العبودية الطوعية (تحليل مقالة إيتيان دي لابويسيه) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العبودية الطوعية (تحليل مقالة إيتيان دي لابويسيه)

  نشر في 04 فبراير 2024  وآخر تعديل بتاريخ 04 فبراير 2024 .

"تفزعهم الحرية مثل حيوان أليف منزلي ، تُخيفه بوابة الخروج" أؤلئك الذين اختاروا العبودية بإرادتهم، مصابين بالعمى غدو إذ إن البقاء في الظلام طويلًا يُفقد البصر. شعوبًا باتت تقاد كالخرفان، بأقدام مُكبلة يعرجون، ورؤوسًا منحنية يُطأطئون، وبذراعين مبتورة يُشيرون، وبأفواه مكممة يصرخون، وبعقول معطوبة يفكرون، ليس هنالك أسوأ من أن يُحرم الإنسان من حريته ولكن الأكثر إيلامًا هو أن يكون السبب في حرمانه منها هو عدم رغبته في الحصول عليها، أنها سيكولوجية العبودية وهذا بالضبط ما سأقوم بمناقشته، للأسف أن مفهوم العبودية الطوعية " أصبح واقعًا لعدة شعوب ، أنه مشكلة حقيقية ومعاناة مأساوية، كما أنه ليس بمفهوم دخيل علينا بل متواجد مُنذ القدم، ويُعتبر من مشاغل الفلسفة السياسية وعلم النفس ، والسوسيولوجيا، حيث من خلاله تتم دراسة العبد الطائع باختياره وتمثلاته الذهنية والنفسية ونسقه الإدراكي والسلوكي. ولكن مثلما الحك على الجرح يزيد من الشعور بالألم يصبح التغافل عنه نجاة، ربما للسبب ذاته تحاشى البعض الغوص في مفهوم العبودية الطوعية، أن أول مفكر ناقش مفهوم العبودية الطوعية كان الفرنسي الشاب (إيتيان دو لا بويسي )حيث نشر مقال تحدث فيه عن العبودية المختارة وأسبابها وانتشارها بين الشعوب وكان هذا المقال أهم أعماله إن لم يكن الوحيد الذي كان سببًا في شهرته. إن العبودية هي عكس الحرية وتعني الذل والخضوع أما الطوعية فتعني الانقياد والتطوع بشيء و(الطوع) هو نقيض الكره ومن هنا نفهم أن العبودية الطوعية تعني اختيار الإنسان من تلقاء ذاته أن يكون عبد للطاغية القائد ، متلذذًا بطاعته . أن تعريف المصطلحين مهم وهذا لأجل أن نفهم ما نحن بصدد قراءته لا سيما أن اختيار المرء أن يكون عبد بإرادته يُعد غير مألوف ويُخالف الفطرة فما بالك بشعوب اختارت بنفسها أن تُقيد بسلاسل حكامها ! شعوبًا خُلعت عنها الحرية لترتدي ثوب العبودية ! ولكن لماذا ؟ وكيف ؟ هذا ما أراد إيتيان أن يوضحه لنا من خلال كتاب (العبودية الطوعية)

• اولًا: الفكرة الرئيسية :

إن الفكرة الرئيسية الذي يدور حولها المقال بشكل أو بآخر هي التحرر من أغلال العبودية واستعادة قدسية الحرية. إذ حاول الكاتب تقديم تفسير للاستبداد قائمًا على أن مشكلة الاستبداد والطغيان تعود بالأساس إلى الشعوب فالمستبدين هم من صنيعة الشعوب أن موافقة المسترقين لا قوة الطغاة هي التي تؤسس الطغيان" فالإنسان بطبعه حر وخُلق حُرًا فكيف من الممكن أن ينحني شعب كامل لشخص واحد؟ أن يظل خانعًا قابلًا للذل والإهانة وقمع حقوقه دون حراك ! أن يختار طواعية العيش عبدًا ، مغمض العين ، أبكم ، مقدمًا نفسه كقربان لغيره ، ثم أن هذا الشخص لا يساوي شيئًا طالما لم يمنحوه هم بأنفسهم سلطة التحكم بأقدارهم ومكنوه من سلخ حريتهم وانتزاع هويتهم ونهب أملاكهم ، وقتل أبنائهم، ولولا القوة التي يستمدها منهم ما كان عبث بمصايرهم هكذا وأذاقهم سوء العذاب وهم يتلذذون حتى جعل منهم شعوبًا مازوخية ، فالسوط الذي بيد الجلاد كان من صنعهم ومتى ما أرادوا بإمكانهم تمزيقه يكفي فقط أن يشعروا بحاجة لذلك.

• الأفكار الفرعية :

-مخالفة الطبيعة :

يقول لابويسي "لم نولد وحريتنا ملك لنا فحسب ، بل نحن مكلفون أيضًا بالدفاع عنها" فالإنسان كما قلنا مُسبقًا يولد حرًا فالحرية هبة الطبيعة له ولكن عليه أن يحافظ عليها ويتمسك بها ويدافع عنها كدفاعه عن حياته لأنه حين يقوم بفعل مخالف لفطرته يُفقد آدميته ويصبح بلا قيمة، فحتى الحيوانات لا تقبل فقدان حريتها وتظل حتى رمقها الأخير تدافع عنها وتهاجم صيادها، وبالتالي العبودية لم تكن يومًا ولن تكون مصير محتوم وينبغي علينا جميعًا الإيمان بذلك فنحن أحرار بطبيعتنا ولا يمكننا إلقاء اللوم على الطبيعة بكونها قد حكمت على بعضنا بالعبودية فهذه مجرد ادعاءات كاذبة وباطلة لطالما كان الإنسان مُخيرا ، أن تحمل الإنسان للأذية اختياري فهو قادر في أي لحظة على التمرد والاحتجاج ورفض كل ما يُخالف طبيعته الإنسانية.

-القبول والإذعان:

يقول لابويسي "إن قبول الشعب هو الذي يتيح لواحد أن يوطد سلطانه برضا الجميع" فلولا قبول الشعب بالطاغية لما تمكن من استعبادهم ، لو أنهم لم يمنحوه السلطة لما طالهم بطشه وجبروته ، لما أخذ أبنائهم للحروب لينالوا حتفهم بينما هو غارق في ملذاته ، من أين له هذه القوة والقدرة لولا أنكم لم تكونوا شركاءه في الجرم ، يكفي فقط أن تقولوا لا ، أن ترغبوا ولو مرة واحدة بالخلاص، كفوا فقط عن مساعدته، توقفوا عن هز رؤوسكم له ، توقون للحرية وانظروا لأنفسكم، أنتم لستم عبيدًا لأحد وحينها فقط سيهوى ويتحطم، ولكن طالما تقبلون به وتمجدونه وتهتفون باسمه ستظلون في القاع وستسقطون في هوة النسيان .

-التربية والعادة:

إن استمرار العبودية وخضوع الشعوب للطغاة دون حاجتهم للتغيير هو نتيجة التربية والاعتياد لا سيما وأنهم نشئوا على ذلك وتربوا عليه ثم أصبح مألوفًا لديهم ، فالعادة أكثر من الخوف هي ما تقودهم للعبودية المختارة، أن الاعتياد معضلة حقيقية تواجه الإنسان فتجعله بلا وعي ينقاد إلى هلاكه ويمارس أمورًا ضد مصلحته، قد يسير البعض في البداية نحو العبودية مجبورًا ثم مع الوقت يصبح الأمر عاديًا فينقلونه للذين يأتون بعدهم غير أن هؤلاء لم يذوقوا طعم الحرية ولا يعرفون عنها شيئًا فيخدمون ويطيعون كما فعل أجدادهم السابقين ، يرضعون العبودية مُنذ الصغر، تنموا وتكبر معهم، نشئوا عليها واقتنعوا بها ليس لشيء ولكنهم ولدوا وهي معهم ، حملوها كما يحملون أسماهم، كيف لهؤلاء أن يشعروا بأنهم متأخرون عن شي غير موجود ؟ كيف من الممكن أن تنمو النبتة وخلفها نبتة أخرى تحجب عنها الشمس ! أنهم عميان والأعمى يرى جميع الأشياء باللون ذاته ، لم يخبرهم أحدًا عن الحرية لذلك أقصى ما فعلوه هو البقاء ساكنون في ظل العبودية ، أن من ألفوا الخنوع وتربوا عليه لن يروا الحرية ولا الحقيقة حتى وإن أعارهم العنكبوت أعينه الثمانية

- سلسلة التبعية:

حيثما تجد طاغية ستجد بأن هناك من يقف خلفه ويُبقيه ثابتًا ، من يُحميه ويشاركه قذارته ، يكفي فقط أن يرمي الطاغية بطعم ليلتقفه عدد قليل من الرجال وهؤلاء الرجال ليس عاديون كغيرهم بل لديهم طموح وجشع شديد وهذا بالضبط ما يدفعهم ليتقربوا من الطاغية ويكونون أعوانًا له ، خمسة رجال أو ستة يبقون البلاد بأكملها تحت رحمته ، ينغمسون في فظائعه ، يتقاسمون معه الغنائم والمكاسب، يقومون بتشجيعه على الفساد والبطش والفجور ، يجمعون شرورهم مع شره ويطلقونه على المجتمع، ولا يقف الأمر إلى هذا الحد إذ إن هؤلاء الستة يخلقون مئات التابعين لهم وتحت المئات ستجد آلاف، أن كل واحد من هؤلاء يستفيد من الآخر ولديه ما يسعى ليناله وهذه المصالح هي ما تبقيهم في رباط، أنها سلسلة طويلة من الأتباع وأن قمت بسحبها ستجد الملايين مشدودين إليها، أنهم أعمدة للطغيان ، ولكي يحققوا من ورائه غاياتهم الشخصية ، يُجرعون شعوبهم سم العبودية، يقبلون التخلي عن حريتهم ويعتنقون العبودية لأجل إرضاء شخص واحد يذيقهم المهانة والعذاب ، يسلخون جلدهم ليرتديه هو ، يصبحون نسخة رديئة منه، وفي سبيل مصالحهم لا أحد يعترض منهم على الرقص حول حرائقه، وبهذه الطريقة يستعبد الطاغية رعاياه من خلال بعضهم البعض ، يجعلهم يدورون في فلك العبودية دون كلل ولا ملل، أنهم تعساء ولا يعلمون بأن من وهبوه سر الشفاء هو الذي سيصيبهم بجروح قاتلة، إذ إن الأسلحة التي يتحارب بها الطرفان صنعها نفس الحداد ، وأن التاريخ ليشهد بأن كل من ساعد الطاغية مات على يديه ، لم ينتبهوا بأن من قاموا بدفعه ليصل إلى القمة سيدفعهم لاحقًا من عليها.

-تضليل الوعي :

لكي يضمن الطغاة بقاء رعاياهم خاضعين وتحت سيطرتهم يتجهون إلى الحيل وذلك عبر تضليل الوعي بالخرافات والجهل، وابتكار الملهيات، محاولون بذلك صرف انتباه الشعوب عن معرفة حقوقهم والمطالبة بها، يفتحون الحانات ، المسارح، الألعاب، السينما ... إلخ ، يبحثون عن نقاط ضعف الشعوب ويلعبون عليها، أن كل هذه الأشياء كانت تبقي الشعوب قديمًا في كهف العبودية ، تجعلهم يتجهون إلى اللهو والاستمتاع متناسين كل الألم والمعاناة ومصائبهم ، يقومون بإعطائهم جرعة زائدة من المخدر وكالبلهاء يفتحون أفواههم ليشربوه ، ومثل لهفة العطشان عندما وجد نهر غرق سيغرقون هم في عبوديتهم ، أن هؤلاء الشعوب من سذاجتهم وبؤسهم لم يدركوا بأن كل هذه الأشياء ملك لهم من الأساس وأن هنالك شيئًا أثمن عليهم امتلاكه وهو حريتهم وحقوقهم والعيش بكرامة، أن هذا الأمر هو ما تقوم به ِالحكومات الآن إذ من خلال تضليل الوعي ونشر التفاهات ينسى المرء حقيقة وجوده، وقد أصبح  الأمر أشد خطورة مما كان عليه قديمًا فمع التطور الذي وصل إليه الإنسان ازدادت المغريات وأساليب الإلهاء ، فمع ظهور الإنترنت والهواتف الذكية ، والسوشيال ميديا ، والإعلام ، وعالم السينما ، وكل أنواع الفنون ، أرتفعت نسبة انشغال الأفراد عن السياسة وقل وعيهم بحقوقهم وتمكن الطغاة من السيطرة عليهم واستدراجهم إلى الوحل

• النقد شكليًا وموضوعيًا :

في الحقيقة دائمًا ما تواجهني مشكلة في النقد الشكلي حين أقرأ عملًا بغير لغته الأصلية وذلك لأنني مؤمنة بالعبارة الإيطالية التي تصف الترجمة "بالخيانة" وأتفق مع المترجم (علي مصباح) حين قال إن كثيرًا ما يتحول المترجم إلى "قاتل" لذا سنجد بأن المعاني قد تموت احيانا أو تفقد جوهرها على أيدي المترجمين، على كلًا أن مقالة العبودية الطوعية قد كُتبت بوضوح والأفكار التي بداخلها صاغها الكاتب بلغة بسيطة ومفهومة وكأنه يُشدد على أن نستوعبها جيدًا، كتبها بأسلوب المقالة أو كخطبة تحريضية ولكن يعيبها قصرها بالإضافة إلى افتقارها للتفاصيل، كما أنها لم تحتوي على تحليل عميق وكاف رغم أهمية الظاهرة التي تناقشها. كما أن الكاتب أكثر من الأمثال والاعتماد على التاريخ اليوناني والروماني، ولكن ربما يعود ذلك إلى أن كاتبها كان آنذاك في مقتبل العمر وكان متأثرًا بالحضارة اليونانية والرومانية وربما في هذا عزاًء لنا. كما ناقش الكاتب قضية خضوع الشعوب غير المفهوم ولا مبرر لشخصا واحدا، حيث وضع عدة أسباب برأيه تجعل منهم عبيدًا باختيارهم كما هاجم وبشدة الطغاة ومجد الحرية وأراد منا الاستيقاظ من غفلتنا، والتمرد والوقوف بوجه كل شيء يسلبنا حقوقنا وأنفسنا ، أن هذه المقالة رغم بساطتها وقلة تفاصيلها إلا أنها بمثابة جرح لا يندمل، عبارة عن صرخة مليئة بالحزن والغضب والاستغراب والتساؤلات، هذه المقالة يعيش بداخلها أجيال وأجيال، تحمل مأساة شعوب كثيرة، تكشف حقيقة مهما حاولنا إخفاءها وإنكارها سنظل نجرها خلفنا ونعاني منها للأبد إن لم نضع لها نحن نهاية ونقف عن توارثها فيما بيننا، صحيح بأن المؤلف لم يُشف جروحنا ولكن يكفي أحيانًا أن تُشير لموضع الألم لتتمكن من علاجه، لقد أزاح إيتيان الستار وعليك أنت أن تقرر هل ستظل أعمى البصيرة وتؤدي دورك بانصياع ! أم ستقدم استقالتك من هذه المهزلة وتعتنق دين الحرية!

كما أشار الكاتب على أن الطاغية يستمد قوته من الشعب حيث إن قبولهم به يجعله يتمادى في طغيانه ويمنحه الصلاحية في انتهاك أوطانهم واستباحة دمائهم ، وامتصاص خيراتهم، وهذا الطاغية في أحيان كثيرة يكون ليس بالقوي ولا ذو كفاءة عالية بل قد يكون أجبنهم وأضعفهم ولكنه استطاع خداعهم وتنويمهم، استطاع ترويضهم ليكونوا بأنفسهم مصدر قوته ودرع حمايته وجيشه، ولكن السؤال هنا لماذا ؟ لماذا نجد شعوبًا كاملة تحتمل كل هذا العذاب والذل والقمع على يد شخص واحد ؟ لماذا يصبحون مصدر غذائه وقوته ! وهنا تأتي الإجابة حيث رأى المؤلف أن استمرار الخضوع سببه العادة وأنني أوافقه الرأي إذ إن الاعتياد يجعل من المستحيل طبيعيا ومألوفا فكل ما تمارسه ستُجيد إتقانه مع الأيام بكفاءة، ومن عاش في الظلمة لن يستطيع أن يلمح النور حتى وإن كان ضاربًا في عينيه ! لطالما كان الإنسان حصيلة نفسه، أن التعود ينسيك قدرات عقلك، يُغيّب عليك أنك تستطيع أن تكون أكثر مما تبدو عليه، يجعلك تألف الركود والاستكانة، أن الاعتياد هو آفة العقول، أن هؤلاء الشعوب بسبب اعتيادهم على الطاعة لم يعودوا يرون الحرية ولا يطمحون للتغيير ، نائمين في سبات عميق ولن يستيقظوا ألا حين يظهر منهم أشخاص حالمون، كما أن للتربية دورًا كبيرًا في زرع العبودية بداخلهم وذلك على غرار " من شب على شيء شاب عليه ولأنهم ولدوا من رحم العبودية وكبروا وهم يمارسون الطاعة، ويرونها تكسو آبائهم وأجدادهم ألفوها واستطعموها ولم يعودوا يتوقون إلى أبعد من ذلك. أما السبب الثاني الذي يوطد من عبوديتهم المختارة هو الدين والخرافة إذ من خلالهم يتم تسميم عقول الشعوب وإفسادها فالدين بالنسبة لهؤلاء الطغاة مفهوم اقتصادي ففي ظله يؤسسون سياساتهم القذرة منتهكين كل حقوق الآخرين، وفي المقابل تجد الجهلة من الشعوب ينغمسون في إيمانهم الأعمى وينشغلون في أداء طقوسه تاركين أمور التدخل في السياسة غير مهتمين بالشأن العام وغير مبالون بحقوقهم، كما أن الخرافات التي يتم دسها بين الشعوب تبقيهم على اتصال مع حكامهم ويتم ذلك عن طريق اختلاق انتصارات وهمية وروايات مزيفة ، أن هذه الحيل الذي يقوم بها الطغاة تخدر الشعوب وتثبت عبوديتهم ، تجعلهم موهومين بالسيطرة بينما هم امتدادات لقرارات غيرهم، أن هذا الأمر يمكننا رؤيته الآن في عدة شعوب فكمْ صدعتنا الرصاصات الفارغة بقصص عن بطولاتها وكمْ سنجد شعوبًا تلتم حول أبرعهم كذبًا، ليقص عليها حكايات خيالية عن السلام وحُب الوطن . ولا ننسى أيضًا دور الفئة المقربة للطاغية والذي يرى المؤلف بأنهم يسهلون على الآخرين المشي نحو العبودية وهو مُحق فمن خلال هؤلاء المتملقين للحاكم والذي بالطبع يفعلون ذلك لأجل مصالحهم الشخصية يبني الطاغية مملكته ليتربع على عرشه ، أن هذه الفئة تمارس العبودية الطوعية باحتراف وتقوم بنشرها كعدوى مميتة لبقية أفراد المجتمع، وهم حولنا دومًا أينما ألتفت ستجدهم ، وهما نوعان وكلاهما يثيران الاشمئزاز والقرف ، أن الأول ينحاز للنظام ويدعمه لأجل أن يجني مكاسب شخصية ينتفع بها ولو كان ذلك يجرده من كرامته وحريته ويجعل منه كلبًا مطيعا، والآخر ينحاز للنظام خائفًا مذلولًا فتجده يواكب القطيع، مستلذا بعبوديته ، وأن كان في سره رافضًا للعبودية إلا أنه سيمتنع عن قول كلمة الحق لأنه طوق عنقه بالخوف، وأمثال هؤلاء كثيرا ويمكنك معرفتهم من تناقضاتهم المخزية، كالحرباء يتلونون تارة ستجدهم يمتدحون فلأن وتارة يشتمونه، وأنهم بهذا ينشرون الفوضى السياسية والتي يساهم في نقلها الأعلام اللاأخلاقي، وهذا يولد أفرادًا بشخصيات مشوشة وفكر مهزوز ، فكيف لنا أن نزرع في أبنائنا حرية الفكر والاختيار وهناك بشرًا يحاولون تعميم عبوديتهم على الآخرين! أن هؤلاء الحثالات أثناء لهتهم خلف المكاسب ومنافعهم الشخصية يغفلون بأن نهايتهم ستكون على نفس الشخص الذي قاموا بالانحناء وتقديم أرواحهم له، سيذيقهم من نفس الكأس الذي قدموه لغيرهم، ومثلما كانوا شركاءه في الجُرم والرذيلة والاضطهاد سيصبحون ضحيته وسيدفعون ثمنا ما جنت يداهم الملطخة بدماء الأبرياء. في الأخير سنرى أن هذهِ المقالة على الرغم من أنها تناقش مشكلة سياسية ألا إن في عُمقها تحمل أزمة في الثقافة وذلك بسبب عدم إدراك الناس لحقوقهم وحريتهم فالولاء المطلق يعني انعدام الوعي " هذا ما قاله "جورج أوروبا"

• الخاتمة:

هناك قصة قصيرة أُحب أن أختم بها هذا المقال، حكاية يرويها لنا الفيلسوف الصوفي "جورج كرد جيف" وقد كان من أهم المتنورين في عصره ، وأنني لا أسردها هنا اعتباطا بل لكونها تحاكي واقعنا وتصف أحوالنا، حسنًا يقال بأن هناك رجلًا كان يعيش في الغابة، وكان لديه قطيع من الخراف تعد مصدر غذائه، فكان ينحر خروفًا، كلما جاع وبالطبع فعل كهذا سيدفع الخراف للهلع فراحت تحاول الهرب والاختباء منه حتى لا يراها، فلا ينحرها، ولكن هذا الرجل كان ذكيًا وماكرًا، ولأنه أدرك خوفهم وما يدور في مخيلتهم أصبح يجتمع بكل خروف لوحده ويقول له أنت خروف مميز عن الآخرين، أنت استثنائي، فلا تخف لن تطولك يداي ، وكان يقول لخروف آخر : لما تظن بأنك خروف ! أنت لست مثلهم، أنت أسد، ذئب، فلماذا تهرب إذن ؟ وحدها الخراف من تهرب، أما أنت فملك الغابة، وهكذا كان يخترع لكل واحد منهم حكاية، ويخبرهم بالأكاذيب فيتوقفون عن الفرار وبذلك تمكن هذا الرجل من السيطرة على القطيع. فما عاد خروف هرب أو أختبئ ، ولكن هذه الخراف ظلت خرافًا وبينما كان يتم نحرهم الواحد تلو الآخر كانوا لا يزالون مقتنعين بأنهم مميزون وليس كغيرهم . من هذه الحكاية يُمكننا أن نستنتج شيئين، الأول هي أنك موهوم وأسير لأفكار مزيفة وإن لم تع وتدرك الحقيقة بنفسك قبل فوات الأوان ستكون في قاع الهاوية ولا أمل لك بالحرية. أما الثاني فهو تشابه الرجل مع الحكومات الحالية وتشابهنا نحنُ مع الخراف، فكيف سننعم بالحرية ، ونحنُ نظن بأننا أحرار ؟ لا نرى القيود على أيدينا ولا ندرك فداحة ما يحدث حولنا ، تمارس علينا الحكومات كل أنواع التنويم المغناطيسي، مخدوعون بكذبات لا تعد ولا تحصى، أخذوا منا كل مقومات الحياة وأساسها ورموا لنا بالفتات، يطلون علينا من خلف الشاشات يُخبروننا بأن الغد أجمل .. يلقون الوعود والمغالطات وكل هذا الهراء .. وننسى أن مهمة السياسي أن لا يدع أحد يقف على الحياد وإقناع الحمقى بأنه ينشد السلام من حروبه التي لا تنتهي ولن تنتهي، لقد جعلوا من الأوهام حقائق نتعايش ونتلاءم معها حتى صدقناها فأصبحنا كتلك الخرفان تمامًا، أن العبودية الطوعية التي تحدث عنها إيتيان قبل خمسة قرون لا زالت باقية حتى الآن ومتواجدة بشكل يبعث على الحزن والشفقة، يكفي فقط أن نُزيح الغشاوة من أعيينا وسنراها بوضوح، أن نقرر رؤية الحقيقة، أن ندرك بأننا سجناء ونقوم بتكرار أخطاء الماضي بآلية، متى سنتوقف عن كوننا ضحاياهم؟ متى سنتخلص من حالة المواطن المستقر !ونكون مواطنين أحرار ..لنا صوت .. ورأي وفكر وتأثير. نرفض كل ما يمس كرامتنا وحقوقنا وقادرون .. قادرون دومًا على أن نقول لا .




   نشر في 04 فبراير 2024  وآخر تعديل بتاريخ 04 فبراير 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا