الحياة في ظل فيروس كورونا: كيف تستمتع بالحجر الصحي؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحياة في ظل فيروس كورونا: كيف تستمتع بالحجر الصحي؟

  نشر في 21 أبريل 2020 .

جائحة كورونا التي هزت العالم

منذ فترة طويلة اجتاح العالم شبح مجهول لا يدرك بالحواس، ثم أصبح ذلك الشبح المتحكم في كل شيء دون أي مجهود يذكر ليحظى بتلك السُلطة، اختل النظام العام بأكمله ليخضع تمامًا لما تفرضه سُلطة ذلك الشبح، ألا وهو فيروس كورونا أو كوفيد-19، تأثرت الحياة بشكل لا يخفى على أحد، وكذلك الاقتصاد العالمي، ولكن هناك خسارة كبرى تكمن في فرض الحجر الصحي على الجميع، أي فرض اللاجتماعية على الإنسان، قد لا يتأثر كل شخص بنفس الكيفية لاختلاف الطباع والشخصيات ولكن بالتأكيد ما يجب أن يتفق عليه الجميع هو أن العزلة عندما تصبح إجبارية تفقد كل مميزاتها وتصبح عزلًا وسجنًا خانقًا على أصحابها، لأن دائمًا كل ما هو ممنوع مرغوب كما جرت العادة.

كيف تقودك أفكارك نحو الجنون؟

في روايات سيتفان زفايغ وبالأخص رائعته "لاعب الشطرنج"، تناول الكتاب وصف العزلة وكيف يمكن أن تأخذ صاحبها نحو الجنون إذا ما استسلم للفراغ التام دون أي محاولة منه لإشغال عقله وحواسه، فالبطل هنا لظروف خاصة أُجبر على تجربة عزل انفرادي لمدة تزيد عن 6 أشهر، دون أن يتعامل مع أحد أو أن يسمع صوتًا آخر غير صوت عقله وأفكاره، ليترك سؤالًا بدون إجابة "إلى أي مدى سيتحمل الإنسان البقاء وحيدًا مع أفكاره؟"

لا شيء نقوم به، لا شيء ننظر إليه، ولا شيء نسمعه. لا شيء يخيم من حولنا إلا الفراغ الباعث على الدّوار، لا مكان يحدّه ولا زمان. كنا نذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا تشغلنا الأفكار، وتحتل أذهاننا دون توقف، متّبعة نفس النسق. إنها في حاجة إلى نقطة ارتكاز، وإن بدت لنا مجردة، وإلا ستبدأ هذه الأفكار في الدوران حول نفسها في حلقة مجنونة. فهي بدورها لا تحتمل الفراغ. كنا ننتظر حدوث شيء ما من الصباح إلى المساء، ولكن لم يكن يحدث أي شيء. وكلما طال الانتظار ازداد دوران الأفكار في رؤوسنا حتى تؤلمنا أصداغنا كالعادة دون أن يحدث أي شيء. لقد كنا نغرق رويدا رويدا في عزلة لا قرار لها.
- سيتفان رفايغ،لاعب الشطرنج 

إنها الحاجة البشرية المُلحة التي لا تعلن عن نفسها إلا عندما يختبرها الإنسان، ذلك الإنسان الذي لا يستطيع أن يعيش مع فراغ نفسه أو فراغ عقله، لأنه سيكتشف نوعًا جديدًا من الألم نتيجة لجوع حواسه، العين متلهفًة لرؤية مكانًا جديدًا، والعقل يبحث بكل جدية عن فكرة جديدة تشعل بداخله الحماس للغوص معها واكتشاف ما تخفيه، وكذلك كل شيء بداخله لا يستطيع أن يتحمل الروتين الذي يعيد نفسه بنفسه كل يوم حتى يفقد صاحبه القدرة على تحديد وجوده في أي نقطة من الزمن، كما أن ذلك الفراغ القاتل يجبر صاحبه على أن يعيد ذكرياته من جديد، فالعقل يقوم بعملية إلهاء لتمضية الوقت لغياب أي عنصر جديد في الحياة يقوم بدلًا منه بتلك المهمة، مما يجدد شعورًا بالألم والندم على أحداث مضى عليها وقت طويل يكفي لكي تفقد تأثيرها بالكامل على الواقع.

 لا شيء نلقّمه حواسنا، لا العينين ولا الأذنين. لا شيء غير البقاء وحيدين ويائسين أم ذواتنا وأجسادنا. 
- سيتفان زفايغ، لاعب الشطرنج 

بداية وجودك الحقيقي في عالمك الخاص

يُلقى على عاتق الإنسان مهمة أن يصنع عالمه بنفسه، بالرغم من إنها فرصة ربما قد يجربها للمرة الأولى في حياته وهي أن تملك زمام يومك بالكامل، كل شيء مفتوح أمامك بدون الحاجة لإلقاء اللوم على وقت ضائع في أشياء خارجة عن إرادتك، إلا أنها مسئولية كبرى، لأن هناك من لا يقوى على مواجهة نفسه بكل هذا الوضوح، أن تصبح صديق نفسك لوقت أطول مما اعتدت على أن تكون عليه، ربما تكتشف نفسك أخيرًا وتعرف عنها أشياء لم تدركها من قبل، أو تفكك عقد تراكمت بداخلك على مدى سنين طويلة ولم تملك الوقت لتلاحظها أو تلاحظ شكل تأثيرها عليك.

القلق الذي يعكر صفو الحياة

بالتأكيد سيكون من الصعب علينا أن نفرض على أنفسنا مهمة استغلال الوقت الكبير المتاح أمامنا، مهما كان صوت الضمير واضحًا وبشكل مضخم في كثير من الأحيان، إلا أن الواقع سيتحدث عن نفسه لأن القلق والخوف أكبر من أي قلق تعرضنا له من قبل، أنت الآن تعيش قلقًا من نوع مختلف، قلق على حياتك وأحلامك وحياة من تحب في المقام الأول، ذلك القلق الذي يجعل من الصعب على الإنسان أن يتجاهله ويلقى به في ركن مظلم لأن سيستيقظ دائمًا من اللاشيء ليعكر صفو اللحظات السعيدة الهادئة.

كيف تستمتع بالحجر الصحي؟

ولكن أخيرًا سأتكرك مع الحل الأمثل لقضاء تلك الفترة وإن طالت عن ذلك، أمامك طريقين أحدهما سينتهي بك سعيدًا مطمئنًا وهو أن تتحدى شعورك بالملل والكسل والروتين وتبحث عن شيء مميز لتفعله، أو هدف سبق أن تخليت عنه بحجة ضيق الوقت، أو العودة لقائمة اهتماماتك التي مضى وقت طويل دون أن تقوم بها وهذه قائمة صغيرة قد تساعدك على أن تبدأ لتخرج من حيز الفراغ وتبدأ بالاستمتاع بفترة الحجر الصحي.

1- القراءة: إذا كنت من محبي الكتب فيمكنك أن تستغل الوقت في قراءة الكتب الساخرة لتخفف من حدة القلق لديك، أو كتب أكثر عمقًا لمناقشة أفكار جديدة ستشغل عقلك بالتاكيد وتأخذك إلى عالم مختلف في كل يوم.

2- الأفلام: يمكنك أن تشاهد أحدث أفلام هذا العام الآن أو أن تبحث عن قائمة أفضل 100 فيلم حول العالم لتبدأ مشاهدتها من الآن وفق ما تراه مناسبًا لذوقك.

3- الدراسة: إذا كنت طالبًا ومشغولًا في دراستك فأخيرًا أصبح الوقت مناسبًا لكي تتزود في مجال دراستك وتستكشف معلومات جديدة أكثر مما يجب عليك دراسته كل عام، وذلك إما من خلال الدورات المتاحة على الإنترنت أو من خلال أي موقع متخصص في مجال دراستك.

4- اكتشاف مجال جديد: إذا كنت من محبي الأشغال اليدوية أو اكتشفت حبك للغات البرمجة فالآن هي اللحظة المناسبة لكي تطور من نفسك في مجال تشعر أنك ستكون مميزًا فيه أو حتى لمجرد اكتشاف شيء جديد سيساعدك على تمضية الوقت بشكل أفضل، فيمكنك أن تبحث عن أفضل المصادر المناسبة لمجالك المفضل وتبدأ على الفور في التعرف عليه.

5- الطبخ: إذا كنت من محبي الطبخ وعمل أكلات شهية من مطابخ العالم المختلفة، يمكنك استكشاف وصفات جديدة وتجربتها والاستمتاع بها مع العائلة.

6- ممارسة الرياضة: لا تجعل الحجر الصحي يتسبب في فقدانك للياقتك، فيمكنك أن تقوم بممارسة الرياضة من المنزل بما يتوافقك مع روتينك المعتاد أو حتى القيام ببعض المشي أو الجري في المنقطة المحيطة بمنزلك في الصباح الباكر لتضمن عدم اختلاطك مع شخص آخر.

7- ترتيب المنزل: تبدو فرصة بقائك في المنزل لوقت أطول مناسبة جدّا لترتيب أغراضك من جديد والتخلص من الأغراض التي لم تعد تحتاجها، كما أن الترتيب والتنظيم يجعلك تشعر بأنك تملك زمام كل شيء وبالتأكيد سيترك بحالة أفضل.

8- قضاء وقت مع العائلة: يمكنك أن تنظم برنامجًا مميزًا مع عائلتك لقضاء الوقت معًا في المنزل، وستكتشف أن الوجود بالمنزل ليس سيئًا كما يبدو.

9- الاسترخاء: بعد شهور وطويلة من العمل دون أن تحظى بإجازة طويلة، أصبح بإمكانك الآن أن تستمتع بقضاء الوقت في الراحة والاعتناء بنفسك على كل الأصعدة لتشحن طاقتك من جديد وتعود بقوة أكبر لتحقيق أهدافك.

10-YouTube: إذا لم تجد أي شيء من القائمة السابقة مناسبًا لك فأظن أن ذلك الاقتراح سيكون مناسبًا جدًا، يمكنك العثور على كل ما تتخيله على YouTube، مشاهدة حلقات "الدحيح" قد تبدو مناسبة، أو قناة TEDx التي ستساعدك في تحسين لغتك الانجليزية والارتقاء بأفكارك ومهاراتك بشكل عام، لذلك عليك أن تكتشف ذلك بنفسك وأعدك بألا تندم.

في النهاية، حتى وإن كنت تشعر بأن كل شيء على وشك أن ينهار، ومهما بدا الأمر سيئًا للغاية، أعتقد أن الحصول على أيام سعيدة ليس خيارًا أبدًا وإنما هو أمر تستحق أن تحصل عليه في كل وقت، ومهمة البحث عن شيء يأخذك معه في هذه الأيام لن تكون عبثّا أبدًا لأنك ستلاحظ بنفسك كيف أخذتك من القلق والتوتر إلى قضاء وقت ممتع حقًا دون أن تمضيه في عد الأيام أو تمنى انتهائها بأي شكل ممكن وتأكد أن الطريقة الوحيدة للانتصار على كل من الفراغ والفيروس هي ألا تترك نفسه فريسة لهما، والفريسة أسهل ما يكون اصطيادها إذا كانت وحيدة وضعيفة.


  • 2

  • نادين عبد الحميد
    ربما لا أتمكن من الكتابة بالشكل الذي أرجوه لكنني على ثقة أن الكتابة تمكنت مني .. فإنني لا أمارسها فعلاً وإنما أتنفسها هواءً هو المعين لي كي أستمر على قيد الحياة ..
   نشر في 21 أبريل 2020 .

التعليقات

Ayoub Sedki منذ 4 سنة
جميل ورائع
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا