8: ظروف نشأته:

عاش تيبريوس حياة صعبة ، ولاسيما بعد أن طلقت والدته ليفيا دروسيلا سنة (39 ق.م) وزواجهامن الامبراطور اغسطس قيصر ، وعلى الرغم من كونه من ال كلوديوس من الاسرة اليوليوية، الكلودية التي كانت من اشهر الأسر في روما، تربى تيبريوس في البيئة الرومانية، التي جعلت منه امبراطوراً فيما بعد( ).

كان تيبريوس يتقن اللغتين اليونانية والروماني ، اذ انه قد أخذ اغلب علومه من اساتذة ممتازين من الرومان والاغريق في الدين والأدب، وتفوق في حياته الادبية والعلمية على الصبية في روما كلها، ولا سيما بعدأن عاش في قصر اوغسطس واصرار الاخير على تعليمه( ). وعند ما بلغ الثالثة عشر من عمره كان اوغسطس قد حقق نصراً كبيراً في استيلائه على مصر ، وانهاء حكم انطونيوس وكليوباترا فيها ، كل تلك الاحداث التي عاشها تيبريوس كانت بمثابة خطوات اولى يصل بها إلى عرش الامبراطورية الرومانية، فضلاً عن كونه ابن ليفيا زوجة اغسطس، وسليل اكبر الاسر الرومانية آنذاك( ).

إن وجود تيبريوس داخل القصر الامبراطوري منحه فرصة اللقاء مع الوفود الدولية ، من حكام وملوك وامراء وممن يتوافد عليها من اغلب دول العالم من المانيا وانجلترا وفلسطين وسوريا ومصر واسبانيا والمغرب( )، التقى تيبريوس بكل هؤلاء السفراء والملوك والامراء وخاطبهم وجادلهم واستمع إليهم، وكان قد تعلم منهم الكثير من القضايا السياسة ، فضلاً عن تجارب حياتية اخرى، وأخذ عن اغسطس أن المصلحة وحدها هي المقياس الحقيقي للعلاقات، ومارس الطقوس الدينية واساليب الحكم( ) وكانت اسرة تيبريوس تشارك في كل الطقوس التي كانت تقام داخل القصر الامبراطوري، فضلاً عن الاحتفالات والمناسبات الأخرى .

تدرب تيبريوس على فنون القتال وهو ما يزال صبياً، وكانت تقام مناسبات تمثيلية يشارك فيها الصبية لأحياء ذكرى معركة طروادة( ). كان تيبريوس أحد المشاركين ، بل كان يقود أحد الفريقين المتقاتلين في بعض الاحيان ، وكثيراً ما تتحول هذه الاحتفالات إلى معارك حقيقية، أدت إلى اصابات خطيرة بأبناء اعضاء مجلس الشيوخ مما دفعهم اخيراً إلى القاء تلك الالعاب نهائياً( ).

كان تيبريوس يظهر دائماً بالمناسبات والتي تعد نافذة له لتحقيق حلمه في الحصول على العرش الذي بدأ يراوده، والذي يتطلب منه أن يصبح ذو شأناً كبير من خلال اتباعه الطرق التقليدية وهي (الجندية) حتى يكون رجلاً ذو اهمية اولاً ، وذات شخصية عظيمة مقاتلة ثانياً ، وأن ينتقل من خلالها إلى مناصب قيادية في الحكومة الرومانية( ).

وعلى الرغم من أن مدينة روما ذات كثافة سكانية عالية ، وظهور كثير من حالات الفوضى والسلب والنهب والقتل ولاسيما في ساعات الليل المتأخرة، فكانت بحاجة إلى جهاز اداري حكومي ضخم، مما ساعد تيبريوس إلى أن يقف على اعلى قمة في روما، واصبح من أكابر القادة الذين تبوأوا عرش روما ، تلك المدينة التي كانت اشبه بالثكنة العسكرية ، والتي يتواجد فيه الضابط والجندي والجنرال، وكان تيبريوس على الرغم من صغر سنه إلا أنه كان قوياً وذو شخصية قوية، استطاع أن يجعل له شأناً في روما، رغم أنها كانت تمثل عدد من الطبقات، وكان تيبريوس ينحدر من اعلى طبقات المجتمع الروماني( )اذ كانت هذا الطبقات تتمثل بطبقة (الشيوخ) ، وهي معنوية أكثر مما هي مادية، وكانوا ينتخبون لإدارة الحكم، ثم تأتي بعدها طبقة الفرسان ، وتقاس هذه الطبقة على من يملك المال، أما الطبقات الاخرى فهي تمثل طبقة المواطنين والطبقة المتوسطة وطبقة العبيد، على الرغم من هذه الفوارق الطبقية إلا أن الكل يعيش تحت سيطرة القانون ( ).

وبعد أن اصبح تيبريوس قائداً عسكرياً اثبت قدرته ، ونجاحه في حملته على ارمينيا، وكذلك رافق اغسطس لتحرير رومانيا من البارثيين ( الفرثيين )( ) وبعد عودته من الحملات العسكرية في الشرق ، منح منصب قائداً للجيش الروماني ومن ثم منح منصب القنصل عام (19 ق.م)( ).

وكان لتيبريوس اثر كبير في محاربة الالمان، واعتقال اعداد كبيرة منهم ونقلهم إلى بلاد الغال، إلا أن ذلك كله لن يثني تيبريوس من مقاتلة القبائل الجرمانية التي خرجت على القانون( )، وفي عام (2 ق.م) وبعد عودته من رودس، منح صلاحيات ادارية واسعة ولكن وفاة اغسطس فتحت الباب إمامه ليصبح الوريث الوحيد للعرش( ).

9: صفاته وأخلاقه:

كان تيبريوس في الخامسة عشر من عمره عام (27 ق.م) ، وقد تميز بصفات كثيرة جعلت منه ذلك الشاب القوي، طويل القامة، شديد البأس، وكان يحمل بعض من ملامح والدته( )، وكان حياؤه وكأبة طبعه، وميوله للعزلة واضحاً في شخصه ، كان عميق التفكير، جدي في عمله وقوراً، هذا مما جعل البعض يصفه باسم (الرجل العجوز)( ).

يفتقر تيبريوس الى الود بسبب انطوائيته منذ صغره، ويتصف بالصبر وقلت الكلام وإذا تكلم يقف قليلاً كي يختار التعابير والالفاظ المناسبة لما يتحدث عنه( ).

وكان لديه القدرة على الخطابة منذ فترة مبكرة، ويقال أنه أخذ تلك الصفات من الامبراطور اغسطس الذي كان حريصاً حتى في كلامه مع زوجاته ، اذ كان بوثق ذلك بالكتابة.

وكان تيبريوس يعيش بين جنوده متواضعاً في تعامله معهم ويشاركهم متاعبهم ولا يميز بينهم وحتى مع نفسه ، على الرغم من الفوارق الطبقية التي كانت بينه وبينهم( ).ولا يقبل مرافقة العبد له، ويأكل مع الجنود وهو جالس، وكان تعامله لهم في غاية الاحترام والتقدير عكس القادة الاخرين من الرومان( ).

هذه الصفات كانت واضحة في شخصية تيبريوس، وهو يمارس حياته الطبيعية في الوقت الذي كان يتطلع فيه إلى أن يصبح رجلاً ذو شاناً كبير في الامبراطورية الرومانية( ).

كان القانون الروماني يضم بعض القواعد المطلقة التي لا سبيل لنقضها ، لكن تيبريوس كان ينكر هذه المسائل ولا يؤمن بنصوص الحكم الخاطئة ، والتي تقف عائقاً إمام تطلعاته، نتيجة خبرته المتراكمة وظروف حياته التي عاشها في قصر الامبراطور اغسطس ، فضلاً عن الظروف القاسية التي مر بها خلال طفولته في وحدة مروعة اذ قضى اغلب حياته متنقلاً مع والده من مكان إلى اخر، فضلاً عن انفصال والدته وزواجها بأغسطس( ).

كل هذه الأمور كانت تظهر في شخصيته وتصرفاته وتعاملاته مع الناس ، مما كان لها من أثر واضح وتأثير كبير عليه، اذ يذكر أن حياته الخاصة لا تخلو من القسوة والشدة ( ).

وعلى الرغم مما نشر عنه إلا أنه كان يمتلك ثقافةً وعلماً في كثير من العلوم التي اكتسبها في دراسته على ايدي كبار العلماء الاغريق والرمان، مع ذلك كان عهده افضل بكثير من سابقيه، وكل ما كتب عنه لا يقارن بمن جاء من بعده، مثل كاليجولا، ونيرون( ). مع كل هذه القسوة والشدة إلا أن لإمبراطورية شهدت في عهده الازدهار والسلام ، والتشويه الذي استخدمه المؤرخ تاسيتوس (هو احد اعضاء مجلس الشيوخ المعارضين لتيبريوس) ، اذ نسب في اسلوبه اللاذع اليه كل طغيان وقساوة سيجمانوس رئيس الشرطة( ).

إلا أن الغموض الذي كان يشوب شخصية تيبريوس جعلت الشعب يعجز عن فهمه أو معرفة اسرار دوافعه، على الرغم من أن حياته كانت بسيطة متواضعة، واختلافه عن معاصريه الذين تميزوابالإسراف، إلا أنه كان يحتقر حياة البلاط، إلا ان إحساسه بالواجب كان قوياً ولم يكن يبالي بما يقوله الرأي العام( ).