إن الثمانية عشر عاما التي انقضت،هي الفترة التي شهدت أعلى معدل ارتفاع لدرجة حرارة الأرض،بنسبة 1.2 درجة مئوية،بسبب الاهتمام بتطوير الصناعات العالمية بالاعتماد على الوقود الإحفوري،كمصدر للطاقة اللازمة لتشغيل المصانع،والذي نتجت عن استخدامه غازات سامة،حبست الحرارة،ورفعت نسبتها إلى درجة مفزعة جدا،هذا التغير المناخي أودى بحياة الملايين من البشر،وتسبب في خسائر بمليارات الدولارات للشركات،والمصانع في العالم،كما يهدد بانقراض 20% من الأحياء البحرية مستقبلا،ووقوفا عند هذه المشكلة التي تهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض،ينبغي على العالم المسارعة إلى إيجاد حلول عاجلة تسهم في كبح جماح التغير المناخي،وتبقي على درجة الحرارة دون درجتين مئوتين .
بالطبع هناك حلولا كثيرة بوسع الحكومات،والمجتمعات،والأفراد تنفيذها كالتوقف عن دعم،واستخدام الوقود الإحفوري كمصدرا للحصول على الطاقة،والإتجاه إلى الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة المعروفة بصداقتها للبيئة،كذلك تسعير الكربون،الذي بوسعه إجبار ملاك المصانع،والتجار إلى الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة،لكن قبل الشروع في الحلول،يجب أن يفهم كل شرائح المجتمع مفهوم،وأبعاد قضية التغير المناخي،ويشرعون معا في العمل على مواجهة هذا التغير،وإيقاف عجلته .
يقول أندرو وينستون مؤلف كتاب " المحور الكبير : إستراتيجيات جذرية وعالمية لمواجهة عالم أكثر سخونة،وندرة في الموارد،وانفتاحا " : " سيكون لزاما على كل شخص أن يفهم التغير المناخي بنفس الطريقة،التي يفترض أن يفهم بها كل من يعمل في مجال الأعمال كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي اليوم " .
كما أشرنا سالفا،إن الحلول التي بمقدورها وقف ظاهرة التغير المناخي،والحد من الاحتباس الحراري كثيرة،ولكن سنسلط الضوء على أهمها،وأنجحها في مواجهة الظاهرة على المدى الطويل .
-تحويل المناطق الحضرية إلى مدن خضراء مستدامة
يستطيع صناع القرار،ومخططو المدن ان يحولوا المدن العادية الى خضراء من خلال توفير وسائل نقل بديلة للوسائل التقليدية،والتي من شأنها تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، لأن الغازات المنبعثة من عوادم السيارات تعد من أكبر الملوثات داخل المدن في وقتنا الحاضر،ومن أجل تشجيع المواطنين على تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة،والإقبال على وسائل النقل الجديدة،يجب على الحكومات أن تقلل المواقف داخل المدن،وتوفير ممرات للمشاة،وأخرى للدراجات الهوائية،إذ أن إقبال الناس على استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة كالدراجات الهوائية،سيجعل المدينة أكثر نظافة
- إنشاء مدن خضراء مستدامة
يجب ان تتجه الحكومات،والأفراد لإقامة مدن خضراء مستدامة صديقة للبيئة،و المدن المستدامة المقصودة نعني بها ”تحسين نوعية الحياة في المدينة، بما في ذلك الجوانب البيئية،والثقافية،والسياسية،والمؤسسية
،والاجتماعية،والاقتصادية،دون أن تترك عبئًا على الأجيال المقبلة“،هذه المدن يتم الاعتماد في تصميمها المعماري على تطبيق مبادئ هيئة ( LEED ) والتي تهدف لتقليل الانبعاث الحراري الصادر من المباني .
يعيش اليوم 54% من سكان العالم في مناطق حضرية،وهذا التقدير قابل للزيادة في المستقبل،في ظل استمرار موجات النزوح،والهجرة من الريف إلى المدن بحثا عن حياة أفضل،هذا النمو السكاني يضع ضغوطا على المدن،وله آثاره السلبية على المناخ،إذ يرافقه مزيدا من التلوث،والتدهور البيئي،وهو مايستدعي ضرورة التفكير في إنشاء المدن الخضراء،وإعادة تصميم المدن الحضرية لتصبح مستدامة،لكن هذا التوجه يضع المهندسون،والمعماريون،ومخططوا المدن،والمجتمع المدني،والحكومات أمام تحديات عظيمة تتعلق بكيفية إنشاء تلك المدن،وكيفية إعادة تصميم المدن القائمة لتكون مستدامة،وصحية،وخضراء،وقادرة على التكيف مع ظروف التغير المناخي،من خلال قدرتها على مواجهة الكوارث .
في الواقع يستطيع المهندسون،والمخططون،وقوى المجتمع،والحكومات التغلب على تلك التحديات من خلال تطوير أنظمة عالية التقنية لتخزين الغازات المنبعثة،وإنشاء أحياء خضراء من خلال مايعرف ب(التخطيط التشاركي)فمثلا في نيروبي تستخدم المجتمعات تقنية حديثة لرسم خرائط للمناطق الفقيرة،هذا الرسم يساعد الحكومات،والمخططين في معرفة الأسلوب الأمثل لتقديم خدمات أفضل للمواطنين .
يقول ديفيد ساتير ثويت الخبير في التنمية المستدامة : " أن أي مدينة ينبغي أن تكفل حياة صحية،وبيئات للعمل،وتوفر بنية تحتية للخدمات الأساسية،مثل المياه النظيفة،والصرف الصحي،وإدارة النفايات "وهذا مايجب أن توفره المدينة المستدامة لمواطنيها .
- زراعة الأشجار فى كل الأحياء،وحول المدن لأنها تستهلك الكربون،وتزيد نسبة الأكسجين فى الجو،وإنشاء الأحزمة الخضراء باستخدام مياه الصرف الصحى المعالجة بتكنولوجيات وتكاليف بسيطة .
يقول الدكتور غازي البنا أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة صنعاء : "إن توفر الحلول والتقنيات،الهندسية،والفنية اللازمة لإنشاء وتحويل المدن إلى مستدامة، ليس وحده كفيلاً بتحقيق الهدف المنشود، بل ينبغي معه تغيير أساليب المعيشة،بحيث تتناسب مع الوضع البيئي قبل كل شيئ،إذ لا يكون فيها استنزاف كبير للموارد،ولا إنتاج نفايات كثيرة"
كل ذلك من شأنه أن يلعب دوراً فاعلاً في تحقيق الاستدامة المنشودة .
في الأخير إن المدن الخضراء المستدامة تعد مشروعا واعداً،إذ يساعد على الحد من الانبعاثات الغازية، ويزيد من قدرة المجتمعات على الصمود ضد آثار الاحترار العالمي،كما أنه يستطيع التوفيق،والجمع بين المجتمعات المحلية واقتصاداتها معاً من أجل إيجاد استراتيجيات للتعامل مع تغير المناخ،ناهيك عن كونها أهم الحلول التي بوسعها إيقاف التغيرات المناخية،والحفاظ على سلامة الكوكب،وعلى هذا ينبغي على المجتمعات،والحكومات،وكذلك الأفراد أن يتحركوا معا نحو إقامة هذه المدن،لما فيه أمن،وسلامة بيئاتهم من كوارث المناخ،وتداعياته المفزعة .
-
عبدالعزيز بدويإعلامي يمني