مقبرة الحقوق - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مقبرة الحقوق

أرض الرافدين تمسي مقبرة لحقوق الانسان بعد أن كانت مهداً لها

  نشر في 18 يناير 2017 .



ربما يكون الأسود الصبغ الوحيد الذي يليق برسم اللوحة الواقعية للحياة البائسة التي يعيشها الانسان العراقي، فعندما نرى الدول التي لا يتجاوز تاريخها بضعة قرون تشرع قوانيناً لصون حقوق الحيوانات والمجرمين، يصدمنا كون الوادي الذي انبثقت منه أولى الشرائع والقوانين الإنسانية قد اصبح غابة يبقى ويسود فيها القوي وينقرض فيها الضعيف، ففي هذه الأيام تمارس أبشع أنواع التطهير العرقي للأقليات الدينية، ولا ينقص المرأة العراقية سوى الأغلال والسلاسل لتصبح عبدة بالمعنى الحرفي للكلمة، ناهيك عن واقع الأطفال الذين ينبشون القمامة بحثا عن علب المشروبات الغازية والذين يتسولون في الإشارات المرورية طلباً للقليل من المال يسد جوعهم وجوع أسرهم.

في هذه المقالة سنتكلم بإيجاز عن معرفة ووعي الطالب الجامعي في الحقوق الأساسية التي تحفظ الحياة الكريمة للإنسان ومقدار ثقته بالحكومة في هذا المجال ورأيه في الأسباب التي تقف خلف هذا الإنهيار في حقوق الانسان إستناداً إلى الاستبيان الذي ضم عينة بحدود 60 مشارك من جامعة الموصل و نينوى .

بداية، لم نتفاجأ بعدم قدرة 90% من هؤلاء الطلبة على تعريف حقوق الإنسان رغم قيامهم بدراسة هذه المادة لمدة سنة دراسية كاملة، فهذه المادة "الثانوية" مجرد حبر على ورق يدرسها الطالب للنجاح فقط وينساها فور إستلام النتيجة بالإضافة الى التساهل الكبير فيها كما هو حال التساهل في دروس الرياضة والتربية الفنية في المدارس الإبتدائية.

وبعد أن قمنا بتعريفهم بحقوق الإنسان وذكرنا لهم بعضاً من شرائع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الأمم المتحدة عام 1948، وبدأنا في طرح السؤال الأول : هل واجهتك حالة إنتهاك لحقوق الانسان من قبل؟ كان بريق أعين بعض المشاركين جذاباً وهم يتذكرون ما حصل في مدينتهم وما يعانونه في المدينة التي نزحوا اليها من مضايقات وضغط الحكومة المحلية عليهم للخروج رغم أن مناطقهم لم تحرر بعد. ذكر الطلاب المستطلعة آراؤهم لنا الإنتهاكات التي عايشوها قبل دخول داعش، وكانت للقوات الأمنية الحصة الأكبر منها، بدءً من التضييق في السيطرات ووصولاً الى إعتقال أحبائهم عشوائياً وبقائهم في السجون لشهور وسنوات دون محاكمة عادلة أو دون محكمة أصلاً، حيث ذكر 45 منهم بأن حقوقهم قد انتهكت في وقتٍ ما في حياتهم فيما شهد الـ 15 الآخرون حالات إنتهاك حدثت أمامهم.

بعد ذلك، سألنا من تم إستطلاع آرائهم عن الكيفية التي تصرفوا بها إزاء الأمر فأجاب 26 بأنهم تجاهلوا الامر وحاول 30 منهم إصلاح الحال بأنفسهم فيما حاول 4 منهم فقط إخبار السلطات المعنية. إذا ما كنت تشعر بالإستغراب، عزيزي القارئ للجوئهم لهذه الحلول، فقد تكون إجابة السؤال اللاحق كفيلة بتبديد أسباب تساؤلك.

وفي السؤال عن تقييم القدر الذي تمنحه الدولة العراقية من10 في جهودها للتوعية بحقوق الانسان وجهودها في صون وحماية حقوق الانسان، أعطى العديد من المشاركين تلك الجهود تقييم صفر فيما قيم عدد قليل منهم تلك الجهود قيمة تزيد عن الخمسة، وبذلك كان المعدل العام لجهودها في التوعية بحقوق الانسان بحدود 3.5 في المئة مقابل 2,5 في جهودها لحماية حقوق الانسان، وسواء أكان هذا المعيار يمثل حقيقة ما تقوم به الدولة أم لا، فهو يمثل رأي المواطن في الدولة ومقدار ثقته بما تقوم به في هذا المجال، حيث وصل إنعدام ثقة المواطن بالدولة لدرجة ترهيب الأهالي للأطفال بإستخدام رجال الشرطة كشخصيات شريرة لإجبارهم على النوم وتنفيذ أوامرهم!

بالإنتقال الى السؤال التالي الخاص بأكثر شريحة تتعرض حقوقها للتهميش في العراق؟ المرأة، الطفل أم الأقليات الدينية والعرقية، طلب بعض المشاركين خياراً رابعا يمثل العراقيين جميعاً، وهذا الأمر طبيعي لأن جميع الفئات مهمشة في العراق. وبخصوص نتائج الإستبيان، فقد جاءت كما يلي: 23 شخص صوت لصالح لصالح الأقليات الدينية والعرقية، تليها المرأة بواقع 20 صوت والطفل بمواقع 17 صوت. يذكر بأن الأقليات عانت كثيراً في السنوات الأخيرة وقد تكلم عدد من الأيزيديين والمسيحيين عن قصصهم المؤلمة مع التنظيمات الإرهابية التكفيرية دون وجود محاولات جادة من جانب الحكومة العراقية لحمايتهم وحماية تاريخهم وحضارتهم التي تمثلهم وتمثل الوطن، الأمر الذي تركهم عالقين بين سندان الوطن الذي أصبح جحيماً ومطرقة المهجر وترك مدنهم وتجرع مرارة الغربة.

وبسؤالنا المشاركين عن السبب الذي يعتقدون بأنه يقف وراء إنعدام تطبيق حقوق الانسان في العراق، أفادت أغلبية من أستطلعت آراؤهم بأن السبب هو جهل المواطنين بحقوقهم وعدم الجدية في طلبها، وهذا ما يدخلنا الى موضوع آخر ألا وهو "الوعي بالديمقراطية" وإنتخاب الشعب لمرشحين على أساس أيديولوجي بحت وعدم الإهتمام بمهنية ووطنية هذا المرشح مما يؤدي الى خذلان أملهم في الديمقراطية وإتخاذ قرار عدم المشاركة في الإنتخابات.

حملت نتائج السؤال الأخير في طياتها بعضاً من الإيجابية، فقد كان السؤال يتعلق بواقع ما بعد داعش، و"هل تتوقع أن يتقدم العراق في مجال تطبيق حقوق الانسان؟"، حيث أجاب 35 مشاركاً بالإيجاب فيما أجاب الـ 25 المتبقين بالنفي.

كان إسم حملتنا "إعرف حقوقك...إطلبها...تنلها! " لأن الخطوة الأولى للنهوض بالواقع الإنساني هي التوعية بالحقوق والجدية والحزم في نشر التفكير النقدي للشعب العراقي وإستقلال الافراد من سلطة العشيرة والمنابر الدينية نحو بيئة ديمقراطية لا يفكر أحد فيها نيابة عنهم ولا يختار رئيس العشيرة الأصلح منهم، بل أن يفكر هو بنفسه ويختار الذي يعتقد أنه سيأتي له بحقوقه فعلاً ويدافع عنها.


  • 1

  • محمد عصمت اوجي
    محمد عصمت فائق اوجي طالب جامعي / جامعة الموصل /كلية الطب صدري رحب للنقد البناء
   نشر في 18 يناير 2017 .

التعليقات

Asmaa gad منذ 7 سنة
وما الحل اذا ما كانت السلطات المعنيه بحقوق الانسان والدفاع عنها هي من تقوم بانتهاكها !
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا