الحياء و تجردنا من الملابس و مزقناها و أعفينا اللحى بدعوى تعاليم الموضة ، فتخنث الرجال و ترجلت البنات و تحول الراقص و العارية و المغنون لرموز في المجتمع و أمثلة لقصص النجاح.

عادت الكوليرا لان الإسلام لم يعد يمشي في الشارع ، و النظافة لم تعد من الإيمان ، فضربنا هويتنا بأيدينا ، فاليوم نتكلم كالغرب و شوارعنا غارقة في القمامة ، و نلبس كمغني الراب و هوائنا يحرق رئاتنا ، و نمشي كالأمريكان و أخر كتاب قراناه يعود لأيام المدرسة ، فلا نافسنا الغرب في الحضارة ، و لا التزمنا بتعاليم الأصالة. ، فنحن اليوم بين الجمار لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء .

عادت الكوليرا لتوقظ الضمائر ، و تهز المروءة ، و لتبعثنا لبطون أمهات الكتب لتذكير الناشئة أن التتار اسلموا لنظافة المسلمين ، و أن الأندلس صنعت الصابون ، و أن أحب شيء للنبي صلى الله عليه و سلم كان العطور و الطيب و كيف أوصى بنظافة الهندام و المحيط.

الكوليرا عادت لتدعونا للعودة لأصلنا و تعاليم ديننا ، و تدفعنا لنشهد على أنفسنا أننا لم نكن مسلمين حقا ، و لا متحضرين على طريقة العلمانيين ، بل فقط دخلنا جحر الضب بملابسنا الممزقة و علاقاتنا المحرمة ، فلا استوردنا الحضارة كما استوردنا الصين ، و لا قرأنا و درسنا و بحثنا ، و لا أرسينا قواعد الجيل بل فقط تجاهلنا و حاربنا و انسلخنا لدرجة أننا احتقرنا مقوماتنا ، فجعلنا من الأضحية مشهدا للبداوة ، و من كلاب باريس البشعة ، و كانيش العجوز الهرمة منظرا للرقي و التمدن و الحضارة.

فالقصة كلها ستعيد لنا اليقين أن آخر الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها....فإما نكون أهل الرسالة فنلمع الشوارع و القلوب و نرقى بالأخلاق و نركب سفن الحضارة ، و إما نتمتع مع الكوليرا بقصة الغرام بين الحب و الوباء و القذارة .

محمد بن سنوسي

24/08/2018 


  • 6

   نشر في 24 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
روعة الكلمات تعكس الواقع المر ، قلمك مبدع حقا يستحق كل الثناء،نرجو أن تتحسن الأوضاع فالحال واحد في كل البلاد العربية ،تحياتي وتقديري.
1
بن سنوسي محمد
بارك الله فيك دائما اعتز بتعليقاتك و دائما نحن نتطلع لمستقبل احسن نكون نحن صناعه حتى نفخر به يوم القيامة شكرا لك
مقالة تستحق الف تعليق
ابدعت يا اخي ..في محاكاة واقعنا الاسود .الحالك ..لقد قلت كل ما كان يؤرقني و ما عجزت عن كتابته طوال الوقت
.الحب في زمن الكوليرا ..
تبا لمجتمع احمق تبرأ الحمق من تصرفاته ..
جميل ان ببلدي اقلاما مبدعة هكذا ..كل التوفيق
2
بن سنوسي محمد
بارك الله فيك حبيبنا و الله تعليق اعتز به كثيرا نتمنى كل الخير للوطن و لكل المسلمين

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا