آثار التبعية الفكرية للعالم الغربي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

آثار التبعية الفكرية للعالم الغربي

سليمة اللهيبي:قسم الحسبة جامعة ام القرى

  نشر في 01 مارس 2022 .

بادي ذي بدء يمكن القول إنه لا يمكن أن تنشأ حضارة لأمة ما لم يكن وراءها ثقافة قوية تمتلك من العقيدة، والقيم، والأخلاق، ما يسمو بها فوق الأمم، والأمة العربية الإسلامية أمة ذات أصالة بما تعنيه الكلمة من معنى، والأصالة: تعني الانتماء إلى ثقافة الأمة والتحرر من عقدة النقص والتبعية والاستقلال من كل استعمار عسكري وفكري وثقافي. والحضارة العربية والإسلامية تمتلك قوة ثقافية وعلمية أساسها القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهذه الثقافة استوعبت مستجدات الحضارة قديمها وحديثها.

ولكن الاستعمار الغربي وجه سهامه إلى أمتنا، فراح يغزوها في دينها، ولغتها، وتاريخها، وتراثها، وقيمها، وسعى لفرض ثقافته من خلال التدخل في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية.... الخ, ولاشك أن الله قدر على هذه الأمة الوقوع في "التبعية"؛ حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!) وهذا التقدير من الله تعالى ماض وحاصل لا شك فيه، ونحن نرى شواهده في التاريخ القديم والمعاصر، وهو من التقدير الكوني الذي أمرنا بمدافعته ومقاومته قال تعالى . {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}[البقرة:251]

وعبر التاريخ وقعت التبعية في مجال العقائد، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، والعادات وغيرها، وتعود جذور التأثر بالغرب إلى بدايات التأثر بالتقنيات والتنظيمات الإدارية في مجال السياسة وتنظيم الجيش والقانون الإداري كما حصل في زمن الدولة العثمانية، وقد تطورت تدريجيًا لاسيما مع العلاقات والتواصل الدبلوماسي والبعثات، وقد وصل ذروته في الوقت الحالي بعد التشابك الدولي شديد التعقيد، وظهور الإنترنت والهواتف الذكية والإعلام والاتصالات والمواصلات والسفر والسياحة والإقامة والدراسة والتبادل التجاري مع البلاد الغربية. فتكونت حالة التبعية من ثنائية التغلب الغربي (الهيمنة)، والضعف العربي والإسلامي (الانهزامية)، هذه الثنائية المتداخلة بين الداخل والخارج هي التي أنتجت هذه التبعية المقيتة، والتي وصلت إلى العقل الباطن في مجتمعاتنا، وأصبحت تمارس بعض أنماطها بصورة عفوية، ولا يرى صاحبها الأشياء إلا من خلال المنظار الغربي، بل قد يمارسها أحيانًا وهو لا يدري أنها غربية، بل ربما ظنها مترسخة في ثقافته وحضارته. فما يعرف اليوم (بالثقافة العالمية) هو في الحقيقة (الثقافة الغربية)، فالمتغلب هو الذي يفرض فكره وثقافته على المغلوب، فإذا وصلت الهزيمة في المغلوب إلى قلبه وضميره وعقله أصبح يقلد غالبه، ولا يرى أو يفكر أو يعمل إلا من خلاله.

وقد استخدم الغرب مجموعة من الوسائل لترويض الأمم الأخرى ومن أبرز الوسائل:

1. المنظمات الدولية كاليونسكو ومنظمة التجارة العالمية.

2. الاعلام والتقنية.

3. ظهور التيار العلماني في البلاد العربية والاسلامية.

4. الفكر الغربي الحديث بمذاهبه المشهورة واتجاهاته الفلسفية الكثيرة.

5. الاستشراق.

6. الآداب والفنون الغربية ومدارسها المشهورة.

7. النظريات والمناهج والمفاهيم العلمية الحديثة.

وفي الأخير يمكن القول بأن الخروج من النفق المظلم للتبعية مستطاع؛ ولكن هذا يحتاج إلى عمل دؤوب، وجهد متواصل، وقبل ذلك اعتماد على الله، وثقة به، وصحة في المنهج والمعتقد. وإن من أوليات البدء في التحرر من التبعية: الاقتناع التام بإمكان ذلك، والشعور بخيبة هذه التبعية وذلتها وخسائرها الماحقة للدين والنفس والمجتمع، والنظرة الناقدة الفاحصة لهذا الانهزام والانقياد على غير هدى، والتأمل العميق في القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي وإسهامات الأمة العربية والإسلامية في بناء الحضارة، والقيم الأخلاقية العظيمة التي أثرت في بقية الأمم، ومقارنة ذلك بالدمار الفكري والأخلاقي والقيمي الذي أوصلت الحضارة الغربية الإنسان المعاصر إليه.

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.


  • 5

   نشر في 01 مارس 2022 .

التعليقات

ياسر السيد منذ 2 سنة
احسنت والله
0
Aamer7arbi منذ 2 سنة
مقال جميل
يعطيك العافية
1
Ayman1418 منذ 2 سنة
1
Sa منذ 2 سنة
ماشاء الله مقال مفيد ورائع بارك الله فيك
1
sa22 منذ 2 سنة
مقال رائع جداً ماشاءالله
1
أ منذ 2 سنة
جميل
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم






عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا