المقدمة: يُعد التاريخ الروماني من المراحل المهمة في تاريخ البشرية ، نظراً لسرعة انتشار الرومان و ضخامة أحداثهم ، فضلاً عن سعة مساحة الامبراطورية ، ولا أن هذا العصر قد شهد تطوراً سياسياً و عسكرياً كبيراً برز في رجال عدة ، كان لهم شأن كبير في التاريخ الروماني ، فضلاً عن مساهمتهم في بناء صرح الإمبراطورية الرومانية ، التي عدت وريثة شرعية لإمبراطورية الإسكندر ، هذه الاسباب دفعت الكثير من المؤرخين للكتابة في تاريخ هذا الشعب من بناء المدينة مروراً بأدوار الحكم المختلفة ، فضلاً عن التنوع السياسي الذي ساد في روما من مرحلة الى أخرى ، و لا سيما في مواقف المحافظين و الجمهوريين ، فضلاً عن أثر القادة الأباطرة في صنع ذلك التاريخ ، بما حفلت به حياتهم و ظروف نشأتهم ، فضلاً عن ارتقائهم العرش الإمبراطوري ، و قدرتهم على قيادة البلاد و توسيع سلطانهم إلى مناطق بعيدة عن روما نفسها ، و بالتالي قدر للرومان أن يكون لهم إسهام كبير في تاريخ الكثير من الشعوب التي سيطروا عليها . و على الرغم من أن تاريخ الرومان مليء بالأحداث و الشخصيات المتعاصرة و المختلفة في مواقفها ، نرى القدر المجهول يكتنف واقعاً حربياً أو ظرفاً سياسياً ، تظهر فيه الدولة مرغمة على قبوله ، و يعد تولي تيبيريوس السلطة الامبراطورية و ما تميز به من تناقض في شخصيته ، هو جانب من هذا القدر ، لذلك نرى في سياسة روما الداخلية و الخارجية على السواء اكثر من ذلك ، اذ كثير من النتائج التي امكن لروما عدها نهائية ،كادت أن تصبح موضع شك ، و تعود كما كان شأنها في وضع مستقبل الامبراطورية في خطر محدق . والحديث عن حياة الإمبراطور تيبيريوس هو في الحقيقية الحديث عن حيز يسير من أخبارأمة عرفت بقوتها و حكمة قادتها ، و ملكت العالم ، مازال تاريخها تبصرة لأرباب السياسة ، و بها ينصح الجاهل و يهتدي العامل ، لذلك قضى علماء الغرب سنوات عدة في درس لغتها ، لأنها مصدر لغاتها و أساس آدابهم و شرح أسباب قوتها و سقوطها . لم يشهد عصر هذا الامبراطور شغباً أو تمردات ، سوى تمرد واحد قامت به القوات الرومانية , و لا سيما أن عهده عرف ب( السلام الروماني ) الذي رسمه الامبراطور أوغسطس ، الذي ابعد روما عن حالة الحرب المستمرة ، و سياسة التوسع المرافقة لها ، إذ إن تيبيريوس حاول في سياسته الحفاظ على الانجازات التي حققها اوغسطس ،و التي كان لها الأثر الكبير في ديمومة الحياة في الهدوء و الاستقرار للمجتمع الروماني أولاً و من ثم الولايات التابعة لهم . حقا نحن أمام شخصية يكتنفها الغموض ، نتيجة الظروف التي عاشها بين طلاق أمه الإجباري من الإمبراطور ، و اجباره كذلك على طلاق زوجته ، و الزواج من امرأة كان بينها و بينه فراغ كبير ، لكل ذلك جعل شيئاً من الضبابية في حياته ، أجبرته على القيام بتصرفات كثيرة ، كان لها أثر كبير في مستقبل أسرته نفسها، لذلك تجرأ عليه من المؤرخين ووصفوه بأبشع الصور , في الوقت الذي كان فيه تيبيريوس مدركاً لحياته و مجالات عمله . من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، لتسليط الضوء على أحد أولئك الأباطرة الذين شاءت الأقدار أن تكون له صلة مباشرة بالإمبراطور أوغسطس ، و تسمح له الفرصة بتولي وراثة العرش الإمبراطوري ، و قيادة روما في فترة تعد من أهم فترات التاريخ الروماني . وهذا البحث هو محاولة في إعطاء نبذه عن حياة الإمبراطور تيبيريوس ، من حيث توليه السلطة مع ذكرنا للتقلبات السياسية التي رافقت مسيرته ، متؤخين عرض الأحداث بأسلوب علمي مجرد بعيداً عن السرد ، من خلال إعطاء أكبر قدر من الموضوعية في معلوماتنا منذ ظهوره و حتى وفاته ؛ باحثين في العوامل التي صيغت بها حياته الإمبراطورية ، ولا سيما علاقته بأمه و مسيرته الأولى مع الإمبراطور أوغسطس ، فضلاً عن علاقته بأمه و مسيرته الأولى مع الإمبراطور أوغسطس ،فضلاً عن علاقاته بمجلس الشيوخ و موقف الشعب منه ، و سمات عصره على وفق السياسية التي في رسم أثره في المجتمع الروماني . ولا يخفي أني سلكت في بحثي هذا مسلك الاختصار و نبهت على بعض الحوادث و الجوانب الغامضة في حياة الامبراطور تيبيريوس متوخية الحذر لاختلاف آراء المؤرخين في شخصية هذا الإمبراطور و غرابتها . قسمت هذه الدراسة على ثلاثة فصول مسبوقة بمقدمة ، فضلاً عن خاتمة تضم أهم النتائج التي توصلنا إليها ، ضم الفصل الأول حياة الامبراطور تيبيريوس في نشوئه و انتمائه القبلي ، و قد قسم الفصل الى مبحثين : شمل الأول اسمه وولادته و أسرته ، فضلاً عن ظروف نشأته ، أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه الظروف التي سبقت توليه العرش الامبراطوري . وخصص الفصل الثاني سياسة الامبراطور تيبيريوس الداخلية ، بعد أن قسم إلى مبحثين تطرقنا في الأول إلى سياسة الامبراطور تيبيريوس في الجوانب المالية و العسكرية و الادارية فضلاً عن اعماله العمرانية ، أما الثاني فقد ضم الأوضاع الداخلية للإمبراطوية في عهد تيبيريوس و المتمثلة بعلاقة الامبراطور مع قائد جيشه سيجانوس و الاعمال التي قام بها الأخير للإطاحة بالإمبراطور ، ثم علاقة الامبراطور مع ابن شقيقه جرمانيكوس فضلاً عن علاقته بالإمبراطورة ليفيا. أما الفصل الثالث الذي حمل عنوان سياسة الامبراطور تيبيريوس الخارجية ، فقد قسم على مبحثين ، تناول الأول السياسة العسكرية ، و ضم المبحث الثاني قضية السيد المسيح و موقف اليهود و الحكومة الرومانية منه ثم ختمنا هذا الفصل بوفاة هذا الامبراطور الكبير . شملت الخاتمة أهم النتائج التي توصلنا اليها . تأتي بعدها قائمة المصادر و المراجع . اعتمدنا على بعض المصادر الاجنبية و العربية و التي أغنت البحث ، تأتي المصادر الكلاسيكية في مقدمتها ، منها المؤرخ سوتونيوس (Suetonius)(69 -122م)في كتابه (سير الاباطرة الرومان الاثتي عشر من يوليوس قيصر الى الامبراطور دومنيان) و المؤرخ تاكيتوس (Tacitus) في كتابه (The Annals of Tacitus)، إذ كان لها أثر كبير في الكثير من مضامين البحث ، لما حوته من معلومات قيمة حول حياة الامبراطور تيبيريوس في الفصل الأول ، و لا سيما و أن الكتاب الأخير يعد موجزاً لتاريخ روما ،فضلاً عن كتاب كاسيوس (Dio Cassius). أما فيما يتعلق بالكتب المعربة ، فقد كانت لكتاب ارنست ماسون الموسوم (تيبيريوس الامبراطور الرهيب) ، و على الرغم من تحامل هذا المؤرخ على الإمبراطور تيبيريوس ، شملت معلوماته أغلب فصول الكتاب . و لم يكن للإمبراطور تيبيريوس نصيب من البحث و التقصي في الكثير من الكتابات العربية ، على الرغم من أنها ساعدتنا في الكثير من رسم خطوط هذه الدراسة و كتابتها ، و يعد كتاب مصطفى العبادي (مصر و الامبراطورية الرومانية في ضوء أوراق البردي) التي سلط فيه الضوء على تاريخ مصر تحت السيطرة الرومانية على وفق المصادر المصرية ، اذ اعطى صورة واضحة عن زيارة جرمانيكوس لمصر و علاقته بالإمبراطور تيبيريوس فضلاً عن ذكره للسياسة التي اتبعها الرومان في مصر . و من الكتب التي كان لها أثر في كتابة البحث كتاب قصة الحضارة لمؤلفة ويل ديورانت في الجزأين العاشر و الحادي عشر ، و كتاب تيبيريوس ثاني أباطرة الرومان لأشرف صالح ، فضلاً عن كتاب الناصري الحضارة الرومانية و قد أغنت هذا المصادر موضوعنا بدقة أحداث كتابها و تقصيها لأحداث التاريخ الروماني . وأخيراً و بعد الانتهاء من كتابة بحثنا هذا ، لعلي أكون في إعطاء هذه الفترة من تاريخ الامبراطورية الرومانية حقها من خلال دراسة احد الأباطرة الذين تولوا السلطة فيها ، و ممن كان لهم أثر في تاريخها السياسي ، نسأل الله ان يمن علينا و على قسم التاريخ \ كلية الآداب- جامعة بغداد بالخير و العطاء على وفق اساتذته بما فيه من انجاز علمي لرفد الحركة العلمية في العراق . المؤلفة