مصر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مصر

الامبراطور تيبيريوس

  نشر في 06 غشت 2023 .


ان علاقة مصر القديمة بروما ليست مرتبطة بالغزو الروماني المسلح ، بل هذه العلاقات قبل قرنين ونصف من الزمن، وما كان غزو أوغسطس الا الحلقة الأخيرة من العلاقات ، لاسيما العسكرية بين البلدين( ) .و مصر لم تفتحها روما الا في وقت متأخر، اذ اشتهر شعبها بالميل الى الشغب فكانت بحاجة الى حامية قوية( ) .

فضلاً عن ذلك تعد مصر من اغنى ولايات الإمبراطورية الرومانية واهمها استراتيجيا وتجاريا، اذ كانت ولاية افريقية تمد الإمبراطورية بحوالي خمسة ملايين طن من القمح ، وهو ما يعادل ثلث الكمية التي يستهلكها الشعب الروماني سنوياً().

كما ان موقع مصر الاستراتيجي لخدمة التجارة بين الشرق والغرب والتي تعود بالنفع على اهل الإسكندرية التي كان يعمل اغلبهم بالتجارة، ومن ثم انشأ اسطولا يعمل بانتظام بين الإسكندرية وإيطاليا، وفي نفس الوقت ربط بين التجارة القادمة من الهند وسيلان عبر المحيط الهندي ثم الى البحر الاحمر ، ثم تنقل براً عن طريق القوافل سواء من وادي الحمامات الى الموانئ النيلية عند مدينة "فقط" لتنقل بالمراكب الشراعية الضخمة حتى الإسكندرية ، وهكذا لأول مرة في تاريخها سيطرت مصر على التجارة بين الشرق والغرب( ).

وتأتي اهمية مصر في التاريخ الروماني من الوثائق غير الأدبية ، فهي كثيرة ومتنوعة منها التمارين والواجبات التي يقوم بها التلاميذ الصغار والموضوعات الانشائية التي يكتبها الكبار، والمراسلات والخطابات التي يرسلها الناس لأصدقائهم ، اذ كان المسافرون يقومون بدور سعاة البريد للآخرين، وهذه المراسلات تكشف عن اسرار الناس ومشاكلهم وهمومهم ومشاغلهم، كما تشمل الوثائق عقود الزواج والطلاق، والشكاوى او البلاغات.

هذه الوثائق المكتوبة باللغة الاغريقية هي اثمن ما قدمت مصر للمهتمين بتاريخ الإمبراطورية الرومانية، وهناك عدد محدود من الوثائق مكتوبة باللغة الاتينية ، لاسيما ما يتعلق بالجيش الروماني في مصر او القانون والتشريعات.

والى جانب ذلك فهناك الآلاف من قطع العملة التي تروى التاريخ الاقتصادي لمصر وتكشف عن الاحداث الهامة والشخصية في حياة الاباطرة الرومان ، والاماني الدفينة في نفوس المشرفين على سك هذه العملة، وبعضها قطعا نادرة لأباطرة لا يعرف عنهم المؤرخ الكثير.


يقول ديورانت( ): (كان خليقاً بمصر ان تكون اسعد بلدان الأرض قاطبة، لان النيل يرويها ويغذيها، ولأنها اكثر بلاد البحر الأبيض المتوسط قدرة على الاكتفاء بخيراتها، فهي غنية بالحب والفاكهة تنتج ارضها ثلاث غلات في العام).

كانت وظيفة مصر في الإمبراطورية الرومانية ان تكون المورد الذي تستمد منه ما يلزمها من الحبوب ولهذا السبب انتزعت من الكهنة مساحات واسعة من الأراضي ووزعت على الاسكندريين والرومان()

وفي عهد الامبراطور تيبريوس زار مصر القائد الروماني جرمانيكوس بن دروسوس شقيق الملك عام (19م) ، الذي اصبح بمثابة ولي للعهد بعد تولي تيبريوس الإمبراطورية. في الوقت الذي كان فيه الامبراطور رجلاً مسناً عبوساً سيء الظن بالناس ، كان جرمانيكوس شاباً بشوشاً كريماً محبوباً من قبل الجماهير( ). فقد ذكر تاكيتوس:

( في اثناء قنصلية ماركوس سيلانوس ولوكيوس نوربانوس ذهب جرمانيكوس الى مصر للتعرف على تاريخها القديم ، غير انه تذرع بحجة الاهتمام بالولاية ، وقد خفض الاسعار با فتح صوامع الغلال واصطنع اشياء كثيرة محببة الى قلب الجمهور . فقد مشى دون حرس وانتعل صندلاً وارتدى زياً كزي الاغريق مجاراة لبويليوس سكيبو الذي سمعنا ان اعتاد ان يفعل عين الاشياء في صقلية مع ان الحرب البونية كانت ما تزال مشتعلة ، وقد انتقد تيبيريوس ارتداءه الزي الاغريقي ومسلكه انتقاداً هيناًولكنه وبخه توبيخاً لاذعاً لأنه دخل الاسكندرية دون ارادة الامبراطور متخطياً قواعد اغسطس ، ذلك ان اغسطس من بين الاسرار الاخرى الخاصة بتوطيد سيادته ، قد عزل مصر مانعاً اعضاء مجلس الشيوخ والفرسان الرومان اللامعين من دخولها الا بأذن مخافة ان يصيب ايطاليا بمجاعة أي شخص قد يحتل تلك الولاية ونقطتي الدفاع عنها من البر والبحر ، ولو بحامية بسيطة ضد جيوش ضخمة) .

وقد اصدر جرمانيكوس بعد دخوله مصر منشوراً عبر فيه عن اجراءاته التي اتخذها :

( جرمانيكوس قيصر بن اغسطس حفيد اغسطس المؤله نائب القنصل ، يعلن : بلغني ان بمناسبة زيارتي قد أكره الناس على تقديم مراكب ودواب وان منازل الضيافة قد أخذت بالقوة للإقامة وان وسائل الارهاب قد استعملت مع الافراد . لذلك رأيت من الضروري ان اعلن انني لا اريد ان يستولى احد على مركب او دابة الا بأمر بايبوس صديقي واميني ولا ان تغتصب منازل للضيافة . فان تكن هناك حاجة فان بابيوس نفسه سيوزع منازل الضيافة بالعدل والقسطاط . وبالنسبة لما يلزمنا من المراكب او الدواب فأني آمر بدفع الاجور وفقاً للجدول الذي قدمته . واني لأرغب في احضار المخالفين الى اميني الذي استولى هو نفسه من الظلم عن الافراد او يبلغني الامر . وامنع من يلتقون بالدواب اثناء مرورها بالمدينة من اغتصابها بالقوة ، لأن ذلك عمل من اعمال اللصوصية الفاضحة ) ( ) .

اما بالنسبة لموقفه اتجاه المصريين واستقبالهم له ، فقد ذكر في منشوره الثاني : ( انني أرحب بالشعور الطيب الذي تبدونه دائماً نحوي كلما رأيتموني ، غير انني استنكر استنكاراً تاماً مناداتكم اياي بالقاب تثير على البغضاء لأنها كالقاب الالهة ، ولا تليق الا بابي المنقذ الحقيقي للجنس البشري كافة ومسدي الخير له ، وبأمه التي هي جدتي ، فكل ما نملك لا يعدو ان يكون أثراً من آثارها الوهيتهما ، واذا لم تمتثلوا لأمري فسوف ترغمونني على ان لا اظهر بينكم كثيراً)( ).

كان اول عمل قام به تيبيريوس في مصر ، هو خفض عدد القوات الرومانية، اذ وضع أغسطس ثلاث فرق رومانية أي حوالي(15000) جندي ، فضلاً عن القوات المساعدة. الا ان الامبراطور تيبيريوس قام بسحب الفرق العسكرية المرابطة لمصر ، وجعل عدد القوات لإحساسه بكثرة القوات الرومانية.

اشتهر تيبيريوس بالحزم في إدارة الولايات والعناية بشؤونها ، فقد بدأت الحياة في مصر مرحلة الانتظام والاستقرار الاقتصادي، وان جهود أوغسطس لانعاش البلاد بدأت تؤتي ثمارها، وبدأ ذلك واضحاً من خلال إصدار عمله ، اذ ان أوغسطس فضل مصر عن النظام النقدي للإمبراطورية تستخدم الدينار الروماني ظلت مصر تستخدم العملة الفضية ذات الاربعة دراخمات والتي كان معمولاً فيها في العصر البطلمي ، وجرى تغيير بسيط ينحصر باستبدال صورة الملك بصورة الامبراطور، وكذلك الاسم الذي ظل يكتب باللغة اليونانية ، وبقت هذه العملة متداول في عصر الامبراطور تيبيريوس هذا المشاكل التي رافقت اصدار العملة هذه، اذ قرر اصدار عملة فضية من فئة الأربع دراخامات تحمل نفس قيمة الدينار الروماني الامر الذي سهل عملية التبادل التجاري ودفع الاتاوة وغيرها من المعاملات التجارية بين مصر وباقي اجزاء الامبراطورية الرومانية( ) .

نجد اصدار هذه العملة من اهم اعمال تيبيريوس في مصر. لاسيما تنظيم علاقة مصر الاقتصادية مع الرومان. اذ حدد بموجبها الضريبة السنوية كما يسر طريقة تقديرها وجمعها ، كذلك وضع اساساً ثابتاً للتبادل التجاري بين الإمبراطورية ومصر. كما سهل عملية الدفع بالدينار، وقد ظهر اثر ذلك جليا في مدى الانتشار الواسع الذي حققته التجارة الإسكندرية في العصر الروماني( ) .

ومن الجدير ذكره ان سياسة الاستقرار الاقتصادي التي سادت فترة حكم الامبراطور تيبيريوس لم تمنع المصريين لاسيما في الاسكندرية بثورات متعددة ضد اليهود في ظاهرها وفي باطنها ضد الحكم الروماني في اواخر عهد الامبراطور ، مما دفعه الى تعيين افيليوس فلاكوس (Avilius FlaccusA.) ، الذي اتصف بالعدل والحزم ، والذي سرعان ما اصدر منشوراً عام (34/35م) يمنع فيه الاهالي من حمل الاسلحة او احرازها وهدد فيه المخالفين بعقوبة الموت( )، وبالتالي استقرار الاحوال والهدوء السياسي في مصر حتى اواخر ايام الامبراطور تيبيريوس ( ).

ا


  • 1

   نشر في 06 غشت 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا