يوميات حاجب !!
حاجب يُشعل ثورة !!
نشر في 12 غشت 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
التفت (المشير) حوله ، قبل أن يستقطب بعيناه شاب ثلاثيني متحمس ، واقفاً بين الجموع قائلاً بغضب : (خربتوها) !
اقترب منه (المشير) بحذر متوجس ، يتبعه المعاون ، حاملاً على كتفه كاميرا لقناة تلفزيونية ..
- ممكن نصور معاك كلمتين ؟
- أتفضل يا أستاذ ؟
- مشير من فضلك .. ممكن اعرف ليه المظاهرة دي؟
كان سؤال (المشير) للشاب الغاضب تلقائياً ، وعفوياً ، لكنه كان سبباً رئيسياً لإصابة الشاب بُعطل فني في شريانه التاجي، فقال ثائراً :
- حضرتك بتسألني ليه ؟ هو حضرتك مش مواطن زينا ولا إيه ؟
استدرك (المشير) حديثه بسرعة ، وقد أحس أن هناك حدثاً جليلاً سيصيب تلافيف كبده بالانفجار ، فقال بسعادة : طبعاً أنا مواطن ، بس عشان الإخوة المشاهدين والمشاهدات في منازلهم يعرفوا !
للأسف أصيب الشاب الغاضب تلفاً في شريانه التاجي بالفعل ، بعد سماعه قول "المشير" للمرة الثانية ، فقال بأكثر أثارة وغضب :
- حضرتك الإخوة المشاهدين اللي بتتكلم عنهم يا باشا واقفين دلوقتي في الشوارع على الأرصفة بيدوروا على رغيف عيش ودعم لمستلزماتهم مش موجود ، مفيش حد في زمن (السي..) السياسة الأغبر عنده رفاهية انه يتابع تفاهات التلفزيون ، سوى الإخوة البزنس مان !
عندها أصيب السيد (المشير) بهوس ما ، حتى إنه تمنى أن يضرب انف الشاب بسماعة الميكرفون ، لولا أن بروتوكولات ماسبيرو تحظر عليه فعل ذلك على الهواء .. فما كان منه إلا أن استدرك قائلاً لعدسة الكاميرا متجاهلاً الشاب الغاضب :
وهكذا أعزائي المشاهدين كان لنا هذا اللقاء مع الأخ الغاضب من قلب (خربتوها) !
* * *
في الوقت ذاته، كان السيد الرئيس يتابع محدقاً بحزن شديد شاشات التلفاز الفضائية ، المحيطة به في الغرفة العلوية ، في الجناح الغربي من قصر فخامته ..
كان حزنه مسبباً ، فقد أرهق كاهله ، وأدمى كاحله أن يرى "الإيكومنست" يسخر منه ، وأبناء شعبه ، فهو قضى وقته لخدمتهم ، ساهراً على تفتيت مصالحهم ، فضلاً عن معنوياتهم ، حتى أضحت مفاهيم : كالكرامة والشهامة في عصره من التراث الفرعوني القديم !
كان بحق صباحاً سيئاً للسيد الرئيس لتلك السخرية العالمية منه ومن حكمته وحديثة الأكثر حكمة - وعلى غير العادة - وهو يتابع ما تبثه القنوات الفضائية ، لفئات من شعبه ، وهي تسخر من مقولاته وحكمة ، والمشاريع التي أنجزها ، كان يرى تعليقات من الشباب ، يصرخون غير آبهين (خربتوها) ، وكيف يلتف حولهم عواجيز تقوست ظهورهم ومع ذلك يشاركون الشباب ، وإن بدا على وجوهم الخوف !
* * *
تململ السيد الرئيس في مجلسه حانقاً ، مطلقاً العنان لرأسه ، يسترجع ما شاء من مسرحيات ومقولات أستطاع أن يخدع به أبناء شعبة ، وكيف استقبلوه بحفاوة بالغة بعد دهاء وتعب ، إثر خطابة الشهير بقتل الحرية ، وأنهم نور عنية ، وأنه سيحن عليهم كثيراً ، وكيف انه استطاع بحنكة ، وعبقرية ، قيادة رجال الدين والشرطة والجيش والقضاء ، حتى حققوا النصر على الحرية والأمال في أن يمتلك الحكم مواطناً من خارج مؤسستة ، وكيف أن شعبه استقبل أفول حكمه بالبشارة والترحاب !
استمر السيد الرئيس في ذكرياته ، متساءلاً في مرارة :
ليه كده يا شعب تسخر مني على الفيس ! ليه .. ليه ، هو أنا عملت لك إيه ؟!
وظل يردد في حسرة : ليه؟
حتى تناهى إلى سمعه صوت مذياع قديم ، قادم من احد غرف الخدم يغني : مش عاوزين ديكتاتور إسلامي ولا عاوزين ديكتاتور عسكري ، خطابتكم مسخرة ، أرجعوا حيث تنتموا ، دعونا نتعلم ، لنتخذ القرار !
عندها قرر الرئيس اتخاذ الاتصالات اللازمة مع الجهات المعنية ، لأنهاء أغوار هذه المهزلة ضده ..
فأمر حاجبه الأمين أن يتصل له بالسيد وزير المسالك ، فهو القادر وحده .. ومن غيره .. على الحل !
فما أن قدم الحاجب سماعة التليفون للسيد الرئيس حتى صرخ بدون مقدمات :
جرى إيه يا مسالك ؟ ما تشوف لك حل في العيال بتوع "خربتوها" دول ؟
تجشأ رجل المسالك الأول مرتين قبل أن يقول :
يا سعادة الباشا إحنا تحت أمر جنابك ، بس أنت عارف أن العالم عينه علينا دلوقتي ، ومنظمات الحرية إياها باصين لنا اليومين دول .
رد عليه الرئيس، وقد أزعجه كثيراً أن يتجشأ احد وزرائه في أذنه :
يعني إيه .. معقولة شوية عيال هيوعوا المواطنين بحقوقهم ، ويجيشوهم ضدي !
تجشأ وزير المسالك مرة أخرى ثم قال :
ماهو حضرتك لو تفتكر يا ريس ، إحنا كنا بنقول بلاش سيادتك تقول عن أنجازاتك في البلد اليومين اللي فاتوا .
فقال الرئيس وقد إصابته رغبة مماثلة في التجشؤ :
قصدك يعني أن أنا السبب !
يبدو أن السيد وزير المسالك ، كان يمارس هوايته التجشؤية في الوقت الذي اتصل به السيد الرئيس ، وذلك لأنه تجشأ ثلاث مرات متتالية قبل أن يجيبه قائلاً :
العفو يا باشا ... أنا قصدي أن حضرتك تحرمنا من طلتك في التلفزيون والجرايد الرسمية لحد ما الأمور تهدى ، والناس مسيرها تنسى موضوع "شبة دولة" وساعتها تقدر سعادتك تلبس البردعة للمواطنين تاني !
أجابه السيد الرئيس بغير حماس حقيقي، وقد أصابه غثيان مفاجئ :
تفتكر كده يا مسالك ؟!
فأجابه دون أن يتجشأ هذه المرة ... "يبدو أنه يأخذ استراحة قصيرة" .. قائلاً :
ايوه طبعاً .. وسيادتك سيد العارفين !
شكر السيد الرئيس ربه كثيراً لان مسالك لم يتجشأ هذه المرة ، ثم قال :
حيث كده ، أنا حأمر حالاً بفرض حظر ظهوري على التلفاز والجرائد ، وعدم الحديث عن أنجازاتي ! لحد ما نشوف أخرتها إيه مع الشعب ناكر الجميل بتاعنا ..
فقال مسالك بغير حماس :
تحت أمر معالي جناب حكمدار سموك يا ريس !
ثم ذهب ليواصل هوايته التجشؤية ... بعدما انتهى الاتصال !
.........
واصل السيد الرئيس خواطره (الفانتازية) وحيداً بعد اتصاله مع وزير المسالك ، وقد اتخذ في قرارة نفسه بأن يطيح به في اقرب فرصة ، خصوصاً ، وان مسالك هو الوزير الوحيد في الوطن الذي يتخذ من التشجؤ رياضته المفضلة ، كما أن لدية معلومات تؤكد فسادة ومطالبته بأخفائها ، وتفصيل تهمة تليق بالجنايني الذي كشفها . إضافة إلى أنه (أي وزير المسالك) لوحظ عليه في الآونة الأخيرة ميولاً شعبية ، فهو يتعاطف مع حثاله الشعب !
ثم التفت السيد الرئيس إلى حاجبه الأمين ... سأله في حيرة عذراء : أزاي يا حاجب الناس دي قادرة تصرخ وتعترض كده وهي جعانه وقريب هيبقوا عطشانين؟!
فأجابه الحاجب بعد تفكير خبيث : يا ريس ما هو الجوع والعطش نفسهم هما مصدر الصراخ !
تململ الرئيس في مقعدة غير مسرور لإجابة حاجبه ...
فاستدرك الحاجب قوله : يا ريس أنا اقصد أن شعبك محتاج يكون حر في اختياره ، وهو بحسب زعمك اللي شالوا أتنين قبلك ، الناس دي يا ريس جعانه وعطشانه حرية وعلم ومكان محترم تحت أشعة الشمس اكتر ما هي جعانه فول وعطشانه نِيل !
كان قول الحاجب الأمين سبباً رئيسياً في تكريم الرئيس له ، فقد أصدر الريس من فوره أمراً جمهورياً باعتقاله ، بتهمة التواطؤ والتعاطف مع الشعب !
فما كان من الحاجب إلا أن قال صارخاً بغيظ : خربتوهااااااااااااااااااااااااااااااااااااا !
ومن خلفه رددها 90 مليون ..
( انتهى .... )
-
اسماعيل السعيدكاتب وباحث صحفي ..